صديق عبد الكريم رغم اختلاف السواد الأعظم من مواطني العالم العربي مع سياسة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، فالتاريخ يشهد له بأنه أول من وضع تاج الجنون على رأس معمر القذافي. و من أجل الاطلاع على ذلك، يمكن الرجوع إلى الرابط الموالي لمشاهدة كل من الرئيسين المصري و التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة في حديثهما عن الزعيم السفيه المعتوه الأبله: http://www.egylovers.com/vb/video.php?do=viewdetails&videoid=1003 كباقي كل الثوار، بدأ "الأخ القائد" مسيرته بالثورة على الامبريالية و الرجعية و العمالة للأجنبي، إذ عمل على إغلاق القاعدة العسكرية في ليبيا و تأميم البترول الليبي الذي كانت تتحكم فيه الشركات الأمريكية و حرٌم الخمور في كل التراب الوطني لبلاده . نتيجة ذلك جذب إليه عطف كل المراهقين و الشباب في العالم العربي (و أنا منهم)، إذ كنا نرى فيه الأمل المنشود لخلاص الوطن العربي من ربق التبعية و العمالة للغرب الامبريالي الصهيوني. و لكن ما أن استتبٌ له الأمر حتى بدأ يزيغ عن الجادة, و بدأ بعض رفاقه في "مجلس قيادة الثورة" يختلفون عن نهجه. فقد حاول الرائد عمر عبد الله المحيشي بمحاولة للانقلاب عليه سنة 1975 لإساءته إلى الليبيين وتعذيبهم، وانحراف أهداف الثورة الليبية عن مسارها الصحيح، لتتحول من ثورة ضد الظلم والاستبداد إلى ثورة ترسخ فيها تعذيب الليبيين وإذلالهم ومطاردتهم بوليسياً في كافة أنحاء العالم. باءت محاولة المحيشي بالفشل حيث قبض النظام على 21 من رفاقه الضباط الذين تم إعدامهم، بينما استطاع هو الفرار إلى تونس و منها إلى مصر التي منحته اللجوء السياسي. غير أن معارضة المحيشي لاتفاق كامب ديفد جعلت السادات يقوم بطرده إلى المغرب الذي سلٌمه إلى ليبيا في صفقة غريبة مقابل أعضاء من البوليزاريو، سلٌمهم القذافي بدورهم إلى المغرب سنة 1984. لم يقتصر نظام قائد الثورة على الغدر برفاقه فقط، بل تعداه إلى خطف الزعيم الشيعي اللبناني الإمام موسى الصدر (و بعض مرافقيه) الذي تم استدعاءه رسميا إلى ليبيا ليختفي فيها في غشت 1978 و إلى الأبد. و فضح أمره رفيق القذافي في النضال الرائد عبد المنعم الهوني مندوب ليبيا لدى الجامعة العربية بعد تبرأه مؤخرا من النظام ، جازما بأن الإمام تمٌ قتله و دفنه في سبها جنوب ليبيا. و الجدير بالإشارة أن قائد الثورة قد رفعتْ لبنان في حقه مذكرة توقيف دولية منذ مدة طويلة. المذيع الليبي المشهور محمد مصطفى رمضان الذي خالف القذافي الرأي اتهم بالخيانة، فتم تصفيته على أبواب مسجد لندن بعدما خرج لتوه من صلاة الجمعة يوم 11 أبريل 1980 من طرف عضوين من اللجان الثورية الليبية. أما المناضل الحقوقي الشهير المعارض و وزير خارجية ليبيا السابق منصور عمر الكيخيا الذي كان في مصر، فتم اختطافه يوم 10 / 12 / 1993 و تهريبه إلى داخل الترابي الليبي داخل سيارة السفير الليبي في مصر، إبراهيم البشاري، حيث قُتل و تم التخلص من جثته، و قد تمت تصفية السفير بدوره في حادثة سير مدبرة، لاتهامه بتسريب معلومات إلى الفرنسيين حول تفجير طائرتي "يوتا" و "لوكربي" المشهورتين. و الرائد الركن عبد السلام أحمد جلود عضو مجلس قيادة الثورة و رئيس مجلس الوزراء و الرجل الثاني في النظام الليبي انسحب من مهامه بعد خلافه مع القذافي و تم وضعه تحت