حصلت، بتاريخ 8 غشت المنصرم، عبر الموقع الالكتروني لمصالح الهجرة بمليليّة، على موعد محدّد في الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الخميس فاتح شتنبر الجاري قصد سحب بطاقة الإقامة الخاصة بابني الرضيع رياض. ذهبت صحبة زوجتي وابنتي رانيَا وولدي رياض في اليوم المحدّد إلى مقر المؤسسة بالمدينة، فكان أن ولجت مقر مندوبية الهجرة على الساعة 9 و05 دقائق. جلس أفراد أسرتي في قاعة الانتظار بعد اجتياز كافة الإجراءات الأمنية، بينما بقيت واقفا بجانبهم. خرجت الشرطية الإسبانية المكلفة بتسليم بطائق الإقامة الصادرة عن الإدارة المركزية في مدريد لتنادي، كل مرّة، على مجموعة من المنتظرين، وفق لائحة المواعيد المبرمجة، وكانت تقوم باصطحاب كل دفعة مشكّلة من 5 أفراد على حدة كلهم مهاجرون مغاربة. في حدود الساعة 9 و37 دقيقة دخل إلى المرفق عنصران من الشرطة الإسبانية، مرتديين زيّا مدنيا، واخترقا قاعة الانتظار باتجاه فضاء المكاتب الإدارية للمصلحة. وبعد دقيقتين، أو أقل من ذلك بقليل، تقدمت الشرطية ذاتها بصحبتهما، أصرّت على إطلاق ضحكات عاليّة وهي تنظر نحوي، ثم ضربت على كتف أحد الأمنيّين، مشيرة إليّ بحركة من يدها حاولت أن تجعلها، دون نجاح في ذلك، خفيّة عن الأعين. انتظر الشرطيّان بضع ثوان قبل أن يتقدّم أحدهما تجاهي، وطالبني بالتحرك جانبا بطريقة لبقة بعدما استلّ شارته المهنية من جيبه. الأمنيّ: "أنا من الشرطة .. هل لي بالاطلاع على بطاقة إقامتك من فضلك؟" أجبته: "لماذا؟" الأمنيّ: "لأنني شرطيّ .. ولأنني أطلبها منك ذلك؟" مددت يدي إلى جيبي مخرجا بطاقة الإقامة، ثمّ سلمتها له. تجنبت إذكاء النقاش أو الدخول في صدام بالإمكان تحويره ضدّي، ثمّ قلت: "ما الأمر من فضلك؟ أتواجد وسط مؤسسة عمومية وفق موعد محدد مسبقا وقد بقيت منتظرا لما يزيد عن شهر حتّى آتي وأسحب بطاقة ابني؟" كان الشرطي الثاني يراقبني باحتياط مفرط حين ردّ عليّ الأوّل: "أنت مطالب بمرافقتنا .. لدينا أمر باصطحابك إلى مقر الفرقة الخاصّة UCRIF هنا في مليليّة". استدرت صوب أسرتي متطلعا إلى عيون أفرادها وهي تطالع ما يجري أمامها، وقلت لزوجتي: "إنهما شرطيان سأرافقهما، يمكنك انتظار حلول دورنا عسى أن تفلحي في استلام البطاقة". كنت أرَى في الأمر مكيدَة لتبرير عدم تسليمي المستند الخاص بابني الرضيع، خاصة أن المسؤولة عن المصلحة التي تواجد بها قد أدينت من طرف القضاء الإسباني بالاعتداء جسديّا عليّ خلال شهر فبراير الماضي. حاولت الإبقاء على توتّري في دواخلي وأنا أخاطب زوجتي: "لا داعي للقلق، كل ما يراد من الأمر هو إبعادي عن الموعد الذي جرى تحديده سلفا، ودفعي إلى أخذ موعد بديل قد يكون بعد أسابيع عديدة". منحت زوجتي هاتفي المحمول وجواز سفر ابني، وحين أعطيتها جواز سفري المغربيّ، باعتباري متوفرا