إذا كان شهر رمضان الكريم حسب القليلين في هذا البلد الإسلامي يعتبر مناسبة لربط الصلة وتجديدها بالخالق جل علاه، فإنه عند السواد الأعظم مناسبة لتجديد الصلة بالنوم الثقيل والموائد المزخرفة بشتى أنواع الأطعمة والمأكولات. فالشهر المعظم والمبارك وشهر الغفران وما إلى ذلك من المصطلحات التي ألفت الأفواه ترديدها كلما انتصف شعبان، لا يختلف عن أقرانه بكثير في السنوات الأخيرة خصوصا فيما يتعلق بالجانب الروحي، فبروز العولمة وما صاحبها من ثورات تكنولوجية جعلت الإنسان يتخلى عن بعض الأشياء ويعتبرها هامشيةً رغم ضروريتها بما في ذلك الوازع الديني. فمثلا، في هذا الشهر الأبرك لا تجد بعض النساء بدا من كشف مفاتنهن، دون سترها احتراما لأنفسهن أولا ثم لغيرهن ممن يتمنون إنقاد يوم صيامهم من كل الشوائب بالغالي والنفيس، بل يتغنجن كما ألفن غير آبهات بشعبان ولا رمضان. في هذا الشهر أيضا يرتشف طلبة بعض الفصائل التي تعرفونها جميعا سجائرهم في الساحة العمومية للجامعة وأمام الملأ، ويفتخر بعضهم كونه ” كينصب لكاميلا ” كلما انتصف النهار، معتبرا الصيام اعتداءا على الذات البشرية. أتذكر جيدا تلك التلميذة التي كانت تفرش الطاولة بالبيض المسلوق و ” لفرماج ” والخبز كل يوم في عز رمضان، وأيضا ذاك ” السّافاريانْ ” الذي قال لي ” وأنا براء من كلامه “، هل تعرف أن الله يعذب عباده في شهر رمضان، فما الفائدة منه إذن؟، مع العلم أنه فات الأربعين سنة من عمره. البعض يجعل من هذا الشهر الميمون موسما للنوم العميق و ” الشخير ” من السحور إلى الفطور، خاصة أولئك المدمنين ” الله يحفظكم ” ، الذين يترقبون في كل وقت وحين آذان صلاة المغرب ليفطروا على السجائر و ” الحشيش ” و “النفحة ” و الشيشة والمخدرات الأخرى، كلٌّ ومائدته وأطباقه المفضلة، إن لم أقل كل ومائدته التي ابتلي بها رغماً عنه. في هذا الشهر المبارك أيضا تكثر السرقة وتمزيق جيوب الستضعفين والسطو على ممتلكاتهم، وكم مرة شاهدت بأم عيني سرقات في واضح النهار خصوصا في الأسواق والحافلات، فكتمت الأمر حتى لا يخدش أحد بسكينه وجهي الشاحب العبوس. كما أتذكر جيدا إمام مسجد متواضع وضع ذات يوم دراجته الهوائية أمام باب المسجد، فلما خرج لم يجد غير آثار العجلات، وأصبح يرتاد السوق كل يوم مشيا على قدميه. في هذا الشهر كذلك، لن تجد لك موطئ قدم في المساجد خاصة عند صلاة التراويح، فالكل في خشوع موسمي عابر سرعان ما ينقضي مع انتهاء رمضان ليبقى الفقيه وحيدا يركع ويسجد في انتظار رمضان جديد. وتتزامن الحريرة الرمضانية المألوفة والرائعة حقيقة مع ” حريرة ” أخرى، مقاديرها ليست الدقيق والقطاني، بل هي تلك الأفلام المخلة بالحياء العام وتلك السيتكومات المغربية الصبيانية التي تعبر وبشكل واضح عن الفشل الدريع في إرضاء المشاهد صغيرا كان أو كبيرا. ولا يكاد هذا الشهر يودعنا على أمل لقاء جديد، حتى ندخل في شهر آخر ما هو بشوال، وإنما هو “مرجان “، مقصد الكثيرين ممن ضاقوا درعا بالصيام. ومع هذا كله أستغرب كيف يُقْدم تقرير معهد ” كالوب ” الأمريكي مؤخرا على وضعنا في المرتبة الثالثة من حيث الدول الأكثر تدينا عبر العالم.؟؟؟