الإقامة الجبرية منذ 1993. و أمام الشرارة التي انطلقت من سيدي بوزيدالتونسية، و التي امتدت إلى مصر الثورجية و اليمن السعيد، انطلق لهيب الثورة إلى أحفاد عمر المختار الذين أراد القذافي أن ينفرد بانتسابه إليه في منظر مضحك مُخْز و هو يعلق صورة بطل ليبيا الأسطوري على الجانب الأيمن من صدر بزٌته العسكرية أثناء زيارته الأخيرة لايطاليا، ماشيا في خيلاء و عتو و استكبار إلى جانب سيلفيو برلسكوني، صديقه في الفضائح الأخلاقية، بينما كان الجانب الأيسر من البزٌة العسكرية المشهورة مُرصٌعا بعشرات من النياشين العسكرية التي لم تحملها صدور كلٌ من مونتغوموري و ديغول و رومل و جوزيف تيتو مجموعة، كأنه حصل عليها من كل الحروب العالمية السالفة و اللاحقة، بينما زعيمنا المعتوه عُرف عنه فقط بلاءه الحسن في نسف الطائرات المدنية، و قتله الجماعي للسجناء المعارضين داخل زنازينهم كما حدث في "سجن السلوم"، و اغتياله لمعارضي حكمه في الخارج، و شنقه للطلبة الليبيين داخل الحرم الجامعي ليكونوا عبرة للآخرين ، و أخيرا و ليس آخرا قصفه للشعب الأعزل بالدبابات و الطائرات. لا زلتُ أتذكر برقية التهنئة التي بعثها "المفكر العالمي الثالث" (أحد الألقاب القديمة التي أطلقها على نفسه) إلى الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان في 14 يوليو 1978 بمناسبة العيد الوطني الفرنسي. حاول أن يبيٌن بأن ثورته ليست إلاٌ تكملة و امتدادا للثورة الفرنسية. أما "الكتاب الأخضر" الذي قال بأنه ألٌفه، فهو عبارة عن هُراء من الحشو في الكلام، لا تشتريه و لو بنصف فلس، كما وصفوه. حاولتٌ الحصول عليه من السفارة الليبية بالرباط في صيف 1984، و قيل لي آنذاك بأنه قد نفذ و الرجوع لاحقا، الشيء الذي لم أفعله، غير أنني لا زلتٌ أحتفظ بفقرات منه حول تعريف القذافي للحزب. فالحزب عند صاحب "النظرية العالمية الثالثة" هو "آخر شكل من أشكال الدكتاتورية على الإطلاق". ربما يريد أن يقول لنا أن استعباد الشعب الليبي و توزيع الثروات و المناصب على أبناءه هو "آخر شكل من أشكال الديمقراطية على الإطلاق". أستغفرُ الله أنني كنتُ لا أدَعُ الإنصات لأي حلقة من برنامج "مغرب الشعوب"، الذي كانت تبُثٌه إذاعة طرابلس مرتين في الأسبوع في السبعينيات من القرن الماضي، و هو برنامج كان دوره شتم وتجريح النظام و الجهاز الحاكم في المغرب، الذي لم يكُنْ أبدا أسوأَ من النظام الليبي نفسه كما أبْدت لنا الأيام. أتذكر أيضا إحدى حماقات القذافي المضحكة سنة 1989 حين شارك في المؤتمر التاسع لدول عدم الانحياز بيوغوسلافيا فاصطحب معه ليس خيمته المشهورة فقط و لكن ناقةً كذلك، قائلا للصحافة بأنه يفضٌل لبن النوق على لبن الخنازير، و تناسى رئيس الدولة البليد اللامسؤول أن دول أوروبا لها فائض الإنتاج في ميدان ألبان الأبقار . و لكن الأضحوكة لمٌا أراد الذهاب إلى قاعة المؤتمرات على ظهر الناقة، ضاناًٌ بأن بلغراد صحراء قاحلة مثل بلده. لكن سلطات العاصمة اليوغوسلافية منعتْه من ذلك و مذكٌرة بأنها لا تستطيع إيقاف عملية السير في المدينة كي يترنح هو بعنجهيته المعهودة فوق ناقته في شوارعها. و لازلتُ أحتفظ بخطبته لعيد الفاتح من سبتمبر 1979 التي قال فيها بصوت هائج: "أيها الإخوان، إنني أقف بينكم اليوم ليس ملكا و لا عاهلا، و لكن واحدا من أبناء الشعب..."