العيد اسم لكل ما يُعتاد ويعود وتكرر، والأعياد شعارات توجد لدى كل الأمم سواء أكانت كتابية أم وثنية أم غير ذلك، وذلك لأن إقامة الأعياد ترتبط بغريزة وجبلّة طبع الناس عليها فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات يحتفلون فيها ويتجمّعون ويُظهرون الفرح والسرور. لقد دلّ قوله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا " على اختصاص المسلمين بهذين العيدين، وهما من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها. وفيما يلي نتعرض لطائفة من أحكام العيدين وآدابهما في الشريعة الإسلامية. حكم صلاة العيدين ذهب المالكية والشافعية إلى أن صلاة العيد سنة مؤكدة، واحتجوا بحديث الأعرابي في أن الله لم يوجب على العباد إلا خمس صلوات. فينبغي للمسلم أن يحرص على حضورها وشهودها، خصوصا وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج النساء من البيوت لشهادتها، والتي ليس عندها جلباب تستعير من أختها. ويكفي ما في شهودها من الخير والبركة والأجر العظيم والاقتداء بالنبي الكريم. وقال بعض العلماء إنّ شروطها هي شروط صلاة الجمعة ما عدا الخطبة فإنّ حضورها ليس بواجب؛ وجمهور العلماء على أن وقت العيدين يبتدئ عند ارتفاع الشمس قدر رمح بحسب الرؤية المجردة ويمتد وقتها إلى ابتداء الزوال. الاغتسال والتجمل للعيدين من الآداب الاغتسال قبل الخروج لصلاة العيد، فقد صح في الموطأ وغيره أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. وذكر النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد. وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثياب عند الخروج للعيد. أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب، وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة، فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة، إذ لا يصح من مؤمنة أن تعصي من خرجت لطاعته وتخالف أمره بلبس الضيق والثوب الملون الجذاب الملفت للنظر. الأكل قبل الخروج يسن قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وترا: ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك، يقطعها على وتر؟ لحديث أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا " أخرجه البخاري. وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم وإيذانا بالإفطار وانتهاء الصيام. لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ. " رواه مسلم 827. وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل إلا بعد الصلاة من أضحيته. ويسن أن يخرج إلى الصلاة ماشيا لحديث علي رضي الله عنه قال "من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا" أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن. ولا يركب إلا من عذر. التكبير يوم العيد التكبير في العيدين سُنّة عند جمهور الفقهاء، قال تعالى في آيات الصّيام: (ولِتُكْملُوا العِدّةَ ولِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) وحُمل التّكبير على تكبير عيد الفطر، وقال في آيات الحَجِّ (واذْكُروا اللهَ فِي أيّام مَعدوداتٍ) وقال (لِيَشهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ويَذْكُروا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعلومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهيمةِ الأنْعامِ) وقال تعالى: (كَذَلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّروا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) وحُمل الذِّكر والتكبير على ما يكون في عِيد الأضحى. وجمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخُطبة، وبه قال مالك وأحمد. التنفل قبل صلاة العيد هناك خلاف بين الفقهاء في جواز التنفُّل قبل صلاة العيد وقول المالكية: إنه يُكره ذلك قبل صلاة العيد وبعدها إن أُدِّيت الصلاة في الصحراء كما هو السنة، لما جاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. " سنن أبي داود. وأما إذا صلى الناس العيد في المسجد على خلاف السنة فلا يُكره التنفل لا قبلها ولا بعدها. واتفقوا على أنه لم تُشرع سنة قبل صلاة العيد ولا