تميزت الثقافة الشعبية لليهود المغاربة بالغنى و التنوع، حيث مزجت بين ما هو ديني عقائدي خاص، و بين المعتقدات و العادات الموروثة، لتفرز ثقافة شعبية يهودية متجدرة في عمق الثقافة الشعبية المغربية عامة، تتنوع من منطقة إلى أخرى لتكتسي طابعا محليا خاصا لكل منطقة. و باعتبار مدينة الصويرة إحدى المدن المغربية التي استقطبت وفودا هائلة من اليهود على مر العصور، فإن هذه الساكنة اليهودية تشبثت و بقوة بالثقافة الشعبية، و حاولت الحفاظ عليها من الاندثار. هذا التشبث كان يلاحظ في نمط العيش و الحياة اليومية، و خلال الأعياد الدينية و الأفراح العائلية، كل هذه الممارسات كانت بمثابة مرآة تعكس الهوية المتأصلة ليهود المنطقة و الجذور المتينة و الصلبة لهم بها، و تعبر تعبيرا صادقا عن اليهودي المغربي الصويري في أفكاره و معتقداته و آماله و أحلامه و أحزانه، و الذي لولا إحساسه بالاستقرار و الأمن و الأمان ما كان ليتحفنا بهذا الموروث الواسع في الثقافة الشعبية. و إذا كان يهود الصويرة متشبثين بشريعتهم الواردة في التوراة و التلمود ، فهذا المعطى لا ينفي إيمانهم الراسخ بمجموعة من العادات و التقاليد التي يمتزج فيها الطابع الديني بالمعتقدات الشعبية، و يتضح ذلك بالخصوص خلال المناسبات الاحتفالية كالولادة و الختان و الخطوبة و الزواج. و ما يثير الانتباه هو حضور الجار المسلم في مختلف المناسبات ليشارك جاره اليهودي فرحته و يتقاسم معه أحزانه، هذا التعايش يتجاوز مشاركته السكن و ظروف العيش إلى المشاركة في العادات و التقاليد، و الذي يعزى إلى كون الثقافة الشعبية اليهودية جزء لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المغربية عموما حيث نشأت و ترعرعت في حضن هذا البلد، و لا يمكن إدراك جوهرها إذا ما انتزعت من أرض المغرب المعطاء. الولادة تعتبر الولادة من أهم و أعظم المناسبات عند اليهود، و ذلك بسبب اهتمامهم الشديد بالإكثار من النسل. و عندما تكون المرأة اليهودية حاملا فإن خبر حملها ينتشر بسرعة وسط أفراد عائلتها و عائلة زوجها، الذين يسرون بالخبر و يحيطونها بالعناية و العطف. و تنقسم فترات الحمل عند اليهود إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تدوم ثلاثة أشهر، و هي أخطر فترات الحمل، إذ تكون فترة الوحم و يحرص اليهود فيها على توفير جميع ما تطلبه الحامل أو تشتهيه مع منعها من رؤية المعطوبين و المعاقين حتى لا يؤثر ذلك في نظرهم على الطفل و إذا حدث و رأتهم فعليها أن تبصق على الأرض. و المرحلة الثانية تبدأ عند الأشهر الثلاث الثانية حيث تخصص لنمو الجنين و رعايته. و المرحلة الأخيرة تكون خلال الفترة المتبقية و تكون للإعياء التام. في الشهر التاسع تبدأ عملية تقطيع "ألقماط" كما يرافقها بعض التعاويذ و الأحجبة لحماية الطفل و الأم على السواء و إبعاد الشياطين الشريرة عنهما، خاصة الجنية "ليلت" التي تقضي على الأطفال. عندما تشعر المرأة بآلام المخاض، يستدعى الزوج "القابلة" التي تشرف على عملية الولادة، في حين تقوم النساء الحاضرات من أقاربها بالتضرع إلى الله و الصالحين بالصلاة و الدعوات إلى أن تلد. بعد الولادة تحتفظ الأم بغلاف