، و لكن تمرٌ السنوات و يصف ابن الشعب نفسه ب"ملك ملوك أفريقيا"، و له كل الحق في ذلك لأن الملوك الذين يرأسهم هم مجموعة من الرؤساء الأفارقة الشحاذين المتسولين المتسلطين على شعوبهم مثله، الذين يشتري ولاءهم بحفنة من الدولارات المنهوبة من الشعب (كما يفعل النظام الجزائري) و الذين يعادون وحدتنا الترابية. لطالما سمعناه يقول جهارا بأنه لا محيص للدول العربية من امتلاك السلاح النووي و الكيماوي. و قد سعى إلى ذلك، حيث كان يقوم بإنشاء معمل للمواد الكيماوية المحرمة دوليا، زاعما بأن الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية الأمريكية هي لمصنع للأدوية. لكن الحقير الجبان بمجرد ما رأى حبل المشنقة يطوٌق عنق صدام حسين حيث سارع بإخبار المنتظم الدولي (أي الولاياتالمتحدة) أنه قد فكٌك المصنع المذكور سلفا، طالبا من الصحافة و الخبراء الدوليين الحضور إلى ليبيا لمعاينة ذلك بأنفسهم. شجاعة القذافي لا تظهر إلاٌ حينما يقمع شعبه، عناده و استئساده لا يقوى إلاٌ في مؤتمرات القمة العربية و الأفريقية. أما حينما يتعلٌق الأمر بالعالم الغربي فيصير رعديدا ذليلا لا يحرك ساكنا. رغم ما يمكن أن يلاحظ على الدول الخليجية من نقائص، فإن الزائر لها يلمس تقدما ملحوظا في مجالات التعليم و الصحة و البنيات التحتية، أما ليبيا قائد الثورة فصارت أسوأ من سابق عهدها سواء في التقدم العمراني و الاجتماعي أو في ميدان حقوق الإنسان. كيف لا و الدولة كلها عبارة عن ضيعة خاصة لعائلة آل قذاف التي تجاوزت فضائحها الحدود الليبية. أما تصرٌف الأخ القائد فقد أصبح مسخرة و أضحوكة سواء في كلامه أو ملبسه البهلواني أو في تصفيف شعره. بل حتى اسمه الكامل يبعث على التقزز في مناطق الريف المغربي. و ليسمح لي القراء على ذكره، و ذلك ليس قلٌة أدب مني بل هو لتذكير من لا يعلمه فقط. فاسمه هو "معمر أبو منيار القذافي". و لقد شاهدنا هذا اللقب المشين على قبر والده لمٌا قام المرحوم الحسن الثاني بالترحم عليه (أي أب القذافي) في زيارته "للجماهيرية العظمى" بمناسبة تدشين "النهر الصناعي العظيم". رغم قمع قوات أمن بنعلي و مبارك للشباب التونسي و المصري الثائرين فإن كلاهما لم يستعمل الأسلحة الثقيلة و الطائرات لذلك. و لا يذكر أحد بأن النظامين المنهارين جنٌدا مرتزقة أجانب لسفك دماء المواطنين. أما صاحب النظرية العالمية الثالثة فيرسل الطائرات دون توقف إلى البلدان المجاورة لنقل السفاحين قصد تذبيح أبناء "شعبه" و اغتصاب نساءهم و بقر بطونهن. و لم يصف أي طاغية في العالم مواطنيه بأبشع الأوصاف كما فعل هذا الطاغية. حتى أقرب الأقرباء إليه، و الذين شاركوه حماقاته في يوم من الأيام ، لم يطيقوا الآن أفعاله السادية. أن يتبرأ منه شخص مثل ابن عمه "قذاف الدم" (أنظروا الاسم)، أمر لم يكن أبدا في الحسبان. غيره كثيرون، و يزدادون إلى قائمة المستقيلين في كل لحظة. أما آخر إسفين في نعش القذافي فهو تبرأ رفيقه و ممثله في الأممالمتحدة عبد الرحمان شلقم منه و من أفعاله. ساعاتك محدودة بإذن الله. أرجو من الشعب الليبي الحليم أن لا يحكم على القذافي بالإعدام إن ظفر به على قيد الحياة. أتمنى أن يضعوه في قفص وسط الساحة الخضراء، و يتركوه يزمجر مدى عمره، ليكون عبرة لكل الطغاة. أما أبناءه فأتمنى أن يُحكم عليهم بالسجن مدى الحياة مع إطلاق الخطب المجنونة لأبيهم على أذانهم دون انقطاع.