تميزت الثقافة الشعبية لليهود المغاربة بالغنى و التنوع، حيث مزجت بين ما هو ديني عقائدي خاص، و بين المعتقدات و العادات الموروثة، لتفرز لنا ثقافة شعبية يهودية متجدرة في عمق الثقافة الشعبية المغربية عامة، تتنوع من منطقة إلى أخرى لتكتسي طابعا محليا خاصا لكل منطقة كمدينة الصويرة التي تعد إحدى أعرق المدن المغربية التي استقطبت وفودا هائلة من اليهود الدين لعبوا أدوارا علمية و حيوية بها، و الدين كانت تجمعهم مع سكان الصويرة المسلمين علاقات التعاون و التآزر و الانسجام، و جرت العادة أن يزور المسلم جاره اليهودي لتهنئته كلما حل عيد من الأعياد اليهودية، و يقدم له الورود و الحلويات عربونا على الصداقة و الاحترام المتبادل ، ونفس السلوك يقوم به اليهودي تجاه جاره المسلم عندما تحل الأعياد الدينية الإسلامية. و تتخلل السنة العبرية مجموعة من الأعياد اليهودية التي تتسم بامتزاج الطابع القدسي بالعادات و التقاليد ما يجعل منها محطة تأصل و أخد للعبر، كما تتميز هذه الأعياد بارتباط بعضها بأحداث تاريخية عاشها اليهود، في حين جاءت أعياد أخرى منصوص عليها في الشريعة الموساوية. السبت المقدس و يسمى كذلك عيد شباط ، والذي يفيد السبت المقدس في اللغة العبرية الكف عن كل أنواع العمل و الخلود إلى الراحة، و يرجع تقديس يوم السبت من كل أسبوع إلى اعتقاد اليهود بأن الله خلق العالم في ستة أيام تم استراح في اليوم السابع، وقد أشارت التوراة إلى ذلك و لهذا فيوم السبت هو يوم عطلة عند اليهود، يلتزمون فيه بالقيام بالشعائر الدينية و لا يجوز لهم مخالفته مهما كانت الظروف فتقديسه واجب ديني و اجتماعي تحت عليه الشريعة اليهودية، فتمنع فيه كل أنواع العمل حتى المنزلية منها كالطهي و إيقاد النار و حتى الاتصالات الهاتفية و سياقه السيارة و لا يدفن الميت يوم السبت، و ليوم السبت شعائر خاصة وردت في كتاب "الزهار" تتضمن عشرة أوامر متعلقة بواجبات السبت التي يطلق عليها اسم "المائدة الملكية" و تبدأ بغسل اليدين و إعداد خبزتين لكل وجبة، تم تناول الوجبات كما حددتها الطقوس الخاصة بها، و إشعال المصابيح لإنارة المائدة ثم مباركة كأس خمر تفتح به الوجبة، و مدارسة التوراة عند الجلوس إلى المائدة مع إطالة وقت الوجبة، و غسل اليدين و الدعاء و التسبيح و أخيرا شرب كأس من الخمر، و في اغلب المدن المغربية تحضر وجبة خاصة لهدا اليوم تسمى "السخينة" أو "الدفينا" و التي تتكون من الحمص و البطاطس و اللحم و البيض و الأرز و القليل من الثمر، و يتم بعتها إلى الفرن في مساء يوم الجمعة لتجلب منه ظهر يوم السبت. كما يغتسل اليهود مساء الجمعة استعدادا لاستقبال السبت المقدس الذي يذهبون في صباحه إلى " البيعة" (مكان تعبد اليهود يقابله عند المسلمين مسجد ) لترتيل بعض الأدعية و بعدها يعودون لتناول وجبة السخينة رفقة أسرهم، و يقومون ليلا بإيقاد شمعة بخيوط متعددة يرشونها بالتوابل و يصبون عليها كأسا من النبيذ و يحرصون على استنشاق الرائحة الصادرة عنها ليودعوا بذلك شباط إلى السبت الموالي. روش هاشانا كما يحظى عيد "روش هاشانا" باهتمام بالغ لدى اليهود، و يقصد بعيد روش هاشانا عيد رأس السنة و الذي نصت عليه الشريعة الموساوية، و جاء أمر تقديسه واضحا في كتاب التوراة كما يسمى هذا العيد أيضا بعيد الأبواق، و ذلك لكون اليهود في هذا العيد ينفخون في قرن كبش للإعلان على ميلاد سنة عبرية جديدة، و تعبيرا منهم على سيادة الله في هذا اليوم الذي يخلد ذكرى الخلق و بدء الخليقة، كما تقدم في هذا اليوم القرابين للتكفير عن