بعدها، وإنما الخلاف في صلاة التطوع أو سنة الوضوء أو تحية المسجد أو قضاء أو غير ذلك، في الوقت الذي لا تكره فيه الصلاة. صفة صلاة العيد تشرع صلاة العيد بعد طلوع الشمس وارتفاعها بلا أذان ولا إقامة، وهي ركعتان يكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الآخرة خمس تكبيرات. فعن عائشة رضي الله عنها: "التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرات الركوع" رواه أبو داود صحيح بمجموع طرقه. والقراءة بعدهما كلتيهما. ويسن أن يقرأ الإمام فيهما جهرا سورة الأعلى والغاشية أو سورة (ق ) والقمر. لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وتكون الصلاة قبل الخطبة لما ثبت في مسند أحمد من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدِ ثُمَّ خَطَبَ. ويجوز لمن شهد الصلاة الانصراف أثناء الخطبة إن أراد؛ فعن عبد الله بن السائب قال: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى الصلاة قال: "إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب". حكم من فاتته صلاة العيد ولو أدرك المأموم إمامه أثناء التكبيرات الزوائد يكبر مع الإمام ويتابعه ولا يلزمه قضاء التكبيرات الزوائد لأنها سنّة وليست بواجبة. فقد جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: أن حكم الجماعة فى صلاة العيد وقضاؤها إذا فاتت المصلى مع الإمام اختلاف بين الفقهاء. وذهب المالكية إلى أن الجماعة شرط لكونها سنة، فلا تكون صلاة العيدين سنة إلا لمن أراد إيقاعها في الجماعة، ومن فاتته مع ندب الإمام له فعلها إلى الزوال، ولا تقضي بعد الزوال. اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد وروى النسائي وأبو داود أنه اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب ثم نزل فصلى، ولم يصل للناس يوم الجمعة، أي لم يصل العيد، ولما ذكر لابن عباس قال: أصاب السنة. يلاحظ أنه صلى الجمعة بدليل تقديم الخطبة على الصلاة. ولهذا قال الأحناف والمالكية: لا تجزئ منهما عن صلاة الأخرى، فكل منهما مطلوب، ولا تجزئ صلاة عن صلاة بل لا يجوز الجمع بينهما، فالجمع رخصة خاصة بالظهر مع العصر، وبالمغرب مع العشاء. وجاء في فتاوى ابن تيمية أن قول مالك في اجتماع يوم الجمعة ويوم العيد: أن الجمعة على من صلى العيد ومن لم يصله. وهذا وفق قواعد المذهب في أن صلاة العيد سنة مؤكدة، وصلاة الجمعة فرض منصوص عليه في القرآن. وهو الأحوط والأقرب للصواب. مخالفة الطريق في الذهاب والعودة من صلاة العيد يسن للإنسان إذا ذهب لصلاة العيد من طريق أن يعود من طريق آخر إلى بيته أو غيره، وذلك ليشهد له الطريقان، فقد روى البخاري عن جابر رضي الله عنه أنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق. وهذه المُخالفة سُنَّة وليست بواجبة، إنْ فعلها أخذ ثوابًا، وإن لم يفعلْها فلا عقاب عليه. وكان بعض الصحابة يرجع من الطريق الذي ذهب منه دون إنكار عليه. وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج ماشياً يصلي بغير أذان ولا إقامة ثم يرجع ماشياً من طريق آخر. قيل ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ. وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين. وقيل لإظهار ذكر الله، وقيل لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه. وقيل ليقضى حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج أو ليزور أقاربه وليصل رحمه. العيد وزيارة القبور الأصل في زيارة المقابر أنها سُنة؛ وهي تُذَكِّر الإنسان بالآخرة، وقد جاء في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تُزهِّد في الدنيا وتُذَكِّر بالآخرة". وليس لهذه الزيارة وقت مُعين، وإن كان بعض العلماء يجعل ثوابها أكبر في أيام معينة كيوم الخميس والجمعة لشدة اتصال الأرواح بالموتى، وإن كان الدليل على ذلك غير قوي، ومن هنا نعلم أن زيارة الناس للمقابر عقب صلاة العيد، إن كانت للموْعظة وتذكُّر من ماتوا فلا بأس بذلك. أما إذا كانت الزيارة بعد صلاة العيد لتجديد الأحزان ولتقبل العزاء على القبر فهو مكروه؛ لأنه يوم عيد وفرح وسرور فينبغي عدم إثارة الأحزان فيه. إعداد أبو حفصة الزياني