رحماك يا قدرا مع أول خيط من خيوط الشمس الذهبية، استيقظت لأفتح أبواب يومي على مصراعيها وأركض نحو تنفيذ برنامج سطرته البارحة وأنا أتناول فنجان شاي بمقهى فرنسا وسط الساحة بمدينة الصويرة. برنامج ضم زيارة المتحف الأثري الذي يضم أثار الحضارة اليهودية بالمدينة وزيارة للسوق القديم الذي يعتبر ( الجوطية ) أو سوق الخردة والأدوات المستعملة, ثم غداء بمرسى المدينة حيث السمك الطازج، ولكن بأثمنة خيالية وبعدها زيارة أروقة الفن والنحت المتناثرة هنا و هناك … هذا ما حلمت بزيارته منذ أن وطأت قدماي المحطة الطرقية بالمدينة، لكن و كما يقال لا تأتي الرياح دائما بما تشته السفن, أجل كل ما حلمت به و أنا أزور مدينة الرياح كان جولة ثقافية وفنية لمعالم المدينة و طلب الدفء وسط أحضان المدينة الباردة. لكن و لكن ثم لكن منذ أن فتحت عيناي على ضوء الشمس الذي يداعب النوافذ ويتسلل كالسارق من بين زجاج النوافذ الخشبية وبمجرد ما ارتديت ملابسي و ارتشفت فنجان قهوة سوداء بمرارة الأيام التي اعتقدت أنني تركتها خلفي. خرجت و أقفلت الباب ورائي نزلت الدرج و بوصولي للردهة سمعت: bonjour madame أجبت: صباح الخير، و سألت مسؤول الاستقبالات لماذا ألقيت التحية بالفرنسية, أجابني: Juste car c est l'habitude آه جرت العادة أن تتحدث بالفرنسية وأنت مغربي عربي، وتعيش في مدينة 75 بالمائة من سكانها عرب و فقط الباقي أجانب _ لابد أنه تطور كبير و تأثير أكبر للوافدين الأجانب _ لابأس أسعدت صباحا إلى اللقاء. خرجت وتوجهت حسب الخارطة إلى مكان المتحف، ألقيت التحية على المسئول وقلت كم ثمن الدخول أجاب 10 دراهم سيدتي، دفعت المبلغ و دخلت إلى الأروقة أتجول فيها وأعيش مع الحضارات التي مرت والثقافة التي سادت، ورأيت أن الأواني و الألبسة والحلي كلها تعود للتواجد اليهودي بالمدينة، و قرأت في بعض الكتب عن التعايش التي ساد هناك و قلت أن المغرب دائما يثبت أنه بلد التسامح الديني, وبعد أن أنهيت جولتي مابين الحاضر والماضي، خرجت لأتمم المشوار وفجأة رأيت تجمعا أمامي ما كان لي من الفضول إلا أن اقترفت وحاولت معرفة ماذا يحدث, إنه شاب في مقتبل العمر واقف ظهره للجدار و وضع شريطا لاصقا على فمه ويحمل لافتة كتب عليها شغلوني أو اقتلونين كان المنظر شاذان تظاهر بهذا الشكل في بلدنا لا يعقل؟ استغربت ليس لتسجيل الموقف لكن للطريقة، حاولت بكل فضول السؤال، هل لأول مرة يفعل هذا الشاب هذا “نعم” هل يتكرر هذا المشهد دائما ” لا على العكس فالمدينة مسالمة و أهلها كذلك، ” هل ستتدخل الشرطة؟” لا ندري “، و مازلت أحاول إشباع فضولي، ها قد أتت سيارة الشرطة بصفيرها و عويلها “طوط طوط …” نزل رجلان منها وحملا الشاب، كأنهما يحملان جديا أو خروفا… رحماك يا قدرا بمجرد ما وضع الشاب في السيارة، سمعنا كلاما نابيا و بعدها صراخا وعويلا، وبعدها ذهبت السيارة و تركت سؤالا يقض مضجعي، أين أنت يا بلد التسامح و كل الثقافات!!!؟؟؟ فقدت تلك الرغبة التي كانت تناديني نحو اكتشاف المعالم التاريخية و الثقافية للمدينة التي أوأدت حضارتها بكتمانها صوت مواطن يريد العيش أو الموت بكرامة. اعتراني شعور بالانهزام، وفجأة أحسست بالبرد و القشعريرة مع الرياح التي وشوشتني، اذهبي فليس كل ما يلمع ذهبا وعيشي مع الأمل، لأن لولاه لقلنا جميعا إما العمل أو الموت في مدينة تحتضر كهذه، وكأن السياحة هي التي ستضمن لنا الحياة.