الخطايا التي ارتكبوها طيلة السنة و التي غالبا ما تكون عبارة عن دواجن. و يستمر الاحتفال بهذا العيد ثلاثة أيام ابتداء من اليوم الأول من شهر تشرين و الذي يوازي شهر أكتوبر إلى غاية اليوم الثالث منه، و تعتبر ليلة رأس السنة مناسبة للأكل و المتعة و شرب الخمر الذي يشترط فيه أن يكون مصنوعا أو مستخلصا من العنب الأبيض، أما الخمرة الحمراء فيتم تجنبها دلك المساء و ذلك للاعتقاد السائد لدى اليهود بان اللون الأحمر يرمز إلى الشدة بينما اللون الأبيض يرمز إلى الرحمة، كما يقومون بتحلية خبز التبرك بالعسل لأنه يرمز إلى النعمة و الفأل حتى تكون السنة سنة حلوة و بعد ذلك يتوجهون إلى "البيع". عيد كيبور عيد الغفران أو ما يسمى بعيد "كيبور" و هو كذلك من الأعياد التي نصت عليها الشريعة اليهودية فيحتفل به يوم العاشر من شهر تشرين و يبدأ قبل غروب شمس اليوم التاسع ليستمر إلى ما بعد غروب اليوم التالي، و تتميز طقوس هذا العيد بالكف عن كل أنواع الأعمال و التقرب إلى الله و عبادته لا كانسان بل كملائكة، لهذا فهم يقومون بالصياح تكفيرا منهم عن ذنوبهم التي ارتكبوها طيلة السنة و محاسبة النفوس و تطهيرها، و من أهم طقوس عيد الغفران طقس صلاة النذر حيث يقوم ثلاثة من أقدم شيوخ البيعة المؤهلين معرفيا و علميا بالإعلان أمام التابوت المقدس المفتوح، التحلل من الوعود و الالتزامات التي أخدها الحاضرون على أنفسهم، و يعيدون ذلك ثلاث مرات، بعدها يرتلون و هم بثيابهم البيضاء العبارات المستعملة في هذه المناسبة، وقد جرت العادة أن تقام مباشرة بعد صلاة النذر صلاة خاصة يدعون فيها للسلطان بالحفظ و دوام الأمن للمملكة كما يقومون بجلد الأشقياء منهم 39 جلدة بسوط خاص طبقا للقواعد التي حددتها الشريعة الموساوية، و بعد انتهاء جلدهم يتوجهون للاغتسال للتطهر من الأخطاء، تم يرتدون أفخر الثياب و يلتفون حول مائدة الإفطار بعد مغيب الشمس و يشغلون شمعتان توضعان قرب قطعتي الخبز ، و بعد ذلك يتوجهون للبيعة لأداء الصلاة. عيد السكوت كما يخلد اليهود عيد "السكوت" أو ما يسمى بعيد النوايل أو المظلات، و هو ذكرى سكن بني إسرائيل في الخيام وسط صحراء سيناء بعد خروجهم من مصر، و يحتفل بهذا العيد في شهر تشرين الأول حيث ينطلق الاحتفال به من اليوم الخامس عشر منه ليدوم ثمانية أيام، و قد نصت الشريعة اليهودية على الاحتفال بهذا العيد. و أهم طقوسه نصب الخيام أو المظلات و التي يقوم اليهود برسمها مباشرة على سطوح منازلهم، بعد انتهاء صباح يوم الغفران يشرعون في صباح اليوم الموالي في بنائها طبقا للشروط الدقيقة التي وصفتها الشريعة الموساوية، حيث يتوخون الحذر في صنع السعف و الباقة المفتولة المكونة من النخيل و ثلاثة غصون من الريحان و غصنان من الصفصاف وغصن من الاترج الصافي الغير ملوث، وتجهز هذه المظلة بافرشة ناعمة يجلس بداخلها المحتفلون و يتناولون بها جميع الوجبات طيلة مدة العيد، كما يرتلون بها الأسفار و الأدعية و تظل الإقامة بها طيلة أيام العيد، كما تكتظ البيع بالمصلين الذين يطوفون حول "المقرأ" و هو عبارة عن صندوق عالي موجود بالبيعة يطوفون حوله و يرتلون التوراة، و يختم هذا العيد بطقس النار الذي يمارس في مساء اليوم الأخير من العيد حيث يقوم اليهود بفك المظلات لتوقد النار بسقفها المكون من سعف النخيل، و يدعوا الآباء أبناءهم للقفز فوق النار مع الإكثار من ترديد الصلوات و التعازيم. عيد حانوكا أما عيد "حانوكا" فهو من الأعياد التي لم تنص عليها الشريعة اليهودية بل كانت تخليدا لذكرى انتصار المكابيين