في خضم الاحداث السياسية والعسكرية التي كان يعيشها الريف، بعث القاضي سي عبد الكريم دعوة لكل من ابنائه سي محمد بن عبد الكريم ومحمد الذي كان يتابع دراسته في مجال المعادن في احدى مدارس اسبانيا، هنا نقطة تحول حاسم في حياة ال الخطابي خاصة والريف عامة، بعدما التأم الجمع بين الأب والابناء أدركوا الخطر الاسباني وسوء نيتهم. قبل وفاة الاب، كان هو الشخصية المحورية في المواجهة العسكرية ضد التغلغل الاسباني في مناطق تفرسيت وتمسمان، وأسس مراكز استراتيجية وخطوط حربية مقابلة لخطوط الاسبان، لكن لم يمض سوى شهران على هذا العمل التنظيمي المحكم حتى توفي، وتختلف المصادر والمراجع التاريخية حول مسألة موته؛ البعض يذهب إلى انه مات مسموما ويقال ان ريفيا كان عميلا لدى اسبانيا هو الذي سممه اسمه عبد السلام التفرسيتي، اثناء وجوده في تفرسيت وأثناء عودته الى اجذير وافته المنية خلال عام 1920 خلال شهر شتنبر. في نفس السنة كانت القيادة الاسبانية في يد الجنرال المستبد سيلبيستري، وكان يتقدم بجيشه عبر تمسمان، بينما كان سي محمد بن عبد الكريم قد خلف اباه في منصب القضاء واقنع رجال الريف بعقد مجلس للتشاور والتحالف لكن المحاولة فشلت ولم يكن هذا ليفتت عضد محمد بن عبد الكريم، بل وصل يتجول ويدعو القبائل الى الاتحاد ضد الاسبان حتى استطاع ان يوحد القبائل والحصول على عهد منهم لمحاربة الاسبان ولم تمض ستة أشهر حتى تألفت قوى القبائلية وانتظمت امورها استعداد للحرب. بروز القائد كان خلال مرحلة ابريل من سنة 1921 بعدما نقض المندوب السامي للحكومة الاسبانية وعده بزيارة جزيرة الحسيمة، اذ اخبر سلبيستري ممثلي اجذير ومحمد بن عبد الكريم ان المندوب لن يأتي وذاك راجع الى هيجان البحر وانه سيأتي قريبا عبر البر، لكن محمد بن عبد الكريم اصدر امرا يمنع فيه استقبال مسؤولي الاسبان، هنا يتضح من خلال المصادر التاريخية انه مستعد لتقلد زمام القيادة. وبدأت عمليات انتقال الحركة الورياغلية التي اسسها سي محمد الى ايث بويذار في تمسمان؛ ويعتبر اول مركز قيادة للمقاومة الريفية، ولعل السبب الرئيسي في انتقال هذه الحركة كان راجع الى دعم التمسمانيين. واخذت تدريجيا اعداد اضافية من الورياغليين تلتحق بتمسمان، يوم فاتح يونيو سنة 1921 قام الجنرال الاسباني سيلبيستري باحتلال موقع ادهار اوبران، فجر هذا اليوم بدأ الاسبان يتقدمون نحو جبل أدهار أوبران، وكانت الكتيبة الاسبانية مكونة من ألف وخمسمائة جندي انطلقت ليلا من أنوال، وأقامت فيه سورا من الحجارة تعلوه أكياس من الرمل وتتقدمها أسلاك شائكة تحسبا لأي هجوم من طرف الريفيين، ولكن عزيمة الرجال المحاربين الريفيين كانت أقوى من أسلاك وسور العدو وكذا جنودهم الجبناء، كان عدد الورياغليين والتمسمانيين المجاهدين آنذاك يتكون من 300 رجل بقيادة المجاهد "أعمار التمسماني" وابنه، وتم توزيعهم على ثلاث مجموعات تمركزت اثنتان منها على المرتفعات غرب وشمال أدهار أوبران، لكي تغطي بنيرانها المجموعة الثالثة التي ستشن الهجوم من الشرق ثم أخذت هذه المجموعات مواقعها دون أن تثير الانتباه وقامت بالهجوم بعد الثالثة زوالا. حينما انسحبت معظم قوات العدو، ولم تترك في مواجهتها سوى المدافعين الذين ظلوا في مواقعهم، بعد أن تعرض هؤلاء للنيران من جهة أخرى، لم يتمكنوا من كسر الموجة الأخيرة التي تدفقت عليهم رغم استعمالها القذائف المتفجرة، عند الساعة الخامسة مساءا كان قد قضي الأمر فقد استطاع المجاهدون الاستلاء على المركز وكذا قتل أزيد من 400 جندي إسباني وغنيمة عدد لا بأس به من الأسلحة. لم تمر ساعات حتى سمعت زغاريد النساء التمسمانيات الريفيات، في إشارة إلى النصر، وكذلك إلى الحزن، بعد إنتشر خبر إستشهاد "الشيخ أعمار التمسماني" قائد هذه المعركة وإبنه، وبعض المجاهدين، وصدحت حناجر الفتيات الريفيات بأشعار "إزران" خلدتها الذاكرة الشعبية، من قبيل: " أَعْمَارْ أُوثَمسمان أَيَا مْجَاهَذْ أَهْمِي ... إِتْجَهَاذْ سْ رْكاَبُوسْ إِتْعاَوَذْ سُوخَذْمِي" في إشارة إلى زعامة هذا القائد، في المقابل قتل حوالي 400 جندي إسباني من أصل 500، جادة واقعة أبران على الريفيين عددا لا بأس به من البنادق و الخراطيش وبعض المدافع، و أدوية، هذه الغنيمة كان لها دور مهم في تسليح النواة الأولى للجيوش الريفية. وللإشارة فإن هذا الاحتلال لموقع ادهار اوبران كان ضدا على مندوب الحكومة الاسبانية، فالجنرال سيلبيستري كانت له رسالة ملكية تخول له جميع الصلاحيات ضد هذا المندوب حيث هذا الاخير كان على رأس الحربية، ومفاد الرسالة مايلي: "اعمل ما امرك به ولا تبال بوزير الحربية الذي هو رجل مجنون" ، بالاضافة الى وثائق اخرى سرية تفيد انه يتوجب القضاء على عبد الكريم الخطابي، ان هذا الاخير لم يشارك في هذه المعركة ولم يشارك فيها بل كان في إمزورن يناقش أعيان القبيلة من أجل انضمام القبائل إلي المقاومة تحت قيادته، لكن بمجرد سماع خبر الانتصار كان النقطة التي جمعت القبائل والدفاع عن الريف الوطن، لكنه نال شرف هذا الانتصار رغم مشاركته الفعلية، اذ كان يحاول الوصول الى اتفاق سري مع اسبانيا، لكن كان هذا الانتصار بمثابة اعطاء الشرارة الاولى لانطلاق الجهاد وبالتالي بات القاضي مجاهدا.