كيف تدخل السجن؟ هو سؤال ساذج وسخيف، نظرا لحتمية هذا المصير، بالنسبة لكل من يرتكب جريمة تستحق ذلك، بغض النظر عن نوع هذه الجريمة، غير أن الغريب في السؤال أن يكون بهذا الشكل، كيف تدخل السجن بدون جريمة؟ و كيف تكون ضيفا لدى مصالح الأمن دون ارتكاب ما يدعو لذلك؟ و بكل بساطة، كيف تصبح معتقلا بين ليلة و ضحاها بخطوات بسيطة لا تحتاج لتحضير طويل؟ لن أقوم بذكر المواد المحتاجة، و لا بذكر المقادير،لأن هذا لا يدخل ضمن أمور الطبخ، و إن كان الطبخ من بين أموره الأساسية و المهمة، حيث يتم بعد الاعتقال والاقتياد لمخفر الشرطة، طبخ الكثير و الكثير، لكن دون مقادير محددة. أن تكون معتقلا، وتحل ضيفا لدى رجال الأمن، و تصير جارا أو شريكا في السكن مع أكبر المجرمين واللصوص، ليس بالأمر الهين في بعض الدول المتقدمة، فقد تحتاج للقتل، أو السرقة، أو إحدى الجرائم العظيمة في سبيل ذلك، لكن في دول أخرى لا تزال في طريق النمو المتأخر، لن تحتاج لكل هذا، فالسجن يرحب بجميع المواطنين، ذكورا كانوا أو إناثا،أطفالا أو شبابا أو شيبا، الكل مرحب به في السجن و باستضافة خاصة و فرصة للإلتقاء بلص قد نشلك ذات يوم، أو بقاتل قد قتل جارا أو جارة لك، فتكون لديك الفرصة من أجل لقاء مطول قد يدوم أشهرا كثيرة. في هذه الدول، كل شيء مسخر لخدمة المواطن، سيارات بمختلف الأحجام، الرسمية منها وغير الرسمية، غير مضطر للتنقل على قدميك للسجن أو لمخفر الشرطة، فالسائق ينقلك إلى مكان إقامتك الجديد، دون أي عناء، حتى و إن لم تطلب منه، فهو يعرف المحتاج من الغني، فلم يسبق و أن قام بنقل وزير ما إلى السجن، لوعيه التام بأن الوزير يملك سيارة جميلة، و أنيقة، ولا يحتاج لتوصيلة، و في الحقيقة الوزير لا يزور السجن إلا إن أراد الاطمئنان على أحوال الضيوف، رغم أنه الأولى بهذه الاستضافة. يكفي أن تكتب، أن تعبر، أن تصور، أن تفضح، أن تنشر مقالا على الأنترنت، لتكون ضيفا عزيزا و تنعم بتوصيلة سريعة إلى السجن، و تنعم بأكلة خفيفة قد سبق طبخها من أجلك، فهم على علم بقدومك و إن كانوا غير متأكدين من وقت وصولك، فلديهم قائمة بأسماء كل من حجز غرفة له بالسجن، ولائحة بكل تفاصيل حياتك اليومية، حتى أنك قد تخرج من المرحاض، وتجد السائق في انتظارك قائلا: « سيدي، هل أنت مريض؟ ليس من عادتك استغراق كل هذا الوقت». لتدخل السجن في ستة أيام بدون جريمة، يكفي أن تكون مدونا، ناشطا إلكترونيا، تستجيب لآهات المواطن، تنشر الحقائق، تغطي الاحتجاجات، تكتب عن الفساد وتحلم بوطن جميل، وديموقراطي، يوفر جميع الحريات وحقوق الإنسان للجميع.