إذا كان كلامنا عن هذه المسألة يقتضي الإيجاز فسوف أوجز قدر المستطاع، لكن من شفه سقم من ذكركم كيف يكبح قلبه الذي يفيض حبا، وتعروه رعشة لذكراكم، إن في القلب كلام كثير لكن مقامنا لا يسمح بالبوح وإن كان كتمان الحب يضر فان إعراض الحبيب أضر، أيتها الآنسة المتشحة بسوادك البريء لا تظلميني ولا تظلمي قلبي، فتكوني ظالمة، والظلم لا يحبه الله ربنا. أحببت أن أبدأ بالسالف، رغبة في توضيح أن الحب والظلم يجتمعان في أكثر من مناسبة، ولأن آلاف العشاق مظلومون، منهم من ظلمته الحبيبية، ومنهم من ظلمته العشيرة، ومنهم من ظلمته الدراسة، ومنهم من ظلمه الزمن آه يازمن، ومنهم من ظلمته الظروف التي يمر بها عشاق أو شباب هذه الايام. إذا كان لزاما على الإنسان أن يؤمن بالحب، فلزام عليه أيضا أن يتعذب ويصبر لهذا العذاب النفسي، خصوصا إذا كان الحب عذريا، لأن العلاقة بين البنت والولد، قبل الزواج، اليوم نادرا ما تكون عفيفة، والله أعلم. الحب يختلف من زمن لآخر فقط من حيث المظاهر أما الجوهر فهو واحد، ومن يقول خلاف ذلك فهو لم يحب يوما ولم يجرب الحب ولو من بعيد وهذا نوع آخر من الحب، المهم أن العلاقة تكون مطبوعة بنوع من الانجذاب و إلا لما كان هناك رجل ولا امرأة، فالانجذاب فطري ،والذي ينبغي أن ينبني على صفاء القلب والسريرة وطهر النية ،حتى تسمو العلاقة العاطفية وتسمو معها الغريزة الجنسية على حد سواء، أعوذ إلى الحب الذي تغير مظهره، فقد كنا نسمع وما زلنا كثيرا عن الحب من أول نظرة، وهو المشهور من قبل، لكن أصبحنا نرى مع المتغيرات العصرية على مستوى التواصل: الحب من أول همسة على “الموبايل” ومن أول نقرة على ملمس الحاسوب، أو على زر الفأرة الأيسر، وربما من أول رسالة نصية قصيرة ” اس م س”، وهذا ما يمكن أن يوصف بالحب الالكتروني، المشكلة المطروحة بخصوص هذا النوع هي: هل سيصمد هذا الحب في الواقع؟ ربما. في هذه السلسلة سنحاول أن نغوص أكثر في مختلف مناحي هذا النوع من العواطف التي تؤدي إلى العلاقة الواقعية، مبرزين مختلف أنواع وسائل الاتصال الحديثة وكيف يمكنها أن تساهم في توحيد قلبين فرقتهما المسافات أو العادات، وكيف يمكن أن يتبلور هذا الحب ليصبح بذرة تنموا في كنف العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، وقبل الغوص في دروب العواطف على الهواء مباشرة نلقي بتقديم واقعي للمقارنة إن شئتم، ثم نرتقي بالموضوع إلى الافتراض أو الالكترونيات، كما أدعو جميع القراء الأعزاء أن يتفاعلوا مع الموضوع حتى نخرج بنتيجة وسط ورأي مشترك و إثراءا للنقاش لنفيد ونستفيد من بعضنا البعض وننير دروب أناس تاهوا بين الأسلاك من جهة ونضمد جراح كثيرة خلفتها الأسلاك. إن الحب العربي والذي شغل فطاحل الشعراء وكان من أكثر الكلمات مرادفا في القاموس إلى جانب السيف والجمل، فالحب هو الغرام والهيام وهو أيضا الوجد والكلف والوله، كثيرون عنه تكلموا وبه انشغلوا وقد كتبت ديواني شعر عن الحب العفيف، لم يطبعا بعد، والشعراء أبدعوا أشعارا وحتى اليوم لكن من جرب ليس كمن لم يجرب، والعرب قالت قديما، ليس الخبر كالمعاينة. في البدء كنت أقول لماذا يتحدثون عن الحب، وهل يوجد إحساس فعلا يعاش، حتى وقعت فيه، لا أنكر أن تجربة الحب جميلة لكنها صعبة وأحيانا جارحة. لا أذكر أول مرة أحببت ولا أظن أني أحببت في مرحلة الطفولة لكن علامات الشعور بالحب بدأت وأنا في أولى سنوات الإعدادي، في بداية تسعينات القرن العشرين، كانت تدرس معي فتاة جميلة بيضاء البشرة رشيقة القد هيفاء القوام، طويلة مهوى القرط، بتقطيعة شعر رباعية رائعة ونظرات بريئة، ومشيتها التي يمكن وصفها بأنها سحابة تمشي لا ريث ولا عجل، كنت أراقبها في القسم وفي ساحة المدرسة، أراها من بعيد لكنها لا تراني، أتبعها خلسة ولا تتبعني، لا أكلمها ولا تكلمني إلا في حدود درس القواعد والمحفوظات، وما سوى ذلك نحن مفترقان في الفصل وبيننا تلاميذ ودروس وضجيج وعادات وأستاذ وبعض النظرات، عندما أراها أشعر بانشراح وكل ما كان من هم راح، أودعها مساءا وأتمنى سريعا لو يأتي الصباح، دخلت قلبي سريعا قبل أن أعرف الرسميات وآداب الدخول لذلك لم أدخل قلبها، أتراني كنت بريئا أم مغفلا؟ وتساءلت كثيرا لماذا لم أوقفها وأكلمها لماذا؟ هل كنت خائفا أم هو إرتباك أول يصاحب الحب العفيف؟ إن المرأة مخلوق ضعيف قوي في الوقت نفسه، المصريون يقولون بحر النساء {غويط} يعني عميق، لكن المرأة مهما قيل تبقى الأجمل بدموعها وكلامها وعطفها، فهل يوجد في دنيا البشر مثل الأم رأفة وحنوا؟ ...يتبع