بشكل مفاجئ، أعلنت وزارة المالية، مساء الجمعة الماضية، بعد استطلاع رأي بنك المغرب، عن دخول قرار اعتماد نظام صرف مرن للدرهم حيز التطبيق، بدءا من اليوم، الاثنين 15 يناير، سيحدد فيه سعر صرف الدرهم داخل نطاق تقلب بين 2.5+% و2.5-%، عوض نسبة بين 0.3+% و0.3-% التي كان معمولا بها، على أساس سلة العملات المكونة من الأورو بنسبة 60%، والدولار الأمريكي ب40 %. مصدر حكومي، قال ل"اليوم24″، إنه تم الحرص على عنصر "المفاجأة"، في اتخاذ القرار نهاية الأسبوع لتجنب المضاربة في العملة، كما حدث في يونيو الماضي عندما أعلن والي بنك المغرب عن موعد فاتح يوليوز لاعتماد سعر الصرف المرن، بحيث لجأت الأبناك إلى شراء مبالغ ضخمة من العملة في ظرف وجيز، وصل إلى 42 مليار درهم بهدف تحقيق أرباح سريعة ترقبا لانخفاض الدرهم. هذا القرار سيكون له بلا شك أثر على الأسعار، خاصة المحروقات، ومختلف المواد الاستهلاكية المستوردة بسبب التراجع المرتقب لقيمة الدرهم، رغم أن الحكومة حددت لهذا التراجع سقفا لا يتعدى 2.5 في المائة. لكن المصدر الحكومي، قال إن أثر تحرير الدرهم سيكون "محدودا وهامشيا". أولا، لأن "الهامش الذي حدد لسعر الصرف المرن ضعيف"، بحيث إن نسبة انخفاض سعر الدرهم لا يمكن أن تصل إلى أقل من 2.5 في المائة، وبالتالي، فإن "المغرب بعيد عن المقارنة مع الحالة المصرية"، التي تراجع فيها الجنيه إلى 20 و30 في المائة. ومن جهة أخرى، يقول المصدر، فإن الوضع الاقتصادي في المغرب جيد، بحيث هناك "رصيد من العملة الصعبة"، و"عجز متحكم فيه"، و"السنة الفلاحية الحالية تبدو جيدة". لكن، لماذا اتخذت وزارة المالية هذا القرار؟ وما خلفياته وآثاره؟ قبل الجواب لا بد من الإشارة إلى أن المغرب اعتمد لسنوات سعر صرف "شبه ثابت"، تجاه الأورو والدولار، بحيث ضمنت الحكومة ألا ينخفض سعره بأقل من ناقص 0.3% ولا يرتفع أكثر من 0.3%. هذا الوضع شبهه إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي، ب"صندوق مقاصة"، لأن الحكومة تضمن ثبات السعر "بكلفة تتحملها الميزانية العامة"، من خلال مخزون العملة. وبما أن مصادر العملة محدودة متمثلة في عمليات التصدير التي تجلب العملة، ومداخيل السياح والجالية، فإن "رصيد الحساب الجاري كان دائما سلبيا في حدود 20 إلى 40 مليار درهم من العملة الصعبة". ولمواجهة الرصيد السلبي كانت الحكومة تلجأ إلى الديون للحفاظ على المخزون الثابت من العملة وتوفير احتياطي لتغطية الواردات. لكن حسب الفينة، فإن مجهود الدولة في مجال الاستدانة بالعملة، لضمان السعر الثابت، وصل إلى "حدود قصوى"، بحيث وصلت الديون العامة (خارجية وداخلية، بما فيها ديون المؤسسات العمومية التي تضمنها الدولة)، إلى 85 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لهذا لجأت الحكومة إلى هذا "الإصلاح"، حتى يتحمل الأفراد والمقاولات، كلفة عمليات الاستيراد بالسعر الحقيقي للدرهم في السوق الدولية. هذا يعني أن المقاولة التي كانت تشتري العملة بسعر شبه ثابت للدرهم، ستكون أمام احتمال انخفاض الدرهم ب2.5 في المائة، وبالتالي ستكون الكلفة أكبر عند استيراد السلع والبضائع، وهو ما سينعكس على ثمن السلعة في السوق. هذا، ومن النتائج المرتقبة لهذا الإصلاح، أن المواطن سيكون أمام سلع بقيمتها الحقيقية، ما سيؤثر على سلوك المستهلك الذي سيلاحظ ارتفاع سعر المنتجات المستوردة، وسيتجه صوب المنتجات المحلية. ومن جهة أخرى، فإن انخفاض سعر الدرهم، مقابل الأورو والدولار، سيجعل قيمة اليد العاملة في المغرب ضعيفة، ما سيشجع قدوم رؤوس الأموال الأجنبية، كما سيشجع ذلك السياح للمجيء إلى المغرب لأن قيمة العملة الأجنبية أصبحت مرتفعة مقابل الدرهم، ما سيوفر احتياطيا من العملة. وبالمقابل، فإن الصادرات مثل المواد الفلاحية والسيارات سترتفع لأن قيمة الدرهم منخفضة، وكل ذلك سيساعد، حسب الخبير الاقتصادي الفينة، على "خلق نوع من التوازن بين الصادرات والواردات وضمان مخزون من العملة، يحد من لجوء الحكومة إلى الديون الخارجية".