رغم أنني لست من هواة الأفلام على اختلاف أصنافها وتوجهاتها والمواضيع التي تتطرق إليها، إلا أنني وقعت بالصدفة، والصدفة خير من ألف ميعاد، في إحدى الفضائيات العربية على صورة رجل يرتدي زي الدرك الملكي المغربي، وصورة أرض جرداء تشبه إلى حد ما واحدة من مناطق المغرب “غير النافع”، عرفت بعدها أنه الفيلم الأمريكي “بابل” الذي لعب فيه الممثل الشهير “براد بيت” دور البطولة إلى جانب الممثلة “كيت بلانشيت” وهو من إخراج المكسيكي “أليخاندرو جونزاليس إيناريتو” وقد جرى تصويره في أربع دول من بينها المغرب. ومن لم يتابع بعد هذا الفيلم الرائع الذي صدر سنة 2006، أنصحه بمشاهدته وإعادة مشاهدته لمرات، لأنه لا يبعث على الملل بقدر ما يكشف للعيان مجموعة من المعاناة والمآسي وكذا التجاوزات التي تحدث في هذا البلد السعيد. يحكي الفيلم قصة رجل (براد بيت) وزوجته ( كات بلانشيت ) قدما إلى أجمل بلد في العالم من أجل قضاء عطلة، لكن هذه العطلة ستتحول في أولى خطواتها إلى كارثة حقيقية. فبينما كان الإثنان في حافلة تسير ببطء شديد وسط طريق ضيقة قرر كريم غلاب مؤخرا أن يطبق فيها مدونة أوربية، اخترقت رصاصة زجاج النافدة وأصابت الزوجة في عنقها، الرصاصة أطلقها طفل كان يلعب ببندقية أبيه التي اشتراها من جار أهداها له سائح ياباني. فوقع الأسوء عندما وجد “براد بيت” وزوجته الملطخة بالدماء نفسيهما في قرية تنتمي إلى تراب مغرب القرن الواحد والعشرين، ولا تتوفر على مستوصف ولا صيدلية ولا مركز صحي، وبين الفيلم كيف أن طبقة من المغاربة مازالوا يلجؤون إلى الوسائل التقليدية من أجل التداوي، في زمن يتحدث فيه المسؤولون عن الحداثة و الديمقراطية وحقوق الإنسان و..و..و. كما كشف فيلم بابل عن طريقة تعامل السلطة مع المواطنين العزل الذين لا حول لهم ولا قوة إلا الإستسلام للركل والصفع والشتم، وبين أيضا كيف يبكي مغاربة التهميش قدرهم المحتوم من خلال المشهد الذي تظهر فيه بعض النسوة وهن في فزع كبير. وفي مشهد آخر يبين المخرج “أليخاندرو جونزاليس” ببراعة دركيا مغربيا لا يفقه شيئا فيما يقوله “براد بيت” ، بمعنى آخر “الجادرمي مكيعرفش الإنجليزية” وبذلك يلجأ إلى المترجم. وهنا رسالة واضحة إلى وزارة التربية الوطنية المغربية ووزارة الداخلية كذلك. وكانت آخر المشاهد أن قتل “الإرهابي” عفوا الطفل الذي أطلق الرصاصة على السائحة عن غير قصد وبذلك يحاكم طبقا لمبدأ العين بالعين، في مقابل ذلك قدمت مروحية تابعة للصليب الأحمر لتقل السائحة الأمريكية إلى إحدى المصحات من أجل تلقي العلاج. إن كان هذا يدل على شيء إنما يدل على أن المغاربة سلعة جد رخيصة، وأن طبقة خاصة من أبناء هذا الشعب يمكن أن تقتل كما يقتل الذباب. الفيلم الأمريكي لم يقدم أية إساءة إلى الإسلام بقدر ما كان نموذجا راقيا ومثالا يحتذى به في التسامح بين الأديان، خصوصا بعدما ظهر فيه الشاب المغربي وهو يصلي، والعجوز التي تقرأ القرآن على “كات بلانشيت”. صراحة عندما تشاهد فيلما من هذا الطراز تتأسف وتصيبك الحسرة، لأن أناسا يصنعون التألق ويحصدون جوائز عالمية “على ظهورنا”. فيما نحن نسب ونطعن في ديننا الإسلامي بداعي أننا “نعكس الواقع ..” كما قال نور الدين الخماري، الذي جمع ثلة من المراهقين الذين لم يسبق لوجوههم أن ظهرت على الشاشة في “شوهته” كازانيكرا، يتقدمهم الشيخ محمد ابن إبراهيم الذي يسب ويشتم بألفاظ مشينة يستحيي حتى الشيطان من سماعها. فشكرا للخماري لأنه أخذنا في رحلة إلى عالم الخمور والبارات طمعا في الماديات ولو على حساب الأخلاق والقيم، وشكرا لمحمد بن إبراهيم على تلك الألفاظ التي تدل على مراهقته المتأخرة، وشكرا للكراكيز الأخرى كلها في “شوهة نيكرا” و في “ماروك” لليلى المراكشي وفي “حجاب الحب” لعزيز السالمي، وفي غيرها من الأعمال المنحطة. أما الأعمال الفنية الراقية التي تهذب النفوس، فبينها وبينكم بون شاسع، ” وشتان بين النحل والذباب”. للتواصل مع الكاتب: [email protected]