الجنين، لأنهن يعتقدن أنه يحمي من الأمراض و يعجل بإطلاق سراح السجين، و يسمى بالدارجة "لخلاص" و يعني الخلاص، كما تحتفظ الأم بالجزء المتبقى من الحبل السري الذي يسقط من تلقاء نفسه أياما بعد الولادة، و تلفه في قطعة ثوب و تغمسه في قليل من حليب ثديها، ثم تبلل أصبعها وتعطيه لمولودها كلما بكى كي يذهب عنه السوء، و يستقبل المولود الذكر بفرحة عارمة و بالزغاريد و التهاني، في حين تستقبل الأنثى عادة ببرودة. و ترافق الولادة حفل كبير قد يستمر على مدى أسبوع كامل، أي من يوم الولادة إلى غاية يوم الختان إذا كان المولود ذكرا، أما إذا كان أنثى يستمر الحفل حسب إمكانية العائلة. و هي مناسبة تزور فيها النساء الأم و تقدمن تهانيهن لها و يقبلن المولود الجديد مع النطق بعبارة "تبارك الله عليه" حتى لا يصاب بالعين، و خصوصا إذ نال إعجابهن. و تضعن الهدايا فوق سريره، و لا ينبغي أن يقل ثمنها عن الهدايا التي قدمتها أمه لهن. إ ذا ولد المولود يوم السبت فسيكون له شأن عظيم في المستقبل، و إذا ولد في التاسع من شهر آب فسيكون مجلبة للسوء و الشؤم لأهله لأن هذا اليوم هو ذكرى هدم معبد فلسطين. من الشعائر المصاحبة للولادة كذلك نجد "التحديد"، و هو عبارة عن شعيرة يستعمل فيها نصل من حديد، و تعود هذه العادة إلى أصول دينية مشوبة بطقوس خاصة. إذ يعمل اليهود على إقفال الأبواب و النوافذ، و تمرير النصل أو السكين الغليظ على الجدران و منافذ الغرفة التي توجد بها الأم، ثم توضع بعد ذلك تحت وسادة المولود، و تهدف هذه العملية إلى حماية هذا الأخير لأنه أكثر عرضة للخطر من الأنثى في الأيام الثمانية الأولى، أي قبل دخوله إلى المعهد الإبراهيمي. إضافة إلى عملية التحديد تقوم الأم لحماية وليدها بربط كيس يحتوي على "الشبة" و "الحرمل" بيده، و ترسم القابلة على جبينه خطا عموديا أسودا يعرف ب"الخموسة"، و التي تحميه من العين، و تضع فتيلة مبللة بالزيت في قنديل معدني فتشعلها. الختان تتم عملية الختان أو "مهيلة" باللغة العبرية في اليوم الثامن من ازدياد المولود، و ذلك تبعا لما نصت عليه الشريعة الموساوية، و يقام لهذه المناسبة احتفال ديني ضخم، و هو مناسبة عائلية للفرح و الابتهاج يحتفل به الغني و الفقير على السواء حيث تزين غرفة المولود و تعلق أنواع مختلفة من التمائم حول سرير النفساء، و ذلك لوقاية المولود من العين الشريرة كما تزين الغرف ة بستائر "سفاريم" و لفائف التوراة التي يقومون باستعارتها من البيعة. و تبدأ مراسيم الحفل بعد صلاة الصبح، حيث تلبس الأم مولودها حلة حريرية و ترتدي بدورها لباسا مزركشا بالذهب، و تقدم الأم ابنها إلى فدية الختان لحفظه من الموت، و ليدخل في دين إبراهيم. و يقوم الأب بإنزال الطفل، و يذهب إلى غاية "المزوزة" ليقبلها، ثم يرجع ويسلم المولود إلى "السندق" الذي يضعه على ركبتيه أثناء الختان. و عادة ما يتكلف بهذه المهمة الجد، أو تتم المزايدة عليها لفائدة صندوق الفقراء الخاص بالطائفة أو البيعة التي يتردد عليها أب المولود. يجلس "السندق" فوق كرسي عال يسمى كرسي إيليا، و يأخذ الطفل بين ركبتيه الموهيل بتختينه، و قد اشتهر السرفاتي بهذه المهمة في