كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا بكورنيش مدينة الناظور شمالي شرق المغرب، عندما سارع رمسيس بولعيون، العضو في نادي السينما بالريف، الخطى إلى السياج الذي يطوق ساحة كبيرة خصصتها وكالة مارتشيكا (حكومية مهمتها تهيئة بحيرة مارتشيكا) لاحتضان الفعاليات الفنية بالمدينة، لفتحه وفسح المجال أمام الزوار لمتابعة فيلم في الهواء الطلق. منذ أشهر أطلق رمسيس وعدد من الشبان بالمدينة مبادرة تهدف إلى إثراء الثقافة السينمائية لدى أقرانهم، وحتى لدى عموم سكان المدينة الساحلية والمناطق المجاورة لها. ويؤكد رمسيس -في تصريح للجزيرة نت- أن أكثر ما حفزهم على أخذ المبادرة وتهيئة فضاء يسمح لهم بمشاهدة الأفلام والتفاعل معها هو الغياب التام للقاعات السينمائية، ليس في الناظور وحدها بل منطقة الريف كلها التي تشمل الجهة الشمالية الشرقية للمملكة. وتشير بعض الأرقام إلى أن عدد القاعات السينمائية تراجع بشكل كبير، من ما يزيد على مئتي قاعة في ثمانينيات القرن الماضي إلى ثلاثين فقط. فضاء مغلق ومفتوح لم يكن هاجس أصحاب المبادرة في البداية يتعدى إنجاح حفلات المشاهدة الجماعية في فضاء مغلق يتسع لحوالي ثلاثين مقعدا بالمدينة تمكنوا من إيجاده بإمكانياتهم الخاصة. وفي هذا الإطار، يؤكد المخرج السينمائي ورئيس النادي محمد بوزكو أن رهانهم في البداية كان إيجاد فضاء داخلي، بإمكانيات خاصة عبارة عن قاعة صغيرة تضم شاشة للعرض وكراسي وبعض التجهيزات الأخرى، لتحاكي القاعات السينمائية. عقب كل عرض من العروض الكثيرة التي شهدتها قاعة النادي، كانت تعقبه مناقشة، لتمكين الحاضرين من تحليل الأفلام واكتساب ثقافة سينمائية تتجاوز عائق القاعات والأماكن التي يفترض أن تشهد مثل هذه الأنشطة. طموح رواد النادي لم يتوقف عند حدود عرض الأفلام في القاعة الصغيرة، فقرروا نقل تجربتهم إلى الفضاء العام والعرض في الهواء الطلق. ويقول رمسيس -الذي تحمس كثيرا للفكرة- إن الغرض من تنظيمهم يومين سينمائيين في شاطئ بحيرة مارتشكيا هو تقريب السينما أكثر من العوام، فكانت البداية الجمعة الماضية مع فيلم "جوق العميان" للمخرج محمد مفتكر، كما عرض النادي السبت الماضي الفيلم الريفي "أديوس كارمين" (وداعا كارمن). ويضيف أنه من خلال الإقبال على متابعة الفيلمين، خاصة الثاني الذي يتحدث بالأمازيغية، يبرز تعطش الجمهور المحلي للسينما، وهو ما جعله في النهاية يقر بأنه لو توفرت (الإمكانيات) بالمدينة والمدن المجاورة الأخرى فستشهد إقبالا كبيرا، وأن المستثمرين في حال إقبالهم على الاستثمار بهذا القطاع لن يندموا على ذلك. بعد تجربة العرض في الهواء الطلق في كورنيش الناظور، يبدو بوزكو أكثر تفاؤلا، بخصوص مستقبل نشر الثقافة السينمائية، فهاجس أي مخرج ليس إخراج فيلم متكامل فقط، وإنما أن يكون لفيلمه الصدى المطلوب وسط الجمهور. فالتجربة جعلت الجميع يقتنع بأن غياب القاعات يمكن تجاوزه بمبادرات مثل مبادرة نادي السينما بالريف، خاصة وأن المركز السينمائي (الجهة الرسمية المشرفة على العمل السينمائي) -حسب المخرج- يقدم العون للجمعيات العاملة بهذا المجال.