مرحلة الشباب هي من أهم المراحل في حياة الإنسان، حيث تبنى شخصيته، و يتشكل سلوكه، وتعتبر قضية الاستقلالية الشخصية وتفاعلها مع العلاقات الاجتماعية والعادات المجتمعية من أهم التحديات التي يواجهها شباب اليوم. بين الحرية و الإستقلاية و العادات و التقاليد: أكثر ما يزعج مريم، التي لم تتجاوز ال28 عاما من عمرها، هو علامات الاستفهام التي تراها على وجوه من حولها كلما جلست وحيدة في مقهى ترتشف فنجان قهوة أثناء استراحة قصيرة تسرقها من ساعات عملها الطويلة أمام جهاز الحاسوب في مجال التصميم الغرافيكي. في حين اعتاد كمال “30سنة” تلك النظرات التي ترمقه كلما قصد أحدهم الصيدلية التي يديرها وهو في لباسه الرياضي، و سأله عن الصيدلي، وحينما يشير كمال إلى نفسه يرفض السائلون أن يصدقوا أنه هو الصيدلي لظنهم أن مظهره لا يدل على كونه أكثر من عامل فيها. تعترف مريم أن الثمن الذي تدفعه لقاء استقلاليتها باهظ جدا ماديا ومعنويا و تقول “عليك أن تبرهن يوميا أنك تشبه كل الناس لكنك تحب أن تكون متكلا على نفسك و أن لك طريقتك في العيش التي قد تختلف عن الآخرين، ومع ذلك فإن المجتمع يفترض دائما النية السيئة وكلمة “لماذا؟” ليست بريئة في معظم الأحيان”. خاضت مريم وهي من مواليد مدينة تمارة، غير متزوجة، وتعيش في شقة مستقلة عن أهلها في نفس المدينة، معركة استقلالها لحظة تخرجها من الجامعة و بدء ممارستها لعملها في مجال التصميم الغرافيكي، على أن استقلاليتها كفرد رافقت حياتها مع أهلها فهؤلاء كما تقول “يخشون على الاستقلالية لكن في حدود معينة، إذ بعدما نخوض هذه التجربة يعودون إلى السؤال عن موقعهم في حياتنا، ويصعب حينها الاختيار هل نبقى معهم أو نتخطاهم.”، على أن المشكلة مع الأهل برأي مريم ليست معقدة كما هي مع المجتمع التقليدي الذي نعيش في ظله، خصوصا إذ كان من يطلب الاستقلالية فتاة و ليس شابا، “فالبحث عن شقة للسكن، تقول مريم في تصريح ل”نبراس الشباب”، وحيدة تفترض عدة شروط وبتكلفة مرتفعة، وفي العمل فإن الصعوبة تتجسد حين تحاول الفتاة صنع قرارات إدارية، ذلك أن الأخد برأيها يحتاج إلى وقت”. و إذا كانت ردة فعل تعامل المجتمع مع من هم أمثال مريم، وهم كثر في المجتمع المغربي “التقليدي”، هي إما اللامبالاة أو التوتر والإحباط، فإن المشكلة تصبح أكثر تعقيدا حين تطال حياة الليل و العلاقة مع الجنس الآخر. تقول مريم “يمكن للمرء في السر القيام بأي شئ ومعظم الناس يفعلون ذلك وهم مرتاحون، لكنني -تستطرد- من الأشخاص الذين لا يحبذون فعل أي شئ بالسر لكن لا ألغي خصوصيتي وحريتي الشخصية، فلا أريد أن أقوم بشئ يشعرني بأنني كمن يرتكب سرقة”. مريم شأنها شأن عدد من الشباب المغاربة استطاعوا أن يكسروا تقاليد كثيرة في المجتمع، لكنهم يصطدمون في نهاية المطاف بثوابت يتشكل منها المناخ العام السائد ما يدفع بجيلها إلى ممارسة الازدواجية في حياتهم ليكونوا راضين عن أنفسهم و مقبولين في الوقت نفسه من طرف المجتمع. و لاشك أن لتطور وسائل الاتصال الحديثة أثر كبير في تحقيق استقلالية الشباب، فبعدما كان المذياع عنصر توحيد الأسرة قبل أن يتطور و يصبح أداة فردية، وبعدما كان التلفاز أيضا أداة توحيد مماثلة، جاء الحاسوب والانترنت ليكونا أشرس وسيلة لتحقيق الفردية والاستقلالية للشباب. الشباب المغربي يشعر بالتناقض الشديد بين ما يحكم سلوكهم من عادات و تقاليد، وبين رغبتهم في التحرر وسط انفتاح مباشر وغير مسبوق على العالم، عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة، و خصوصا الانترنت، ومعظمهم يجدون صعوبة بالغة في التأقلم مع الوضع الجديد. يقول حمزة، 18سنة “أشعر بتناقض كبير بين رغبتي في السير