الله أكبر كبيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. نحن بالتكبير نزين الأعياد، بالتكبير نصنع الأمجاد، بالتكبير نبدأ الصلاة، بالتكبير نبدأ الأذان، بالتكبير نبدأ الإقامة، بالتكبير نبدأ المعارك، بالتكبير نبدأ الحياة، إذا ولد المولود منا أذنا له في أذنه، إذا ذبحنا أو نحرنا قلنا باسم الله والله أكبر، نحن المهللون المكبرون، نحن تعلمنا أن يكون شعارنا الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بدين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، الله صل وسلم علىه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين. أيها الإخوة المسلمون أيتها الأخوات المسلمات وقد شاء الله لنا نحن المسلمين أن تكون أعيادنا عقب فرائض وعبادات كبرى. فعيد الفطر يأتي بعد عبادة الصيام، بعد أن تجوع البطون وتظمأ الشفاه لله، يدع الإنسان طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله فيأتيه العيد جائزة من الله بعد هذه المشقة في سبيل الله. ويأتي عيد الأضحى عقب الحج، فهو يوم الحج الأكبر، بعد أن يقف الحجاج في عرفات، متجردين لله تعالى من مظاهر الدنيا، لابسين ثيابا بيضاء، أشبه ما تكون بأكفان الموتى، قد تساووا: صغيرهم وكبيرهم غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم، أميرهم وخفيرهم، حاكمهم ومحكومهم، الكل سواسية في هذا الموقف نداؤهم واحد، دينهم واحد، ربهم واحد، نبيهم واحد، كتابهم واحد، دعاؤهم واحد، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. جاء الإسلام ليوحد الأمة بعباداته. الجماعة في الصلوات الخمس توحد أهل الحي، وصلاة الجمعة توحيد أكبر، والعيد توحيد أكبر لأهل البلدة، والحج توحيد للمسلمين جميعا، يجمع المليونين أو أكثر، قد جاؤوا لله محرمين ملبين، ساعين، طائفين، قلوبهم خاشعة، عيونهم دامعة، أعناقهم لله خاضعة، أكفهم بالدعاء ضارعة. فمَن غير الإسلام يقدر أن يجمع هذه الملايين في صعيد واحد؟! الحج يبرز قوة الإسلام، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته "رحم الله امرءا أراهم اليوم من نفس قوة". في هذا الحج تتجلى قوة الأمة الإسلامية نحن الأمة الإسلامية نملك ما لا يملك غيرنا، وللأسف لا نوظف ما نملكه، لا نحسن توظيف قدراتنا. نحن الأمة الإسلامية نملك القوة العددية وهي نعمة مَنَّ الله بها على عباده (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) نملك مليار ونصف مليار أو أكثر. عندنا القوة المادية والاقتصادية عندنا الثروة الزراعية والثروة المعدنية والثروة المائية التي لا يملكها غيرنا، نملك أواسط القارات، و مهبط الرسالات ومنابت الحضارات. نملك الرسالة الخالدة الخاتمة رسالة الوسطية (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) رسالة التوازن، الرسالة التي ربطت السماء بالأرض بدون وسيط، بدون صكوك الغفران وجمعت بين الدنيا والآخرة (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).ووفقت بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع. نملك المصادر المعصومة التي لا تتغير ولا تتبدل، نملك الرسالة السماوية: القرآن الكريم الذي أنزله الله وتولى حفظه بنفسه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). لم يبق أثر للوحي صحيح في هذه الدنيا إلا القرآن الكريم الذي نملكه نحن. هذا القرآن الذي ربى الله به الرسول صلى الله عليه وسلم فربى النبي الصحابة بالقرآن وربى الصحابة التابعين بالقرآن وهكذا كان أول شيء يتعلمه الصحابة هو القرآن الكريم ويعلمونه أبناءهم. هذا القرآن الذي نتعامل معه تعاملا أميا (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) إلا تلاوة وترتيلا. هذا القرآن الذي هجرناه (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)، فمنا من هجر قراءته ومنا من هجر حفظه ومنا من هجر تدبره ومنا من هجر العمل به وهذا هو أخطر الهجر. نحن نملك القوة البشرية، والقوة المادية، والقوة الروحية، ولكننا لا نوظف هذه القوة. اليهود يقاوموننا باسم التوراة، ونحن لا نقاومهم باسم القرآن، هم يتجمعون تحت راية اليهودية ونحن لا نتجمع تحت راية الإسلام، هم يحترمون يوم السبت ونحن لا نحترم يوم الجمعة، هم يقولون (الهيكل) ونحن لا نقول (المسجد الأقصى). اليهود جاؤوا من أنحاء الأرض، من بلاد شتى إلى فلسطين باسم الدين باسم التوراة باسم التلمود. نحن لم نذهب إلى فلسطين باسم الإسلام، باسم القرآن.