خرج المعتقل السياسي الريفي محمد جلول القابع وراء قضبان السجن المحلي بجرسيف، ببيان حقيقة تطرق فيه إلى الأحداث الأخيرة التي عرفتها حاضرة الحسيمة وباقي المناطق على صعيد بروع المغرب، إثر المصير المأساوي الذي لقيه بائع السمك "محسن فكري"، مدحضا من خلاله المغالطات حول مطالب الريفيين، كما تطرق فيه أيضا إلى ما أسماه ب"الانتهاكات التي تقع بالسجن المدني بالناظور".. وهذا نص البيان كما هو متوصل به: "...على إثر النبأ المأساوي الذي بلغني والمتعلق بقضية المرحوم المواطن الريفي محسن فكري وأصداء التضامن الرائع الذي عبر عنه الريفيون بالداخل و الخارج والذين وقفوا صفا واحدا من أجل كشف الحقيقة وتحقيق الإنصاف في القضية ورفع كل أشكال الحصار والظلم والحكرة وكل أشكال الاستيلاب الثقافي في الممارسة تاريخيا ضد الريف والريفيين، والقطع مع كل أشكال الاستبداد والممارسات السلطوية البائدة ضد أبناء شعبنا في كل جهات وطننا بشكل عام، وكذلك ما بلغني من أصداء المؤازرة الوطنية والدولية الواسعة التي أعقبت الحدث، وبناء على ما استخلصته من خلال المجهودات التي بذلتها لمعرفة ما جرى، والردود المختلفة، هذا رغم شح الأخبار والمعلومات التي تصلنا في المعتقل بسبب العزلة الشبه التامة عن العالم الخارجي التي وضعوني فيها مع سبق القصد والإصرار في ظل إبعادي عن عائلتي التي يتعذر عليها زيارتي إلا بين فترات متباعدة نظرا للظروف القاسية والصعبة والمكلفة للقيام بذلك، خاصة أن السجن يتواجد في منطقة معزولة بعيدا عن أي تجمع قروي أو حضري زيادة على ذلك حرماننا من الهاتف الذي يحول دون إمكانية التواصل مع عائلاتنا و أصدقائنا حيث أن الطريقة الوحيدة التي نستقي بها الأخبار هي من خلال بعض العائلات التي تقوم بزيارة أبنائها بين الفينة والأخرى أو من خلال وسائل الإعلام الرسمية التي لا يمكن الاعتماد عليها مع الإشارة أن المعتقل الذي أتواجد فيه هو السجن الوحيد على المستوى الوطني المحروم من الهاتف، فإنني أعلن ما يلي: 1)- تعازي الحارة لعائلة محسن فكري و تضامني اللامشروط معها في محنتها. 2)- تحياتي الحارة لأبناء الريف الأشاوس في الداخل و الخارج على التضامن الرائع الذي عبروا عنه مع عائلة الفقيد و وقوفهم صفا واحدا من أجل الكشف عن الحقيقة و تحقيق الإنصاف و من أجل رفع الحيف التاريخي على الريف و الريفيين و رفع كل أشكال الحكرة و الاستبداد ضد أبناء شعبنا بشكل عام. 3)- تحياتي الحارة لكل أبناء شعبنا من مختلف جهات الوطن المراكشي الكبير الذين عبروا عن تضامنهم و مؤازرتهم في هذا الصدد و لكل الأصوات الدولية التي ضمت صوتها إلى جملة المتضامنين و المؤازرين و المطالبين بشكف الحقيقة. 4)- أعتبر أن المجرى الذي اتخذته التحقيقات منذ البداية لا يمكن أن نفهم منه سوى وجود نية مسبقة لطمس الحقيقة كما تم طمس الجرائم السابقة و آخرها جريمة إحراق شهدائنا الخمسة بالوكالة البنكية و جريمة اغتيال الشهيد كمال الحساني و جريمة مقتل مواطننا كريم لشقر... مع نفي تهمة القتل العمد و استبعاد مسؤولية رجال الأمن في الحادث المأساوي بشكل استباقي من طرف النيابة العامة بخلاف ما ذهبت إليه الروايات من الشهود الذين عاينوا الواقعة و بخلاف الروايات الرسمية نفسها و التي تقوي بشكل كبير هذه الفرضية حيث تؤكد أن الضحية أعلن جهرا و بشكل مسبق و أمام مختلف المسؤولين الحاضرين أنه عازم على إلقاء نفسه في الشاحنة الخاصة بالنفايات في حالة مصادرة بضاعته، فلماذا ياترى لم يتم منعه من الإقدام على ذلك من طرف المسؤولين عن الأمن؟ كما أن المسؤول عن تشغيل آلية الضغط و من أعطى الأوامر لفعل ذلك سجلت ضد مجهول، فكيف يمكن أن يحدث ذلك أمام وجود مختلف المسؤولين الذين عاينوا الحادثة، فلا يمكن للآلة أن تشتغل إلا بأمر أحد هؤلاء المسؤولين و بتنفيذ من أحد عمال الشاحنة، وفي نفس السياق كذلك فقد تم مبدئيا وبشكل مسبق تبرئة رجال الأمن من أية مسؤولية في النازلة من طرف النيابة العامة بشكل يثير الاستغراب لأن ذلك أتى انسجاما مع التصريح التمهيدي للمسؤول الأول عن الأمن بالبلاد و الذي سارع منذ البداية إلى نفي أية مسؤولية لرجاله في الحادث المأساوي وهذا حتى قبل أن تقول النيابة العامة كلمتها في القضية وحصل ذلك رغم أنه في الواقع تبقى مسؤولية الأمن ثابتة في ما حدث بأي شكل من الأشكال حتى وإن ذهبنا جدلا مع الادعاءات الرسمية التي تنفي وقوع أي تحريض من طرف أحدهم لطحن الضحية، حيث أقلها يتحمل مسؤولية التقصير في حماية أمن و سلامة مواطن في حالة خطر لاسيما و أن الشرطة هم من أوقفوا الضحية و تابعوا ما حدث حتى النهاية و أمام مقر الأمن بالمدينة. 5)- أعتبر أنه مهما آلت إليه نتائج التحقيق الرسمي فهذا لن يطوي ملف القضية، فالمهمة ملقاة أمام مختلف الهيئات المجتمعية و القوى الشعبية الحية و المناضلة محليا و جهويا و وطنيا للتقصي و النضال من أجل معرفة الحقيقة و تحقيق الإنصاف سواء في هذه القضية أو في مختلف القضايا السابقة و النضال من أجل تحقيق عدالة انتقالية حقيقية تقطع مع كل أشكال اللاعدالة السائدة بالريف و على المستوى الوطني بشكل عام. 6)- أؤكد أن ما حدث ليست واقعة استثنائية في تاريخ المنطقة وحاضرها فمن نافل القول الإشارة إلى حالات الانتهاكات العديدة والجسيمة لحقوق الإنسان التي تعرض له ومازال يتعرض له أبناء الريف ولسنا بحاجة إلى الاستدلال بهذه الواقعة للتأكيد على استمرار واقع الظلم و الحيف الممارس ضد الريفيين و على استمرار طبيعة التعاطي الرسمي التقليدي إزاء الريف و مطالب أهله و قضاياهم المختلفة، فيكفي لأي باحث عن الحقيقة أن يزور المنطقة ليعرف مدى الظلم و الحكرة التي يحس بها الريفيون جراء الواقع الاجتماعي و التنموي و الثقافي و التعليمي و الصحي و الحقوقي ...الخ، ونتيجة الممارسات السلطوية الاستبدادية إزاء أبنائها، واقع لا يمكن إخفاؤه بالتنميق و التطبيل الإعلامي حول الديمقراطية و التنمية المزعومتين بالمنطقة ولا بجهوية إدارية شكلية لا تكرس إلا مزيدا من المركزية والتمركز والسلطوية والاستيلاب الثقافي. 7)- أشدد على أنه لا بديل عن إقرار حق الريفيين التاريخي و الديمقراطي في تقرير و تسيير جهتهم و تدبير شؤونهم السياسية و الثقافية و الاقتصادية، بعيدا عن أية وصاية تكبل إرادتهم الحرة و إجلاء الحقيقة كاملة حول كل الانتهاكات التي تعرض لها الريف و أهله و إنصافه حول ما لحق به من حيف جراء ذلك و رفع كل أشكال اللاعدالة الممارسة ضد الشعب المراكشي بشكل عام. 8)- أعتبر أن التصريحات التي تصف مطالب الريفيين في حق الاستقلال الذاتي كونها مزايدات سياسية أو كونها تخدم أجندات أجنبية أو كون هدفها إثارة الفتنة و زعزعة الاستقرار، أو كونها تهدد الوحدة الوطنية... إلى غير ذلك من الأوصاف،أعتبر أن هذه التصريحات هي مجرد تهم مجانية و محاولات لتغليط الرأي العام و هروب إلى الامام: هروب من الحق و المعقول و مساندة غير مباشرة للاستبداد و وقوفا في صفه و تكريسا للوصاية المركزية على الشعب و مصادرة حق جهاته في الخصوصية باللعب على وتر الحفاظ على الوحدة و الاستقرار و على وتر التعميم بترويج مقولة " لمغاربة كيف كيف " و لذلك و انطلاقا من واجب توضيح الأمور و تنويرا للرأي العام و دحضا لكل المغالطات فإنني أؤكد ما يلي: أ- أن ما يحرك