الصويرة و بإتقانها لها، إلى درجة أن المسلمين كانوا يجلبونه لتختين أبنائهم، و يقوم الموهيل بترديد العبارات التالية باللغة العبرية قبل عملية الختان: الحمد لله رب العالمين الذي سن لنا هذا الدين و أمرنا بإختان البنين ثم يقوم أب المولود بترديد العبارات التالية بالعبرية: الحمد لله رب العالمين الذي سن لنا هذا الدين و أمرنا بإدخال البنين إلى ملة إبراهيم الأمين الحمد لله رب الأراضي و السموات الذي تفضل علي بنعمة الحياة و خلق لي هذه الأمنية قبل الممات ثم يشرع الموهيل في عملية الختان، في حين يستمر الحفل الذي يغطي على بكاء الطفل. و عند انتهاء عملية الختان تبلل شفتا المولود بماء الحياة و يرد إلى أمه و تقبر "القلفة" في صينية مليئة بالرمل و الورود. و بعد أيام تلف القلفة في قطعة ثوب و تخزن، و في حالة عدم إنجاب إحدى القريبات تقدم لها لتبلعها قصد الإنجاب. و بعد الختان يأخذ "الحزان" الطفل ليعلن الاسم الذي اختاره له والده، و يكون هذا الاسم في غالب الأحيان لأبيه أو لجده إذا كان ميتا، أما إذا كان حيا فهذا يعتبر إيذانا بقرب موته. و عادة ما يسمى الطفل الأول باسم جده لأبيه و الثاني باسم جده لأمه، و يكون للطفل اسمان: اسم لأحد جديه و الاسم الآخر يتم اختياره من طرف والديه. و قد يحدث تغيير هذا الاسم في حالة مرض الطفل الميئوس من شفائه إذ يؤتى بالحزان لإعادة الطفل إلى الحياة، و ذلك بتغيير اسمه، و يقوم بحرق بعض الأعشاب و خلطها في صحن، و النطق بعبارات لجلب قدرة الأولياء لمحاربة الشر و طرده من جسم الطفل و يتم تعويض الاسم القديم باسم جديد. و الأسماء عموما في حد ذاتها تحمل دلائل حول المهام العمومية و المهن والفنون، كم تذل على الحظ و الثروة و القوة... و منها أسماء ذات أصول عربية ك"فحيما" و تعني الفحم، و "سباح" و تعني الصباح... الخطوبة قبل إقبال الشاب البالغ على الزواج يقوم باختيار الفتاة التي سيتزوج بها، و تكلف عائلته أحد الأعيان أو رجال الدين أو الكوهين ليطلب يد المرغوب في الزواج منها من أبيها، و ذلك خوفا من أن يلقى طلبه الرفض إما لفقر الخطيب أو انتمائه لأسرة متواضعة. و إذا أراد والد الفتاة رفض العرض، يدعي أن ابنته لا ترغب في الزواج أو مازالت صغيرة أو أنه وعد أحد أقاربه بتزويجها له. أما إذا رضي فإنه يجيب بعبارة ‘‘امبارك أمسعود‘‘. حينما تتفق العائلتان على موعد الخطوبة، و في اليوم المحدد يذهب بعض المدعوين إلى دار الخطيب حيث يتناولون الشاي و الحلويات و بعدها يتوجهون صحبة الخطيب و أهله إلى بيت الخطيبة حيث يقام الحفل. و تقوم الفتاة بتقبيل أيدي المدعوين و يقدم لها خطيبها مجموعة من الهدايا، و هي عبارة عن سبعة أساور رمز للأسبوع و خاتما يحمل جوهر ثمينة و خمارا من الحرير، و تحتوي الهدايا أيضا على صينية توضع بها هذه الهدايا إلى جانب خمسة قوالب من السكر و الحناء و العطور و الفواكه الجافة. و كلما حل عيد ديني في الفترة الفاصلة بين الخطوبة و الزواج ، فإن عائلة الخطيب ترسل هدايا إلى أهل الفتاة، و في ليلة "كيبور" يبعث الخطيب إلى خطيبته دجاجة سمينة يطوقها برباط جميل. و يشترط التزام الطرفين بالخطوبة، لأن إخلال أحد الطرفين