في أواخر سنة 1998، إن كانت ذاكرتي ما زالت تتذكر جيدا، أتت، ذات فجر، ألسنةالنيران عن العشرات من المحلات التجارية المتواجدة آنذاك بسوق- جوطية "الجمعة تقذينت" بمدينة الناظور، حيث خلف الحريق المذكور خسائر مادية كبيرة تحدد بملايين الدراهم، كما أصبحت العديد من الأسر في حالة "منكوبة" بعد أن فقدت مصدر عيشها، إلا أن المثير في ذلك هو الفشل الذي أبانت عنه السلطات المحلية في التدخل لإطفاء النيران حيث بدت في موقف لا تحسد عليه من خلال الوسائل والأساليب البدائية التي استعملتها. وبقدر ما أثار الأمر شفقة على المسؤولين، بقدر ما خلف ذلك سخطا عارما، بعد أن أبانت تدخلات جيراننا المتواجدين بمدينة مليلية- التي نسميها بالمدينة السليبة والمحتلة- عن علو كعبهم بعد أن نجحوا في التحكم في الأمر. ما إن بدأت معالم هذه الذكرى السيئة في الزوال حتى جاءت ذكرى أخرى أليمة لتعيد صور العجز والفشل في تدبير الكوارت وغياب استراتيجيات عمل أثناء التدخلات المستعجلة. فلما ضرب الزلزال القوي بالحسيمة، وقرى ومداشر الريف المنكوبة من قبل ومن بعد، ليلة 24 فبراير 2004، وبمجرد أن مرت بضع ساعات حتى كان، مرة أخرى، جيراننا الإسبان السباقون إلى تقديم المساعدات الأولية في وقت كان فيه المسؤولون المغاربة غارقون في نومهم، حيث أبانوا عن الكثير من العجز أو اللامبالاة في التعامل مع ساكنة الريف في معاناتها... وبعد مرور حوالي 3 سنوات من هذا الحادث الأليم، حتى كانت الصورة تتكرر من خلال الحريق الذي شب في إحدى الغابات المحيطة بجبال "كوروكو" المنتصبة واقفة وصامتة كأنها شاهدة عن المسافات الضوئية التي تفصل مدينتين لا تتعدى المسافة الحقيقية بينهما سوى 18 كلم. ولولا تدخل المروحيات الاسبانية لكانت النيران التهمت ربما كل الغطاء النباتي الذي شب فيه الحريق. ومرة أخرى تنفسنا الصعداء. فبالرغم من عجز المسؤولين المحليين عن إخماد النيران، فإن الطائرات الصغيرة الحجم ذات اللون الأصفر، والآتية من مدينة مليلية، استطاعت السيطرة عن الوضع قبل أن تنسحب محلقة وعائدة. تكررت المشاهد على هذا المنوال لمرات عدة، وكان آخرها الكارثة أو الفاجعة التي ألمت بالمركب التجاري "المغرب الكبير" المتواجد وسط مدينة الناظور قبل سنتين، حيث أتت النيران على أزيد من 580 محل تجاري، والتي احترقت معها الملايير من قيمة السلع المودعة بها. لم تمر سوى ساعات قليلة، وفي لحظة ارتباك المصالح والسلطات المحلية، كانت فرق التدخل القادمة من مليلية بإمكانياتها تسرق الأضواء من جديد، وربما المواساة الوحيدة التي كان يستقوي بها المواطنون والسكان الذين اكتوا بلهيب هذا الحريق، هي حمد الله أن جعل قريبا منهم "مستعمرون" إسبان ينقذونهم ويتدخلون في أوقات الشدة والكوارث أو الفواجع، ولعل الهزات المتتالية التي عاش رعبها مجمل ساكنة مليلية والناظور والدريوش والحسيمة خلال يناير وفبراير المنصرمين، خير دليل عن هذه المفارقة، لاسيما بعد أن ترك السكان يواجهون قدرهم في عزلة. مناسبة هذا الحديث، هو واقعة الحريق الذي اندلع في غابات الريف الأوسط المحاذية لقبيلتي تمسمان وآيث ثوزين المعروفة ب "أذرار ن رقان" خلال الأيام القليلة الماضية؛ حيث نقلت الصور تدخل الطائرات القادمة من مليلية لإخماد النيران التي التهمت هكتارات من أشجار الغابة المذكورة، بعد أن طال أمد تدخل المصالح المعنية في ظل محدودية إمكانياتها وأساليب عملها. ومع هذا الحادث تكرر السؤال عن عجز حكومة الدولة المغربية ومسؤوليها على تدبير مثل هذه الكوارث الطبيعية وحتى البشرية، بل وعن الصمت الذي يكون اللغة الوحيدة في مثل هذه المناسبات، كما حدث منذ أشهر بعد زلزال يناير 2016، حيث تناسلت الأشعة وأصبحت الساكنة تعيش على وقع الخوف والاحساس بالإهمال، وغالبا ما يكون الإعلام العمومي الحلقة الأبرز في هذا الموقف. بل وانضاف إليها أن بعض هذه القنوات جعلت من مآسي الريفيون مادة إعلامية فكاهية دسمة، كأنها تزيد الملح على الجرح. قبل الختم منذ حوالي 60 سنة من قبل، قال محمد سلام أمزيان قائد انتفاضة الريف (58-59):" نستغيث لا لضعف أو جبن، وإنما بسبب إحساسنا بالظلم والإجحاف..."، فمتى سيرفع عنا هذا الظلم والإهمال؟ ومتى ستنتهي مقولة مواطنون من الدرجة الثانية؟ إنه السؤال الذي يطرح وينبغي إثبات عكس الأجوبة التي تقدم بخصوصه.