_ ثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي انه كلما إطلعت على كتاب من كتب التنمية البشرية ستجد ان عبارة واحدة تتكرر كثيرا و تنتشر كالنار في الهشيم : " ليس هناك فشل ، بل هناك تجربة فاشلة " ، و هي مقولة اشبه ما تكون بعبارة استهلاكية تجارية لا تمت بتطوير الذات بصلة .. فهي خدعة تحمل في طياتها سرا دفينا من اسرار الوصول الى المبتغى ، و حيلة نفسية تهزم اصحاب الهمم المهتارة التي تتحاشى مواجهة النفس المتقهقرة و المقعدة على إكتساب المهارات و المكارم ، فالانسان يحاول تزييف الحقائق من أجل أن لا تسقط صومعة الأوهام التي يجتهد في بنائها . _ و هي تماما أقرب لمفهوم إدعاء عدم وجود الظلام ، الذي ما هو إلا غياب للضوء ، و هذا الخطأ بعينه .. أما حقيقة الامر ، فالفشل وارد و موجود شأنه شأن الظلام .. يعيش بيننا ، ينهش قلوبنا ، يجعلها هزيلة ، و ينغص علينا سعادتنا ، فيمنعنا من شرف المحاولة ، حتى نرضخ له . _ إن الانسان بإعتباره وحدة غير مستقلة قد فطر و جبل على لوم الاخر و الظروف و كل شيئ حتى تكتونية الصفائح و المد و الجزر متناسيا أنه أساس كل ما يحدث له ، و أنه هو منطلق الاشياء و نهايتها . _ و الانسان المكافح هو شخص يعلم كل ما يحيط به ، يترصد الظروف ، و يتسلح بالمعرفة الحقة و الارادة القوية من أجل تحقيق مبتغاه ، وإذا ما حدث أن مر بتجربة فاشلة فإنه لا يتوانى على تحمل نتائج تجربته لأنه سيدها المطلق جاعلا منها نقطة محفزة لكيانه ، و مانعا أن تأثر على روحه و همته الجياشة الجائعة للنجاح ، فهو يعلم أن الهدف من وجوده هو السمو و الإهتداء إلى طرق السعادة و الفخر و الاعتزاز بالنفس .. و أن حب التميز و المثابرة و كسر أنماط التردد هم الأسرار الجليلة نحو تجالي الطاقة الروحية في حياة الإنسان . _ و في سيرة خلق الله ، ألفتنا العادة أن نجد رجالا صالحين ، عبدوا الرحمان و تقربوا إليه ، نجحوا في نيل مرضة الله و حب رسوله الكريم ، فأحسنوا عملا و لم يتكبروا على خلق الله ، و لم يستهينوا بقدرات الناس من حولهم ، فكانوا كما قيل عليهم : " رجالا احب الله ، و تواضعوا له فرفعهم للدرجات العليا في الدنيا و الآخرة " _ إن الفشل و النجاح هما تجارب إنسانية و عمليات متراكمة من الجد و الخمول ، من العزيمة و الإحباط ، فعلى كل نفس تواقة الأفضل أن تحدد مساهمتها و تسعى لتسحين مردودية تمحصها ، حتى لا تصبح عدوا لنفسها .