على بطاقة إقامة يمسك بها الشرطيّ، تدخل الأخير كي يبدي إصرارا على التمكّن من الجواز الخاصّ بي. سيارة مدنية لوزها أزرق غامق نقلتني. وأنا على مقعدها الخلفي رفقة أحد الأمنيَّين، صوب ميناء مليلية حيث مقرّ فرقة UCRIF، استغرق الأمر دقيقتين مرّتا عليّ كانقضاء سنتين كاملتين. وكنت أخال أن عدم تصفيدي يدل على بقائي حرّا بعيدا عن مسطرة الاعتقال المعروفة. تم اصطحابي إلى الطابق الأول من المحطة البحريّة حيث مقر الفرقة الأمنية المذكورة. وجدت في استقبالي رئيس الUCRIF، ولم يكن سوى العنصر الأمني الذي هدّدني، شهر فبراير الماضي حين نقلت تعنيفي إلى القضاء، بالطرد من مليليّة ودخول السجن، وزوج الأمنيّة التي أدينت من طرف العدالة بالاعتداء عليّ، وهو المنتمي إلى الفرقة نفسها، كان جالسا بمكتب الرئيس نفسه، ناظرا إليّ بابتسامة التشفّي. رئيس الUCRIF، المدعو "بيدرو"، خاطبني بنبرة ملؤها الاستهزاء: "هل ما زلت تتذكرني؟" أجبته: "نعم" بيدرو: "أتتذكر ما قلته لك عند مرورك من هنا آخر مرة؟" أجبت: "لا .. مطلقا .. قد يكون ما قلته لي غير مهمّ" بيدرو: "لا بأس .. أنت هنا كي أعمل على تذكيرك بقولي"، ثمّ بدأ يعيد سرد وعيده الذي بقيت حافظا له عن ظهر قلب، معيدا كيفية تحركه من أجل مضايقتي في ملفي للضمان الاجتماعي، وكيف تمكن من إلغاء سنة كاملة من انخراطي بهذه المؤسسة عبر قرارات مشوبة بالشطط في استعمال السلطة والنفوذ، منتشيا بما اعتبره "إنجازا". أجبته: "أعرف كل هذا، وكل ما ذكرته قد طاله طعن إداري ما تزال المحكمة الإدارية في مليلية تنظر فيه من أجل النطق بحكمها". بيدرُو: "أصبحت الآن أعرف كل شيء عنك منذ إقامتك في ماربييا سنة 2012. لقد تقاضيت مساعدة من الضمان الاجتماعي وأنفقتها في المغرب؛ حيث كنت قاطنا بشكل صوريّ في ماربييا وقتها، ووجودك هناك لم يكن إلاّ على سجلات السكن، ماذا تقول عن ذلك؟". أجبته: "هل أنا موضع محاورة الآن أم إن هذا تحقيقا معي؟" بيدرُو: "بل هذا تحقيق!". أجبته: "إن كان الأمر كذلك، فإنّ المحامي الخاصّ بي سيجيبك، لن تسمع مني أي كلمة حتّى يصل إلى هنا، وذلك طبقا لما يمكّنني منه القانون كحقّ". واصل رئيس الUCRIF الكلام لوحده. توقف بعد ذلك، ثم استدرك: "من هو محاميك؟". وهنا أعطيته الاسم، فشرع أمنيّ في البحث على متن لائحة المحامين قصد استخراج رقم الهاتف. اتصلوا به وأخبرهم بأنه سيحضر على الفور. شرع بيدرو يقرأ على مسامعي حقوقي من ورقة موضوعة أمامه، وهنا أخبرته بحاجتي إلى طبيب يعاينني لأنني، وفقا للملف الطبيّ الموضوع لدى السلطات المختصّة، أعاني من مرض التهابيّ مزمن، وأن عدم تمكيني من جرعات أدويتي في مواعيدها المحددة يهدد سلامتي، وحمّلته كل العواقب التي قد تنجم عن منعي من تناول دوائي. بيدرو: "أقدَمت على التوجّه نحو محامي الشعب (Defensor del