قبل أن نحاول الجواب على سؤال العنوان ” بناء الإنسان مسؤولية من؟“، لابد أولا أن نسلط الضوء على الخلفية الثقافية للمجتمع اتجاه قضية المرأة هذا إن صحت التسمية بدءا،لأن نسبها للمرأة فحسب يجعلها قضية جنس ضد جنس، فتكتسي صبغة المعركة وتصبح ساحة للتلاسن والتراشق بين الرجل والمرأة، فنبحث عن الجاني بينهما وعن الضحية بدل أن نبحث عن مكامن الخلل في كل منهما، لأنه في النهاية أي إصلاح سيطال الوضعية الحالية سيستفيد منه الطرفان معا، لأن الأصل وعلى الأصل نبحث أن يتكاملا معا ويتعاونا من أجل تحقيق الاستخلاف وضمان الاستمرار البشري. فكما قلت فالخلفية الثقافية التي كانت ولا تزال – مع بعض الانفراج الجزئي – تحكم تعامل المجتمع مع المرأة بما فيه هي نفسها يتغذى وبحصة الأسد من تخلف تاريخي قديم أنبتته عصور الانحطاط التي كانت تعامل فيه المرأة على اعتبار أنها إنسانة من الدرجة الثانية تابعة لا رائدة، مقادة لا قائدة، وتكنى بأحبولة الشيطان ومحور الشر، فتمنع المساجد وتلقي العلم ويقزم دورها في إرضاء الرجل ورغباته. وعلى سبيل المثال لا الحصر أسوق هنا مثالا عن كتاب لأحد أعلام هاته الأمة وهو الراغب الأصفهاني المتوفي سنة 425هجرية و صاحب كتاب” مفردات ألفاظ القرآن الذي يعد من أشهر مصنفاته وكتاب “محاضرات الأدباء” والذي خصص فيه فصلا كاملا يتحدث فيه البنات عنونه ب “فائدة موتها وتمنيه” والأدهى من ذلك والأمر أنه استدل بحديث موضوع يقول(دفن البنات من المكرمات)، فإذا كان هذا حال الصفوة والنخبة أو كما قال كرامش المثقفين العضويين فكيف يكون حال العامة من بسطاء التفكير والتعليم بل ومن الأميين. وكيف يكون مجتمع قادته يؤمنون بمثل هاته الأفكار الهدامة. اليوم لازال عمقنا العقيم يتغذى على الانحطاط وقشورنا تنادي بالحداثة والتمدن وحقوق الإنسان. فبقينا كالثور الذي يدور حول نفسه يرهقها ولا خير منها يجني. وبقي الموضوع رهين تصارعات وتجاذبات إيديولوجية سياسية أكثر منها إصلاحية ثورية شأنها شأن كل القضايا الشائكة والعالقة في مجتمعاتنا. لعلي أطنبت في فرش هذه الأرضية التمهيدية التي على ضوئها أتمنى أن يبنى النقاش وتؤخذ بعين الاعتبار فلا يكون من رد منكم إلا واصطبغ بطابع العقلية والعلمية والحيادية، يجب أن نخرج من ذواتنا ونتحدث بصوت عال لا نخشى الخطأ ولا النسيان ولا الطابوهات. أعود لأطرح السؤال الأساس والذي لأجله ملأت بياض هذه الصفحة من يتحمل مسؤولية بناء الإنسان المرأة أم الرجل؟ إن كانت المرأة من يتكفل فما هو دور الرجل أفي توفير الزاد والمسكن والملبس فحسب؟ وألا يعد انتقاصا من آدميته أن يتكفل بالجانب المادي فحسب؟ أليس جديرا بتنشئة أبنائه وتلقينهم التربية الصحيحة أم أنه غير جدير بذلك لأنه ناقص أهلية وتكوين؟ وإن كانت المرأة من يتكفل وحدها بهذه المهمة الإنسانية هل لارتفاع نسبة العاطفة لديها؟ وهل يحتاج الطفل للعاطفة منفردة لينمو؟ وهل تستطيع المرأة أن توازن في تربيتها بين العقل والعاطفة؟ أليست ناقصة عقل ودين وضلعا أعوج لا يقوم إلا كسر فكيف تتحمل هاته المهمة العظيمة مع كل هذا؟ إذا كانت مسؤوليتهما معا؟ لماذا الأم من يلازم أولادها أكثر ويسهر على مطالبهم؟ هل يكون دور الأب في التوجيه عن بعد فحسب كما التليكموند؟ هل حقا للأم أن تحتضن صغيرها في طفولته لحاجته للعطف لتسلمه لوالده عند مراهقته لأنه الأكثر قدرة على ضبطه؟ أليس سنوات الطفل السبع الأولى الأكثر أهمية في حياته وفيها تتشكل شخصيته؟ أرهقتكم وأرهقتني الأسئلة التي لا تعدوا أن تكون غيضا من فيض، أترك لكم الكلمة...