وهم فرقة من اليهود على الاتريق و تدشين هيكل القدس، و يقومون بالاحتفال به في الأسبوع الممتد من الخامس و العشرين من شهر كسليف إلى اليوم الثاني من شهر تيفيت، و يسمى عيد حانوكا كذلك بعيد الأنوار، و يعود سبب هده التسمية إلى معجزة الشمعدان و التي وقعت في اليوم الخامس و العشرين من شهر كسليف لسنة 3622 عبرية، عندما انتصر الإغريق عليهم فدخلوا إلى المعبد و لم يتوفر لديهم إلا شمعدان مع قليل من الزيت الذي لا يكفي حتى للإنارة ليوم واحد، إلا أن المعجزة التي وقعت هي أن الشمعدان ظل منيرا طيلة ثمانية أيام كاملة، لهذا أصبح اليهود يحتفلون بهذه المناسبة سنويا تعظيما للشمعدان و لناره المقدسة، فيوقدون كل يوم شمعة من شموع الشمعدان التسعة، كما يصومون اليوم الرابع و العشرين من شهر كسليف، و جرت العادة أن يحضر لهذه المناسبة طعام خاص يخضع لطقوس خاصة، و جرت العادة أن يتناول اليهود في بيوت الصويرة و الضواحي الأخرى الساحلية المغربية "الإسفنج" بالعسل. وعليه فأهم ما يشغل بعض الأوساط هو إعداد هذه الأكلة اللذيذة بكميات كبيرة لتتناول منها العائلة كلها، و لتوزع على الأقارب والأصدقاء كم تقدم أيضا للفقراء و أطفال المدارس في شكل معروف (صدقة)، و إضافة لكل هذا يعتبر عيد حانوكا مناسبة هامة لتسلية الأطفال و صنع الألعاب لهم. عيد بوريم أما عيد "بوريم" فهو عيد مستحدث كذلك لكون الشريعة الموساوية لم تنص عليه إلا أنه يحظى بأهمية كبيرة في نفوس اليهود، لأنه يخلد ذكرى هامة من تاريخ اليهود، و هي ذكرى نجاتهم من قرار هامان القاضي بإبادتهم حيث طلب من الملك اسوريوس السماح له بقتل يهود مملكته، و بعد موافقة الملك على قراره، اختار هامان اليوم السابع والعشرين من شهر أدار لقتلهم باعتبار هذا اليوم هو يوم وفاة نبيهم دون أن يعلم انه يوم ولادته أيضا، فلما علم موردخاي اليهودي بالخبر استنجد بابنته استر زوجة الملك و الذي لم يكن يعلم أنها يهودية، فطلبت من والدها أن يصوم اليهود ثلاثة أيام بينما أحاكت هي حيلة أطاحت بالوزير هامان حيث أمرا لملك بقتله، و مند ذلك الحين أصبح اليهود يحتفلون بهذا العيد يومي الرابع عشر و الخامس عشر من شهر أدار و يصومون اليوم الثالث عشر منه و ذلك تعظيما للملكة استر، و أهم ما يميز العيد هو المبالغة في الشرب إلى درجة السكر والإفراط في الأكل و إعداد أشهى المأكولات والحلويات التي تتفنن النساء في إعدادها، أما الرجال فيتسلون بلعب النرد و الورق باعتبار عيد بوريم يوم حظ لدى اليهود. عيد بيساح في عيد "بيساح" و الذي يسمى أيضا بعيد الفصح( أي الفرح بعد الضيق) و يطلق عليه في المدن المغربية عيد الرقاق فيخلد فيه اليهود ذكرى خروجهم و نبيهم موسى عليه السلام من مصر و نجاتهم من فرعون، ففي الليلة الخامسة عشر من شهر نيسان خرج اليهود مستعجلين حاملين معهم خبزهم فطيرا أي غير مختمرا و ذلك بعد مطالبة موسى المتكررة لفرعون بان يسمح له بمغادرة مصر، لكن ون جدوى، فكانت لعنة الله على آل فرعون بان نزل جند الله بمصر لينتقموا من أهلها، و ذلك بقتل الولد البكر في كل عائلة من العائلات المصرية باستثناء آل موسى لأنهم لطخوا أبواب منازلهم بدم العجل، و على إثر دلك سمح فرعون لليهود بالمغادرة و بقي اليهود يحتفلون بهذه الذكرى ما بين الرابعة عشر و الثانية و العشرين من شهر نيسان أي خلال ثمانية أيام يقوم فيها اليهود بمجموعة من الاستعدادات، أولها مراعاة جودة القمح الخاص بصنع الفطائر و تنظيف المطحنة و الفرن حسب ما تستوجبه الشريعة اليهودية و يحفظ في الجرار الجديدة