pueblo) وأنا الذي أجبته شخصيا على استفساراته المتوصل بها". فهمت من فحوى الاتهامات الصورية الموجهة إليّ أن الأمر يتعلق بجنحة مزعومة تتهمني ب"تزوير وثائق، والتحايل على الخزينة وإدارة الضمان الاجتماعي الإسبانيتين"، وأن المبادر إلى هذا الشطط في استعمال السلطة يحاول تغيير مسار ملف إداري محض بجعله ملفا جنحيا في محاولة لتكييف الملف وفق هوى زوج الشرطية المعتدية المدانة ورئيسه المباشر، وذلك كمحاولة أخيرة ضد تحركي، في وقت سابق، والاتصال إلكترونيا بهيئة "محامي الشعب" في مدريد، وعملي على إحاطتها علما بكل مراحل الشطط التي تطالني منذ شهر يونيو الماضي، بكل الوثائق والقرارات والمراسلات، ومكنتها من الأحكام القضائية الصادرة لصالحي في مواجهة الأمنيين المتحرشين بي. مباشرة بعد ذلك، تم اقتيادي مرة أخرى إلى مقر مفوضية الشرطة الوطنية في مليلية، وهو غير بعيد عن مقر الUCRIF، لم أكنّ مصفدا، لكن إجراءات الاعتقال طالتني؛ حيث تمّت تعريتي مع تحريز كل ما كان في جيوبي، ثم تمكّنت من ارتداء ملابسي بحضور عنصر أمنيّ، وصولا إلى اقتيادي نحو الزنزانة رقم 4 التي كان بها 5 موقوفين ضبطوا على مستوى ميناء المدينة بوثائق مزوّرة. مرّت ساعتان تقريبا قبل أن يفتح باب الزنزانة ويُعاد تصفيدي من أجل نقلي، مشيا على الأقدام بمرافقة شرطيّين بالزي النظاميّ، نحو مركز صحيّ مجاور للمقر الأمنيّ، وهناك بقيت واقفا ما يعادل 20 دقيقة على مرأى من جميع الناظرين إليّ والأصفاد في يديّ، وبعدها استقبلني طبيب شرحت له حالتي المرضية المزمنة، وأن الالتهاب ينال من مفاصلي وعينيّ، كما عرضت أمامه أصناف العلاجات البيولوجية التي أتناولها وفقا لوصفات طبية، لكنّ الإطار الطبيّ ارتأى أن يجري منحي حقنة مسكّنة، جرت مناولتي إيّاها على مستوى الورك العلويّ في عيادة تمريض مجاورة، دون مراعاة وجوب تمكيني من دوائي في الوقت المخصص له، ثمّ أعدت ماشيا ومصفدا نحو مقر الشرطة. حين اقتيادي صوب الزنزانة رقم 4 التقيت بالعنصر الأمنيّ ذي الزي المدني الذي أخذني من مصلحة الهجرة صوب الميناء، وقد وجدته يطلب إعادتي نحو مقر فرقة الUCRIF لأنه سيتمّ تحريري بعد حين، فكان أن جرى اقتيادي صوب هذه الوجهة، مرّة أخرى ودون تصفيد، تحت حراسة ثلاثة أمنيّين يرتدون أزياء مدنية، هما رجلان وامرأة استعملوا سيارة مدنية مغايرة في نقلي. وصلنا إلى مقر الفرقة الأمنيّة، وهذه المرّة تمكّنت من الجلوس على كرسيّ انتظار ببهو الفضاء الأمني المذكور، فأخذت أنظر إلى خمسة أمنيّين، بينهم "الرئيس بيدرو"، وهم يتحركون ويستفسرون عن الرقم الخاص بملفّي، وهذه المرّة لم يتحدّث إليّ أحد طيلة الدقائق ال20 التي فصلت بين وصولي وحلول المحامي الخاصّ بي. طلب المحامي الانفراد بالحديث معي دون حضور أي أمني، وتمّت تلبية طلبه دون مناقشة. هنا حكيت له