بها سيؤدي إلى نشوب نزاعات قد تصل إلى تدخل السلطات القضائية، إلا إذا كان فسخ هذه الخطوبة تحت ضغط أسباب خطيرة، كما لا يمكن للأب أن يبعد ابنته عن خطيبها و تزويجها من شخص آخر. الزواج يعتبر الزواج ميثاقا شرعيا بين رجل و امرأة، يتحول إلى عقد مكتوب يتولى كتابته حزان يهودي أو قاضي يهودي، و يتم بحضور عدول و شهود و الذين ينبغي أن يكون عددهم عشرة، و يسمى هذا العقد "الكتوبا". و في الصويرة يكتب العقد باللهجة اليهودية المغربية ليكون أكثر شعبية، و يصحب بالأصل العبري التقليدي للكتوبا. يبدأ حفل الزواج يوم السبت إذ تستدعي الخطيبة صديقاتها لتريهم جهازها، و في صباح يوم الأحد يرسل أهل العريس للعروس صينية مليئة بأقراص السكر و الحناء و بيضة و عسل و قطن و حلي. و يقام مساء هذا اليوم حفل في بيت العروس يحييه موسيقيون، و تعمل خلالها العجائز بفقس البيضة على رأس العروس مرددين عبارة "باليمن و السعادة". و البيضة في الموروث الثقافي لدى اليهود تحمل معنى التفاؤل و السعادة. في الغد تذهب العروس برفقة أمها و حماتها و بعض الصديقات إلى الحمام، و يجب على النساء اللواتي يرافقنها حمايتها من الشياطين و الأشرار، إذ تقوم امرأة عجوز بصب كأس خمر و المربى و مواد أخرى بالماء تجنبا لغضب الشياطين. و يتم غسل شعر العروس المطلي بالحناء، و يجمع كل ما سقط من شعر و حناء ليتم خلطه بالسكر و القمح و يتم وضعه بثوب ليوضع بعد ذلك في فراش الزوجية. و في اليوم الموالي يتم تحديد الكتوبا بحضور مدعوين موثقين اثنين اللذين يقدران ثمن المهر، و في هذه الليلة تنقش العروس يديها بالحناء بحضور عشرة أشخاص ذكور راشدين أحدهم يجب أن يكون قاضيا أو حزانا، و تقام هذه المراسيم ببيت العروس التي ترتدي لباس الحضرة، و يحضر العريس لأخذها صحبة فرقة من المغنين. و يتبادل العروسين هدايا من الذهب كي لا ينسيا أن الوقت من ذهب لا يجيب تضييعه. مساء هذا اليوم الأربعاء تهيئ غرفة للعروسين و تجهز مائدة خاصة بهذا الاحتفال توضع عليها الحلويات المختلفة و الخمر و الدجاج، و يدعى الشباب إلى رؤيتها عسى أن يسعدهم الحظ و يتزوجون أيضا. و في صباح اليوم التالي تقوم العروس بفتح باب الغرفة لتدخل حماتها لجلب "الصباح" الذي يؤكد عذريتها و طهارتها، ثم تهرول الحماة إلى أم العروس لتبشرها بالخبر السار و تنطلق الزغاريد التي تملأ المكان. و يفضل اليهود مساء الجمعة كلية للبناء إذ بدخول ليلة السبت ينال العروسان أجرا عظيما من الله، و يبدأن حياة جديدة تطبعها السعادة و الحب. و تعتبر مرحلة الزواج أكثر المراحل خطورة، إذ يكون خلالها العروسان أكثر تعرضا للأذى والسحر و "التتقيف" و "الريال"، لهذا و تبعا للعادات والتقاليد يعمل اليهود على حمايتهما بالتعاويذ و التمائم و الشمروت. و في اليوم السابع للزفاف يقدم للعروسين سمكتان يكلفان بتقطيعهما و من كان السابق منهما هو الذي يفرض إرادته في تدبير شؤون المنزل. المراجع: حاييم زعفراني: ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب إيلي مالكا: العوائد العتيقة الإسرائيلية من المهد إلى اللحد روايات شفوية Armande Lévy : Il était une fois les juifs marocains