الريفيين هو إرادتهم الحرة النابعة من حقهم التاريخي و الديمقراطي في تقرير مصيرهم و تسيير شؤونهم في إطار وطن ديمقراطي متضامن الجهات بعيدا عن الوصاية المركزية التي عملت منذ 1956 على تكبيل إرادتهم و تعطيل تنميتهم و إلغاء ثقافتهم و خصوصياتهم و على اضطهادهم و تهجيرهم .. و لا أحد يمكن أن يتزايد على الريفيين في مسألة الوطنية و الغيرة على مصير الوطن المراكشي و يكفي لمن يهمه الأمر أن يعود إلى تاريخ المقاومة و التاريخ النضالي للشعب المراكشي. ب- إن مطلب الريفيين في إقرار حقهم في تقرير مصيرهم و تسيير شؤونهم في إطار وطن متعدد الجهات ليست مزايدة أو بدعة أو خروجا عن الطبيعة التاريخية و السوسيولوجية لمجتمعنا المراكشي أو مجرد رغبة لمحاكاة بعض التجارب الديمقراطية المعروفة بنظام الجهات بل هو مطلب مشروع أصيل و ديمقراطي : ت- هو مطلب أصيل لأنه نابع من طبيعة المجتمع المراكشي الذي تميز تاريخيا بتعدده الجهوي المتنوع الخصوصيات السوسيوثقافية و نابع من أصوله التاريخية العريقة التي ميزت مجتمعنا حيث كان إلى وقت قريب قبل فرض الوصاية الحديثة العهد كانت كل جهة تتمتع باستقلالها الذاتي في تسيير شؤونها و ممارسة ثقافتها و خصوصياتها و كانت ترتبط الجهات فيما بينها في إطار علاقات الاحترام المتبادل و التعاون حيث كانت تتعاقد فيما بينها لتدبير المجال المشترك كالبحار و الغابات و الوديان و الطرق و الأسواق ... و تتوحد فيما بينها لتنظيم المقاومة و الدفاع عن حوزة الوطن و لكن في نفس الوقت دون أن تمتلك إحداها حق التدخل في شؤون الأخرى و حيث يلزم على كل فرد أن يحترم خصوصيات الجهة التي يقرر الإقامة فيها. ث- وهو مطلب ديمقراطي لأنه لا يمكن لأية ديمقراطية حقيقية أن تتحقق في بلادنا إلا إذا تأسست على نظام الجهات كنظام يتيح إمكانية تدبير الاختلاف في إطار الوحدة في ظل بلد متعدد الخصوصيات السوسيوثقافية الجهوية حيث يوفر الضمانات الكفيلة للكيانات الجهوية بحفظ خصوصياتها و استقلالها الذاتي في تسيير شؤونها باعتبارها كيانات إنسانية حرة و مريدة لا يحق لأي جهة أن تفرض وصايتها عليها تحت أي مسمى، لأنه لا يمكن اختزال الكيان الإنساني إلى موضوع و تجاهل مميزه الرئيسي الذي هو خصوصيته الثقافية أو احتقارها من طرف الآخر انطلاقا من مفاهيم و منطق ثقافته لأن ذلك يعد أساس الاستبداد و الشمولية و الإقصاء هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن الجهوية تتيح الضمانات الكفيلة بقيام وحدة وطنية حقيقية قائمة على الإرادة الحرة لهذه الكيانات الجهوية من أجل الاتحاد و التكتل لقيام كيان مشترك مبني على أساس التعاقد لتدبير المصالح المشتركة و آليات و التضامن و التعاون حول المصير المشترك، و هذا هو السبيل الذي اقتنعت به و لم تجد بديلا عنه المجتمعات الشبيهة بمجتمعنا على غرار إسبانيا و البرتغال و إيطاليا و بلجيكا و بريطانيا العظمى ... و عدة نماذج ديمقراطية عريقة. ج- إن الشيء غير المعقول و غير الطبيعي و غير الأصيل و غير الديمقراطي الذي يجدر مناهضته في بلادنا من طرف الذين يحسبون أنفسهم في صف الديمقراطية و الإنسانية و الحرية و المساواة ... هو واقع الوصاية المركزية المفروضة على شعبنا منذ 1956 حيث انفردت نخبة مركزية بعد إقصائها لمكونات المقاومة الوطنية الممثلة لمختلف جهات الوطن، انفردت هذه النخبة بصياغة مشروع الدولة و ثوابتها وفق ما يلائم طموحاتها و نمطها الثقافي و إخضاع باقي مكونات شعبنا لهذا الأمر الواقع و إلغاء إراداتها وخصوصياتها، حيث يجب عدم النسيان أن زعيم المقاومة الريفية و الوطنية الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي لا يزال منفيا بقبره في القاهرة و لا يجب نسيان التصفية و الاغتيالات التي تعرضت له قيادات جيش التحرير الريفي قبيل و بعيد 1956 و كيف تم قمع ثورة الريف سنتي 58-59 و التي ناهضت هذا الإقصاء و طالبت بإعادة تأسيس الدولة وفق توافق يمثل إرادة كل المكونات الوطنية و يضمن احترام خصوصياتها. خلاصة القول فإن الريفيين لا يطالبون إلا بحقهم في الوجود و بشكل متكافئ إلى جانب كل المكونات الجهوية لشعبنا المغربي بدون زيادة أو مزايدة فالريفيون هم الذين يطالبون أن يكون المغاربة " كيف كيف " لأنهم حاليا ليسوا كذلك في ظل احتكار نخبة مركزية للسلطة و الثروة الوطنية و استفادتها من كل الامتيازات و الأولويات في خيرات الوطن و من خدمات تعليمية و صحية تفضيلية ... و في ظل فرض هذه النخبة لوصايتها على باقي مكونات الشعب المراكشي و فرض نمطها الثقافي كمثل أعلى عليهم على حساب إقصاء خصوصياتهم الثقافية الجهوية أو اختزالها إلى مجرد مكونات فلكلورية للفرجة السياحية مثل حدائق للحيوانات أو بقايا أثرية لحضارة منقرضة. كما أن الريفيين هم الذين يدعون إلى وحدة وطنية حقيقية لأنه حاليا ليست لدينا وحدة وطنية و إنما لدينا الأحادية و الإرادة الفوقية لنخبة مركزية محصورة : إرادة فوقية سالبة للإرادة الشعبية و سالبة للحق في الخصوصية و الاستقلال الذاتي باعتبارهما من الأسس الضرورية التي تنبني عليهما أية وحدة وطنية حقيقية، حيث لا يمكن الحديث عن وحدة وطنية حقيقية في ظل شعب مسلوب الإرادة لأن الوحدة هي إرادة أطراف حرة. وأخير و ليس آخرا فإنه يجب التأكيد على أن ما يهدد الاستقرار فعلا و ما يشجع على النزاعات الانفصالية فعلا و يدفع إلى التفكك فهي هذه الوصاية المركزية السالبة للإرادة الشعبية و للخصوصية حيث أن العديد من الصراعات و الحروب الأهلية القائمة حاليا أو التي وقعت سابقا و التي يتم التخويف بها للتصدي للمطالب المشروعة في الاستقلال الذاتي و للحق في الخصوصية هي في الحقيقة نتيجة حتمية لعقود من الوصاية و الاستبداد و الأحادية الثقافية التي مورست على تلك الشعوب من طرف الأنظمة الشمولية لأن كل محاولة لفرض أنموذج على الإنسان على حساب إلغاء إرادته و خصوصيته تنتهي بثورته عليه و عكس ذلك لنشاهد النموذج الأوروبي كيف أن التنوع و التعدد الثقافي و اللغوي الكبير الذي يميزه في ظل ضمان الحق في الخصوصية و الاستقلال الذاتي للجهات لم يزد أوروبا إلا اتحادا و تكتلا و قوة و استقرارا. - نداء لوقف انتهاك الكرامة الإنسانية بسجن الناظور : تؤكد كل الروايات التي يحكيها السجناء القادمون من السجن المحلي بالناظور على فضاعة الأوضاع التي يعيشها النزلاء بهذه المؤسسة، أوضاع لا يمكن لي التعبير عن فداحتها كما يصفها لي كل من مر بهذا المعتقل و لكن يمكن أن أحملها في عبارة أنها مهينة للكرامة الإنسانية بين سندان ظروف الإيواء التي تنعدم فيها أبسط شروط الكرامة الحيوانية حتى لا أقول الإنسانية حيث يتم تكديس النزلاء في زنازن قذرة في أوضاع تشبه علب السردين و في ظل شح الخدمات الطبية حيث يتم إهمال المرضى و شكاويهم و لا يتم التدخل إلا حينما يصاب أحدهم بالانهيار و في ظل الحرمان من عدة حقوق أخرى و كذلك سيادة التعامل التمييزي و الزبوني مع النزلاء ...و بين مطرقة الممارسات الترهيبية الممنهجة من طرف المسؤولين حيث العنف اللفظي و الجسدي هو الخبر اليومي الذي يتناوله السجناء من طرف الحراس لأبسط الأسباب أو حتى بدون سبب حيث يضطر السجناء إلى كتمان معاناتهم و حبس أنفاسهم خوفا من تعرضهم لغضب الموظفين و للتعذيب الجسدي و النفسي بدون أي رادع..." انتهى.