نحن شعب كريم بالفطرة، ونملك رصيدا كبيرا من الحب نوزعه بالقسطاس على الجميع، بل ونملك منه فائضا لا يَنْضٌب نرسله إلى الأمم الأخرى، فنموت حبّا في فرق الآخرين الكروية والموسيقية ونتحمس لخطبائهم المفوهين ومغامراتهم الفكرية والعلمية والسياسية. نحن شعب يساند بالسليقة الشعوب المستضعفة في العالم. ولكن، يبدو أننا قطعنا أشواطا أخرى في مسلسل المودة والرحمة، إذ إننا دخلنا «عولمة الحب» من بابها الواسع، فأصبحنا أنصارا حقيقيين لفرق كروية من بلدان أخرى. وقد عاينت كيف امتلأت المقاهي عن آخرها من أجل متابعة أطوار المقابلة النهائية التي جمعت بين فريق برشلونة وفريق مانشيستر يونايتد، وتابعت كيف تعالت الصيحات والهتافات كلما أمطر الفريق الكاتالوني شباك الفريق الإنجليزي. إلى حد الآن، الفراجة في مباراة لكرة القدم والتمتع بهذه اللعبة الرياضية شيء عادي و«ماكاين مشكل» ، ولكن مباشرةً بعد نهاية المباراة خرجت أساطيل من السيارات (أكثر من السيارات اللّي خرجات فبرشلونة) تزف العريس الكاتالاني وتحتفل بنهاية حلم فريق كان ينتمي إلى إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، والتي كانت مهد كرة القدم ورائدتها الأولى. وقد تساءلتُ بسذاجة: «جميلة هي هذه التعابير الحماسية، ولكن هل سأل أنصار البارصا أنفسهم إذا ما كان الكاتالانيون، والإسبان بصفة عامة، يبادلوننا حبّا بحب ومودة بمودة، إذ ما نلمسه من الوقائع الثابتة، لا من الكلام المعسول، أن إسبانيا، بكل أقاليمها وحكوماتها المركزية والجهوية، تتربص بنا الدوائر إلى درجة أن الجيش الإسباني بَنَى كل استراتيجيته العسكرية على أساس سيناريو «العدو القادم من الجنوب»، أي المغرب ولا أحد غيره. لم نسأل أنفسنا كيف أرغمت إسبانيا (التي لازالت تستعمر مدنا وأراضيََ مغربية) ومعها الاتحاد الأوربي حكومتنا الموقرة، بَزَّافْ، على أن يتحول المغرب إلى دركي البحر الأبيض المتوسط الذي يمنع إخوانه الأفارقة من «الزحف» على الضفاف الأوربية ودول الاتحاد الأوربي التي استعمرت ونهبت وأبادت شعوب القارة السمراء وسرقت خيراتهم ومنحتهم استقلالا مغشوشا ورمت إليهم فُتَاتَ الموائد ونَصَّبَت عليهم حكومات عجائبية مصَّت ما تبقَّى من دمائهم وحولتهم إلى شعوب رُحَّل يديرون ظهورهم لقارتهم الأم قاصدين أوهام «الإلْدُورادُو» الأوربي. نحن لسنا ضد «عولمة الحب»، لكن شرط أن يكون حبا متبادلاً لا حبّاً في اتجاه واحد، أي ذلك الحب الذي يسمح لهم بأن يحولوا بلداننا إلى أسواق لترويج بضائعهم، لكنهم في الوقت ذاته يمنعون عنا التكنولوجيا المتطورة وسبل الوصول إلى العلوم والمعرفة الحقيقية، لا سَقْط المتاع وما عافَ السّبع. الحبّ لا يكون إلاّ بالنّدِّية والتبادل والشراكة المبنية على القيم لا على الحسابات البورصوية. وهذا لن يتم إلاّ إذا كانت الحكومات المحلية واعية بكونها تمثِّل شعوبها وليستْ «مجرد واسطة أو سَمْسارة لحساب الآخرين. وقد سمعنا الكثير عن «أحزاب فرنسا» ولوبيات أمريكا وإسبانيا التي ترتدي الجلاليب لكن قَلْبَها يَنُبض بحبِّ الآخرين قبل حب الشعوب. تبدو العولمة، اليوم، وكأنها قدرٌ محتوم لاَ رادَّ له، ولا يمكن لأحد، على الورق على الأقل، أن يتصدى لها أو يصمد في وجهها. لكن لا يمكن لأحد أن يلعن المستقبل بأن يراهن على رصيدنا الوافر من الحب لكي يحوله إلى أرصدة بنكية تصبّ في حسابات خارج الحدود، أو أن يراهن على تفتيتِ هويتنا الوطنية وتذويبها في هويات الآخرين، باسم الحب أو باسم العولمة! هنيئاً، إذن، لبرشلونة بكؤوسها الإسبانية والأوربية، وهنيئاً لها بحبّ شرائح واسعة من المغاربة لها، فهل سترد الحكومات الأوربية على التحية المغربية بمثلها أم بأحسن منها ؟! «واللّي عَاشْ يْشُوفْ»