من كان يظن أن اليهود الذين عاشوا في ذمة المسلمين وتحت سلطانهم، وفي كنف أمانهم بعد أن كانوا يذلون ويقهرون ويضطهدون في أنحاء العالم، ولا يجدون صدرا حنونا إلا في قلب بلاد الإسلام. من كان يظن أنهم ينقلبون عل ىالمسلمين، ويديرون عليهم الدوائر، هكذا صنعوا، واستنسر البغاة، وتذأبت النعاج، وأصبح اليهود يقتلون المسلمين ويذبحونهم وأصبح إسمهم: القوة التي لا تقهر. جوعوا الشعب الفلسطيني، حاصروا الشعب الفلسطيني، استعمروا أرض فلسطين حرقوا الأقصى، هدموا البيوت قتلوا الأطفال والشيوخ والنساء سجنوا الشباب دمروا الضيعات نسفوا المؤسسات. كنا نظن أمرهم هينا، وكنا نعتقد أن وجودهم سحابة صيف أو إقامة صيفَ، وأنهم لن يستمروا طويلا، ولكنهم استمروا وكثروا لماذا؟ لا لأنهم أصحاب حق ونحن أصحاب باطل، ولكن لأنهم خططوا وارتجلنا، وعملوا وتكاسلنا وتجمعوا على باطلهن، وتفرقنا عن حقنا. لهذا كانت النتيجة: أن ظلوا إلى اليوم في فلسطين بل يحلمون بإسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. هذا ما جرى لأمتنا. أمة القرآن وأمة الحق المطلق. إن الذي أذلنا وأذل أمتنا، ونكس رأسها وأرغم أنفها وجعلها هينة عند أعدائها هو عدم البذل وعدم التضحية. انظروا إلى الشباب الفلسطيني بسبب التضحية بث الرعب في صفوف اليهود. إننا أصابنا الوهن كما حذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقالوا ما الوهن يا رسول الله؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت». سر الوهن وسر الضعف حب الدنيا تعلق الناس بالدنيا، بالمصالح الشخصية والمادية، وكراهية الموت. هذه أوصاف اليهود (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة)، وليست أوصاف المسلمين. إننا إخواني أخواتي إذا أردنا أن نخرج من مرحلة الغثاء إلى مرحلة التأسيس والبناء، فينبغي علينا أن نبني الإنسان فبناؤه هو الحل. إن المسلمين يشْكون في كل مكان، يشكون من التخلف، يشكون من التشتت والتفرقة، يشكون من انهيار الأخلاق، يشكون من فساد السياسة والاقتصاد، يشكون من فساد الإدارة، يشكون ويشكون، الكل يشكي الكل. كلما جلست في مكان، صغير أو كبير وجدت الناس يشكون، يشكون من الغلاء يشكون من سوء الحال يشكون من الديون يشكون من اضطراب الأمن. لكن ما هو الحل؟ ما قيمة الشكوى بلا عمل؟ ينبغي أن تقترن الشكوى بالعمل، بل ندع الشكوى ونبدأ العمل وأول العمل بناء الإنسان. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون). الله عز وجل جعل الإنسان عنصر الإصلاح وكذلك عنصر الإفساد (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). إن الله وضع سننا في هذا الكون لا تحابي أحدا كيف ما كان (ولن تجد لسنة الله تبديلا) (ولن تجد لسنة الله تحويلا).السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، الإسلام ينبذ التواكل، ينبذ التكاسل، ينبذ الخمول، يدعو إلى العطاء في هذه الدنيا فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه. الإسلام دعا إلى العلم: (اقرأ باسم ربك الذي خلق). الإسلام دعى إلى الأخلاق"«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". الإسلام دعى إلى تطوير الاقتصاد "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" بالعلم والمال يبني الناس ملكهم لم يبنى ملك عن جهل وإقلال فيسود الخير جميع مجالات الحياة، يوم تشرق أنوار السماء على ظلمات الأرض (يومئذ يفرح المومنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون). إخواني أخواتي لا يزال الخير في هذه الأمة، هذه الأمة لتكفر بربها، ولم تكفر بنبيها ولا بقرآنها. الشعب المغربي مسلم، قد يتراكم عليه غبار المعصية، قد يعتريه الصدأ من كثرة التوجيهات والبرامج المضللة الفاسدة والمفسدة من هنا وهناك، ولكن إذا أزلت هذا الغبار، إذا حككت هذا الصدأ، تبين المعدن الحقيقي، تبين لك الجوهر الأصيل، معدن هذه الأمة هو الإسلام، فما على الدعاة إلا أن يقوموا بمهمتهم مهمة الدعوة إلى الله لكي يستجيب هؤلاء المسلمون إليهم. لا نيأس إخواني الكرام إننا نواجه آلام ومشاكل متعبة وقوى الشر المعادية للإسلام تصول وتجول غربا وشرقا شمالا وجنوبا. لكن هذه الحالة الكئيبة التي نراها لحاضر العالم الإسلامي سوف تتبعها بإذن الله صفحة مضيئة مشرقة. ذلك شأن التاريخ نرى أمتنا تمرض ثم تصحو، وتقع ثم تثب وكما قال ربنا (وتلك الأيام نداولها بين الناس). شاء ربنا أن يذهب بيت المقدس في فترة من فترات الجزر من تاريخنا، ولكن الجزر لا يبقى بل يعقبه مد وبعد قرن من الزمن استنقذنا المسجد الأقصى على يد صلاح الدين الأيوبي وقد سقطت بغداد تحت سنابك التتار ومؤامرات الصليبيين وكانت صفحة سوداء، وبعد ذلك استعدنا بغداد واستطعنا بعد بغداد أن نستعيد القسطنطينية وأن نجعلها عاصمة للأمة الإسلامية بعد أن كانت عاصمة لدولة الرومان. لا نيأس علينا أن نعمل ونتحرك، في أسرنا في عملنا في مساجدنا في شوارعنا كل حسب طاقته وقدراته. عبد اللطيف كتفي