نحو حريتي الشخصية التي أفتقدها و بين “عقاب” العادات و التقاليد التي يضعها المجتمع في طريقي، لكن من جهة أخرى يجب أن أقر بأنني مقتنع بأنه ليس كل ما أرغب فيه هو بالضرورة أمر جيد و مفيد، بل في أحيان كثيرة يكون عكس ذلك تماما”. و يعترف حمزة بأنه لا يستطيع التأقلم مع الوضع الراهن لافتا إلى أنه يضطر إلى العيش بشخصية مزدوجة، “أنا أمكث في الفايسبوك، و الإيمسن، يقول حمزة، نحو 8 ساعات من حين لآخر و أعيش هناك شخصيات لا أستطيع أن أعيشها في الواقع، وأشعر براحة نفسية كبيرة نتيجة هذا، ويمكنني أن أصف الأنترنت بأنه أصبح “مخدر” الشباب الحديث، فهو وسيلة للهروب من الواقع إلى عالم آخر مختلف”. فيما تعبر سارة 16 سنة، عن عجزها عن الموازات بين حريتها الشخصية وبين عادات وتقاليد غير صحيحة وغير مريحة، و تقول “أُفضل ما يقوله الدين عن العادات والتقاليد، الناس يصفون بعد الأشياء بأنها “عيب و حشومة” في حين أنها ليست كذلك، و من يقول ذلك تجده يقترف أفعالا محرمة دينيا، ومضرة به وبمجتمعه من دون أن يلتفت إلى أنها أفعال محرمة، حاضيينا غير حنايا”. وتضيف سارة “أشعر بتناقض بالغ بين كل ما يدور حولي و بين نفسي، فمن ناحية أرغب بالالتزام بالتعاليم الإسلامية وأن أرتدي الحجاب، و في أوقات أخرى أرغب في أن أتبع ما هو شائع إلى حد كبير كي أواكب عصري فأرتدي ثيابا غريبة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى أقترف أفعالا لا تشعرني بالذنب في العلن، فأجلس و أعاتب نفسي عن اقترافها”. أما وليد 23 سنة فيشعر بأنه مكبل بأغلال وضعها المجتمع في رقبته من دون استشارته “أرغب في أحيان كثيرة بتحطيم هذه القيود غير أنني لا أستطيع و أضطر في نهاية المطاف إلى الإنصياع إلى الأوامر التي وضعها المجتمع وألجا إلى ممارسة حريتي الشخصية سرا بما في ذلك ما أعلم أنه غير صحيح”. و ترى هدى 21 سنة، أن الحرية الشخصية مسؤولية كبيرة، وأن الأولوية للعادات والتقاليد التي يرتضيها المجتمع، وتشير إلى أنها كانت في الماضي تستطيع استيعاب التعارض بين رغبتها في ممارسة حريتها الشخصية، وبين ما يفرضه المجتمع، إلا أنها استوعبت ذلك في نهاية الأمر، و توضح ذلك بقولها “إن الأولوية للعادات و التقاليد و ليس للحرية الشخصية، إلا أنني أستثني من العادات ما هو خاطئ و أرى أنها ستتغير طالما كانت خاطئة، فقد تبنى مجتمعنا لفترة طويلة مثلا فكرة عدم إمكانية خروج المرأة إلى العمل، لكنها خرجت إلى سوق الشغل و تحطمت العادات الخاطئة وستتحطم التقاليد البالية الأخرى”. في ذلك تعتقد الأستاذة ركيك لطيفة، مساعدة اجتماعية، أن مفهوم الحرية الشخصية “يقتصر غالبا عند الشباب على حرية ممارسة الجنس”، و تضيف “كما أن التصادم مع العادات و التقاليد كثيرا ما يحدث عند هذه النقطة، وتفسر الأمر بقولها “مجتمعنا له ثقافة مختلفة عن المعسكرين الشرقي و الغربي، إذ يسعى إلى الموازنة فلا هو يترك الفرد يفعل ما يشاء لأنه قد يأتي بأفعال تضر بالجماعة و لا يلقي بالفرد كلقمة سائغة في فم الجماعة”. و تشير الركيك، المشرفة عن مراكز الإستماع بالمؤسسات التعليمية لجهة الشاوية ورديغة، إلى أن “مرحلة الشباب و خصوصا المراهقة تحمل في طياتها رفضا للكثير من القيم المجتمعية، اذ يعتقد جيل الشباب أن القيم تضع العقبات أمام الحرية الشخصية من دون مبرر مقنع، إلا أنه سرعان ما تتغير هذه القناعة”. قبل أن تضيف “التحولات الجديدة من العولمة و التكنولوجيا المتقدمة كانت السبب الرئيسي في ظاهرة التطرف والعنف الديني، كردة فعل للصدمة التي حدثت للمجتمعات العربية و الإسلامية عندما انفتحت فجأة على ثقافة تبدو متناقضة مع عاداتها و تقاليدها، و هي الثقافة الغربية”.