المغطاة بنسيج دقيق تم يقومون بطهي الفطائر قبل أن تظهر عليها علامة التخمر، كما يقومون بتنظيف البيت و المطبخ و طلاء الجدران قصد التخلص من كل اثر للخميرة قبل حلول عيد الفصح، و أهم الطقوس التي تقام في هذا العيد هو طقس"السدر" الذي يقام في الليلة الأولى من العيد و هو من الطقوس المفضلة لدى اليهود لأنه يحيي ذكرى حدث مهم في التاريخ اليهودي، و يتم الاحتفال به بقراءة قصة الخروج من مصر، و رغم أهمية هذا الطقس إلا انه يظل احتفالا عائليا خاصا تدور إحداثه داخل البيت و يلعب فيه الأب دور الحبر الواعظ الذي يعمل على ترسيخ معجزة الخروج من مصر في أدهان أبنائه. اختتام بيساح "ميمونة" في آخر يوم من أيام عيد الفصح، يحتفل بميمونة و هو احتفال يجهل أصله، و معنى تسميته يرجع إلى المتخيل الاجتماعي اليهودي المغربي والذي يظهر في التظاهرات الشعبية والطقوس والأعراف التي تطبع هذا العيد، و قد عمل الأحبار على إعطاء الطابع الديني لهذا الاحتفال حيث تزين البيوت في ليلة ميمونة، و تهئ الطاولة بأنواع مختلفة من الأطباق تضم السمك و سنابل الشعير و القمح وعروش الفول و الخص و الفواكه و الحلوى و الحليب واللبن والسمد و العسل و إناء مملوء بدقيق القمح و أكواب مليئة بزيت صافي، دون نسيان سمك الباجو الأحمر الذي يوضع في صحن وسط المائدة دون أن يطهى و هذا ما يرمز لعبورهم البحر الأحمر، و بعد ما يرجع الأب من البيعة يقوم بمباركة أفراد عائلته، و تحضر عجينة يضع فيها كل أفراد الأسرة أيديهم و ترمى فيها قطعة من ذهب أو من فضة، بينما يردد الرجال نشيدا بالعبرية أو العربية أو الامازيغية و تزغرد النساء، و بعد ذلك تغطى العجينة بخرقة من الصوف أو الحرير، و يكون هذا الاحتفال مناسبة لتحضير الفطائر بالسمك والعسل كوجبة للعشاء و الحلويات كما تتزين النساء بأجمل ما لديهم من ملابس و حلي، و تقوم العائلات و الأصدقاء و الجيران بتبادل الزيارات طيلة فترة المساء و غالبا ما تكون هده الليلة لالتقاء الشباب وإعلان الخطوبة، و في صباح اليوم الموالي يذهب الكل إلى الشاطئ لتذكر عبور أجدادهم البحر الأحمر، كما يتوجهون نحو الحدائق الواقعة خارج المدينة لقضاء اليوم في أحضان الطبيعة و تناول الوجبات تحت شجر الكرم الذي لم تنضج ثماره بعد. عيد شفعوت أما "شفعوت" أو ما يدعى بعيد الأسابيع فيخلد ذكري مناسبتين، أولهما ذكرى نزول التوراة على موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر في طور سيناء، أما الثانية فكونه يصادف موسم حصاد القمح والتي تكون مناسبة يقدم فيها الفلاح باكورة إنتاجه قربانا للرب. يحتفل بهذا العيد في اليوم السادس من شهر سوان، و أهم ما يميزه هوالراحة والعبادة حيث تعرف البيع احتفالا خاصا يقام بعد الظهر، يتميز بتلاوة أزهروت" و هو شعر ديني يقرأ كل واحد منهم فقرة، أما إذا اخطأ احدهم أثناء القراءة يصحح له الجميع و يرشونه بالماء، وغالبا ما يعين الضحية قبل ذلك إلا انه يتلقى غداة العيد هدية جزاء له على حظه السيئ، و تتكرر الطقوس التي تمارس في ميمونة في هذا العيد، وفي المنازل تحضر النساء وجبة تقليدية و هي الشعرية التي تطبخ في مرق من لحم الخروف و توضع بها عقيدة من البصل و الزيت و تزين بالقرفة، أما الأطفال فيكون هذا العيد مناسبة يتعاركون فيها بمضخات و مرشاة المياه. المراجع: حاييم زعفران " ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب" أسعد السحمراني "من اليهودية إلى الصهيونية" روايات شفوية عن يهودي صويري Armand levy (IL ETAIT UNE FOIS LES JUIFS MAROCAIN)