ما حدث، وكذا ما فهمت من الوقائع التعسفية التي طالتني، واستغرق إنصاته لي مدة 10 دقائق تقريبا في مكتب رئيس الUCRIF. دخل "الرئيس بيدرو" بعد الإذن له، ثم شرع في شرح ما اعتبرها أسباب "الاستدعاء-الاعتقال، وارتباط ذلك بملفي لدى إدارة الضمان الاجتماعي، والاستفادة من تعويض عن البطالة منذ 2012، وتوفري على عقد كراء جزئي لمخزن سلع منذ سنة 2015، مدعيا وجود تزوير في ذلك. خاطب المحامي رئيس الUCRIF قائلا: "ما الداعي إلى تنفيذ الاعتقال إن كانت المسألة إدارية محضة، خاصّة أن ما تثيره هو محطّ طعن من طرف موكّلي أمام المحكمة الإدارية، والقضاء لم يحسم في الموضوع بعد؟ بين قيل وقال، وقعت وثيقة من خمس نسخ، مصحوبة بتوقيع المحامي الخاص بي دون أن يتم تسليمنا أي نسخة منها. جرت إعادتي إلى مفوضية الشرطة الوطنيّة لأجد أسرتي واقفة أمام مدخلها الرئيس، وهنا تبادلت مع زوجتي وابنتي حديثا مقتضبا لطمأنتهما، كل هذا أمام نظرات الرضيع رياض الذي لم يصل بعد إلى سن تمكنه من استيعاب ما يجري. داخل المرفق كانت هناك صدمة أخرى في انتظاري؛ إذ أخطرني أحد الأمنيّين بأن واحدا ممن كانوا رفقتي في الزنزانة 4 قد انتابته أزمة، وأخبر عنصر شرطة بأنّه يحتاج طبيبا لكونه لم يتناول دواء يعالج به إصابته بداء السلّ، وأثار الأمر استنفارا كبيرا بعد مغادرتي. وحين كان يجري تسليمي محجوزاتي المنقولة لم أكن أفكّر إلا بحالتي الصحيّة وإمكانية إصابتي بعدوى السلّ، خاصّة وأن الأدوية التي أتعاطاها ضدّ الالتهابات تعمل على خفض مستوى المناعة في جسمي. خرجت تائها لملاقاة أسرتي وصديقي سعيد عبيد الذي كان يحاول تقصّي مآلي النهائيّ أوّلا بأوّل، والعمل على إشعار أسرتي خارج مليليّة به عبر الهاتف. ووسط التخوف من إمكانية إصابتي بالسلّ وسط كل هذا التعسّف، أخبرتني زوجتي بأن إدارة الهجرة امتنعت عن تسليمها بطاقة إقامة ابني رياض؛ حيت إن الشرطية رئيسة مصلحة التوثيق، وهي نفسها التي أدانها القضاء حين اشتكيتها له، طالبتها بحضوري شخصيا باعتباري من قدّم الطلب لنيل البطاقة، وذلك رغم إدلاء الأمّ بدفتر عائليّ رسميّ إسبانيّ يثبت صلتها بالصغير رياض، وكذا وثيقتها التعريفيّة. لا يشغل بالي حاليّا إلا أمران لا ثالث بجوارهما؛ الأوّل يهمّ التأكّد من إمكانية إصابتي بداء السلّ وسط مقر الشرطة الوطنية في مليليّة؛ حيث إن التحليل الأولي الذي أجريته عشية إطلاق سراحي جاء سلبيا، مع تشديد أخصّائيّ على أن الحسم لا يمكن أن يكون إلاّ بعد مرور أسبوع أو أكثر، وبالتالي التحصّل على نتائج فحوصات بدقّة أكبر، بينما الهاجس الثاني يرتبط بالتحرّش الذي قد يطالني من طرف الأمنيّين الرافضين إنصاف القضاء لِي؛ إذ أتخوّف من أن يكون اعتراضي مستقبلا مرتبطا بدسّ شحنة مخدّرات، أو حتّى ذكر اسمي في ملفّ جنائيّ متّصل بجرائم الحقّ العام.