و بعد: فإنه لا أحد ينازع في الانتصار الأخير، فالكل و الحمد لله على إقرار. و بني صهيون لم يكن لهم حظ إلا الخزي و العار و الذل و الشَّنَار! فتلك سُنَّةُ الله فيهم إلى أن تَفنَى الدِيَّار. و لولا أنْ تَدَخَّلَ مَن تَدَخَّلَ مِن أذنَابهم لحفظِ ما بقي من ماء وجههم لكان ما كان. ثم إنّه لا يكفي أن يُنظَرَ إلى الجُناة بِنَظَرِ شَزَرٍ و عَينِ نقصية فذلك لا يعدوا باب الإنسانية، و نما الأمر مُنَاطٌ بالعقيدة ومن متعلقات الديانة الإسلامية. والأدهى و الأنكى أن أهل الإسلام فيما يلحق بهم من أذى الغير على ضربين و للثالث حكم النُّذرَة لا سَهْمَ له عند أهل الأصول، فهم إما ناسون أو متناسون حتى صار ذلك من عوائدهم! و لا حول ولا قوة إلا بالله. ما أن تمر بهم جائحة، تراهم على النَّائِحَة، ثم سرعان ما تمحى من الذاكرة، و لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين! تراهم من أيام يتجمهرون و بالحشود يتظاهرون، كل يدَّوي بصُراخه حتى الأبكم و المبحوح، و ما أن تمر سحابة الصيّف العابرة تلك إلا و تتمثلهم قالة القائل ” عواء في خواء ” تنظير بلا تطبيق، قمم تترى بلا كبير فائدة و لا عظيم عائدة، شكليات و صوريات، و على لغة ذوي السياسة ” بروتوكولات “!!! و ليس القدح في السالفة، و إنما في صيرورة صحوت الإسلام إلى انبنائها على إثارة المشاعر و دغدغت العواطف لا يتجاوزه إلى غيره. و في المُثُل: إذا كثر المساس ذهب الإحساس. وهذا من قبيله. أقول: إن المُتَطَلَّعَ إليه ليس شيئا أكبر وأَكلَفَ، وإنما هو على السهولة بمقدور: استمرار الموقف تلك هي طَلِبَتُنَا، فهو الشاهد على يقظة المسلمين. و متى كان للمسلمين غيره، فالدين كله مواقف. غزة لم تستفرد بِالمُطَالَبِ وإنما عَنَيتُهَا بالقول و جرى بها الحديث من باب قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً...الآية} (13) سورة يس، ولأنها حديث الساعة فكان لها حكم الأولى. والموقف يتعداها لغيرها و لا يقف عند حَدّها.