قبل أقل من 3 شهور من الآن، كان الحدث البارز في كل من الشاون والحسيمةوتاونات كالتالي: عائلات وقبائل تتناحر للحصول على حصتها من المياه لا لاستعمالها في تلبية الحاجيات اليومية بل لسقي حقول الكيف. لم يكن الصراع هذه المرة عاديا، لأن السلاح الناري أصبح اللغة الوحيدة التي يتفاهم بها الناس في تلك المناطق. الغريب في كل القصة أن السلطة تعرف جيدا أن الذين يتقدمون للحصول على تراخيص استعمال السلاح لا يفعلون ذلك لأنهم»مولوعين» بهواية الصيد، بل يفعلون ذلك لأنهم يعرفون أن السلطة ما تزال تتعامل مع هذه المناطق بمنطق الحذر والتردد. امتلاك سلاح ناري في المناطق المعروفة بزراعة الكيف يعني شيئا وحيدا: إحقاق توازن للقوى فرضه منذ التسعينيات من القرن الماضي بارونات أقوياء، كانوا يهددون السكان في حال رفضوا الانصياع لتعليماتهم التي لا تنتهي. ربما تغيرت المعادلة وصار الفلاحون الكبار كما الصغار يتوفرون على أسلحة نارية بعضها مرخص له وبعضها غير مرخص له، مما أفضى إلى حالة جماعية يسميها السكان ب»الخوف العام». لقد أصبحت المنطقة فوق علبة كبريت قابلة للاشتعال في أي لحظة، ولاشك أن السلطة فهمت الكثير من الإشارات التي آتت من فيفي ومن إساكن ومن كتامة ومن تاونات حول توظيف أسلحة نارية في نزاعات تتعلق بالكيف أولا ثم في عمليات الثأر والانتقام وغالبا ما تكون حصيلة هذه الصراعات إنهاء اللحمة القبلية وخلق نوع من حالة التأهب القصوى. معنى ذلك أن التوفر على السلاح أصبح أكثر إلحاحا من زراعة الكيف لأنه يحمي ممتلكات السكان. ومن أجل ذلك كل الوسائل مباحة: دفع رشى في عملية تواطؤ جماعية يشارك فيها بعض المسؤولين والمستشارين الجماعيين والمقدمين والشيوخ والمحصلة باعتراف السكان أنفسهم: تهديد سلامة وأمن السكان. يطرح المشكل أيضا تهديدا من نوع آخر، فالسلاح المتطور والخارج عن مراقبة عين الدولة تتوفر عليه فقط مافيات تجارة المخدرات، وهو في نهاية المطاف سلاح سائب لا يعرف أحد من أين يأتي ولا من يبيعه ولا من يتوسط لاقتنائه لكن هذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، أن السلطة ظلت غافلة عن الأمر بالنظر إلى حملة الاعتقالات التي شنتها ضد صانعي البنادق التقليدية التي تتحول فجأة إلى أسلحة متطورة. «المساء» تفتح موضوعا حساسا جدا في نظر سكان هذه المناطق وفي نظر السلطة أيضا وتثير الكثير من الأسئلة التي كانت إلى عهد قريب جدا تنتمي إلى خانة الطابو: كيف يحصل الفلاحون على تراخيص استعمال السلاح رغم أن السلطة تعرف أنهم مزارعون للكيف؟ وكيف تساهم السلطة نفسها في خلق «حالة التأهب العام»؟ وماذا عن الأسلحة غير المرخص لها: من أين تأتي، من يبيعها، كم ثمنها، ومتى تستعمل؟ والأخطر من كل ذلك: هل صحيح تستعمل الأسلحة المرخص لها في هواية الصيد كما هو مثبت في الأوراق القانونية؟ ولماذا لا يعترف الجميع: المنطقة قابلة للانفجار في أي لحظة. كلهم، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، رفضوا أن يدلوا بأي شيء بخصوص الأسلحة التي يتوفرون عليها. كان السؤال بسيطا جدا: كيف حصلت على رخصة حمل السلاح؟ وهل يستعمل بالفعل في ممارسة هواية الصيد كما ينص على ذلك القانون؟ ثم لتخفيف وقع السؤال أضفت: هل سبق لكم أن توارثتم بنادق صيد لا يعترف بها القانون؟ ظلت الأسئلة معلقة إلى حين ركوب سيارة رباعية الدفع تقطع بها ما يقارب 30 كلمترا من الطريق غير السالكة والمنعرجات الخطيرة، تواجه فيها خطر فيضان النهر-كما هو مبين في الصورة- وقد تصادف خنازير في مسالك وعرة انطلاقا من مركز باب برد إلى مدشر إيكاون. لا أعرف حقا كيف يصل السكان إلى هذا الركن القصي من التراب المغربي كل يوم دون أن يساورهم إحساس عميق بالحكرة. طوال الرحلة، قال صديقي عبد الله: هل تصدق الآن أن الكيف لم يجر على هذه البلاد سوى الفقر والخوف. كلما أوغلت السيارة في الجبال الوعرة، أدرك قيمة الكلام الذي كان يردده عبد الله فيما يشبه المزاح رغم أني أعرف أنه ينطوي على الكثير من الجدية. ساعة كاملة من الطريق في ظروف سيئة جدا، فقط من أجل الحصول على شهادتين حول امتلاك الأسلحة وطرق الحصول على التراخيص، وكيف تصل الأسلحة غير المرخص لها إلى أياد غير آمنة لاستعمالها في تصفية الحسابات المتعلقة بزراعة الحشيش وتوزيع حصص المياه بين القبائل والمداشر التي أنهكتها سنوات الجفاف. سلاح سائب قبل أكثر من سنة من الآن، أفردت «المساء» محورا ضمن أحد الملفات الأسبوعية للحديث عن ظاهرة استعمال الأسلحة النارية في حسم النزاعات التي تشتعل حول مياه سقي الكيف أو حتى في النزاعات اليومية. وقتها توصل الملف إلى حقيقة خطيرة: السلاح ينتشر في كل المناطق التي يزرع فيها القنب الهندي، ويهدد السلم الاجتماعي. مضت الأيام وانتهى موسم «الكيف» وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي، لكن سرعان ما أصبح ما كان استثناء قبل سنوات إلى قاعدة عامة تعم كل المناطق، لكن هذه المرة لا يتعلق الأمر بأسلحة مرخص لها وتراقبها السلطة ومصالح الدرك، بل بأسلحة خارج القانون يستقدمها أصحابها لإحقاق «توازن القوى». خلال السنة الماضية وحدها، أحصى فاعلون مدنيون أكثر من 60 نزاعا بالأسلحة النارية، وصلت بعضها إلى مطاردات هوليودية في الجبال وفي حقول الكيف. أفضت النزاعات المسلحة إلى وقوع عشرات الجرحى وتهديد السلم القبلي في الكثير من المداشر خاصة التابعة لأقاليم الشاون، الحسيمةوتاونات. الأخطر في عملية»إحقاق توازن القوى» أنها جعلت آلاف العائلات تفكر في الحصول على سلاح ناري، وإذا ما لم تستعمله في النزاعات، فإنها على الأقل تضمن لنفسها نوعا من القوة في بلاد يحكم فيها أمران» الكيف» و»القوة». أمام هذا الوضع القريب جدا من وضعية»الخوف العام»، لم يجد السكان من وسيلة للحفاظ على ممتلكاتهم التي تتكون أساسا من حقول الكيف، سوى السعي وراء الحصول على تراخيص الأسلحة مهما كان الثمن. والثمن ليس بسيطا للحصول على مثل هذه التراخيص بمعنى أن كل هؤلاء الذين يتقدمون إلى السلطات بغاية تقديم وثائقهم القانونية يصطدمون بالتهمة العادية جدا: زراعة الكيف. يقول أحد سكان منطقة إيكاون بالشاون إنه يستغرب حينما تواجهه السلطة بهذه التهمة «هل في نظرك هناك أحد ما في هذه المنطقة لا يزرع الكيف أو لا يعيش منه، إنها تهمة جاهزة غرضها الأول والأخير هو ابتزاز الفلاحين». لأن السلطة تركت الحبل على الغارب، ولم تحاول التدخل طيلة عقود مرت على القضايا المتعلقة بزراعة الحشيش إلا بشكل محتشم بعد صدور التقرير الشهير للاتحاد الأوربي بشأن تورط شخصيات سياسية معروفة في الاتجار الدولي للمخدرات، تراكمت المشاكل لتصير أعقد من ذي قبل. تبدو الدولة الآن مترددة كثيرا في التعاطي مع قضية زراعة الكيف، فهي تعرف جيدا أن هناك رجال سلطة مرتشين، وهناك فلاحون لم يكن غرضهم يوما الحصول على الأسلحة من أجل ممارسة هواية الصيد. وحدهم الأغبياء، يؤكد فاعل مدني في تصريح ل»الجريدة»، يصدقون أن رخص الأسلحة يستعملها فقط»المولوعون» بمهنة الصيد، وتستعمل فقط في الدوريات التي تنظم بشكل منتظم» ومن حقنا أن نتساءل من أين أتت كل تلك الأسلحة التي وظفت في صراعات حول مياه سقي الكيف والنزاعات العائلية، سيما ما يرتبط بالثأر؟ السؤال في ظاهره يبدو سهلا، حيث سيكون الجواب على الصيغة التالية دون كثير من الاجتهاد: السلاح المستعملة في الصيد الموسمي الذي تؤشر عليه مندوبية المياه والغابات هو نفسه الذي يستعمل في النزاعات. بيد أنه في طيات هذا الجواب تختفي أسئلة أكثر تعقيدا مما قد يعتقد البعض من قبيل: هل كل مزارعي الكيف يتوفرون على أسلحة؟ ولماذا كلما اشتعل صراع حول الكيف أو حول حصص المياه المتدفقة من أعالي الجبال نسمع الكثير من الأخبار عن اللجوء إلى قوة السلاح لحسمها؟ وإذا كانت الأسلحة المرخص لها تخضع لمراقبة شديدة نظرا لحساسية المنطقة، من يوفر الأسلحة الخارجة عن القانون؟ في الأجوبة التي جمعتها»المساء» ثمة خيط واحد يقود إلى ما يشبه الحقيقة: انتشار الأسلحة بهذه الطريقة المخيفة يعود بالأساس إلى السلطة و»الخوف». فكيف يمكن أن يفهم المزارع البسيط أن السلطة تمنح الترخيص لجاره صاحب حقل الكيف ولا يستفيد منها هو؟ يرد ذلك لسبب بسيط يتمثل في أن جاره إما يتماهى مع الخط السياسي للمنتخبين المحليين أو يدفع رشى تبلغ في بعض الأحيان 10000 آلاف درهم لتجاوز العقبات التي قد تواجهه في سبيل الحصول على السلاح. بعض الشهادات تقول إن السلطة تستعمل الحصول على رخص السلاح ك«سلاح» انتخابي فعال نظرا للدور الكبير الذي أصبحت تقوم به في سبيل إقامة نوع من التوازن. في هذا الإطار، يؤكد عبد الله نورو، الفاعل الجمعوي ورئيس كونفدرالية غمارة للتنمية أنه « حسب الأصداء المتواترة من عند الفلاحين ببلاد الكيف وشهاداتهم يمكن الجزم بأن منح رخص حمل السلاح في كل من إقليمي الحسيمة وشفشاون على الخصوص يخضع لمنطق غريب أقل ما يمكن القول عنه إنه مزاجي، حيث تسحب تراخيص حمل سلاح الصيد من فلاحين على أساس أنهم يزرعون الكيف بطرق انتقائية دون غيرهم مع إبقاء الرخصة لبارونات المخدرات، في العديد من الحالات يتم إرغام سكان مناطق الكيف على القيام بالتزام كتابي بعدم زراعة الكيف، وهذا في حد ذاته اتهام يضرب كرامة المواطنين بالإقليمين المذكورين. كما أن سحب الرخص في بعض الأحيان يبنى على تقارير مفبركة بهدف تصفية حسابات شخصية أو سياسية بإيعاز من بعض المنتخبين وتواطؤ للسلطات المحلية». ما حدث أخيرا في جماعة فيفي التابعة لإقليم الشاون، أدرجه البعض في خانة تصفية الحسابات السياسية ومحاولة بعض البارونات التباهي بالنفوذ الذي يتمتعون به. وأكدت بعض الشهادات التي حصلت عليها الجريدة أن» ما وقع بقيادة فيفي يدل بشكل واضح على هذا الصراع، حيث تم سحب الرخصة لشخصين قال عنه عضو جماعي آخر إنه صراع سياسي له مع مستشار جماعي بدعم من طرف بارون للمخدرات معروف بالمنطقة قصد تبيان قوتهما و نفوذهما على صعيد الإقليم واستغلالها في الانتخابات القادمة». لا يفهم السكان في هذه المناطق كيف تطالبهم الدولة بتوقيع التزام يؤكدون فيه أنهم لن يزرعوا الكيف بعد حصولهم على الأسلحة. البعض يراه حرمانا من مورد معيشي أساسي. السكان أيضا يسايرون السلطة ويتحايلون على مساطرها: يوقعون الالتزام ثم يعهدون لأبنائهم بزرع حقول الكيف، لكن إلى متى ستظل الوضعية على هذا النحو؟ في قرية إيموكان البعيدة عن مركز باب برد بحوالي 25 كلمترا تسود حالة الاحتقان بسبب الرشى التي يطلبها بعض المسؤولين مقابل إصدار وثيقة تثبت عدم تورطهم في زراعة الكيف. لقد جرت العادة على هذا النهج منذ أكثر من 4 عقود، وحتى إن «لم تكن مزارعا للقنب الهندي فإنه يتوجب عليك دفع رشى». الحقيقة في أفواه البنادق ثلاثة شروط أساسية يضعها القانون للحصول على السلاح بالمغرب. أولا سجل عدلي يؤكد خلوه من السوابق، والسابقة الوحيدة التي يخشى منها المتقدمون للاستفادة من رخصة السلاح هي زراعة الكيف، ثم نسخة من البطاقة الوطنية ووعد ببيع السلاح من طرف تاجر معتمد. يدرك الفلاحون أن هذه الشروط الثلاثة بالتحديد صعبة التحقق لسبب بسيط جدا لأن غالبية الراغبين في حمله لا تتوافر فيهم هذه الشروط، إذ أن أغلبهم يلاحقون بسبب شكايات مجهولة أو مبحوث عنهم في قضايا تتعلق بزراعة القنب الهندي. يؤكد حسن، أحد مزارعي الكيف بإقليم الشاون أن «غالبية الفلاحين هاربون من العدالة، وقلة فقط ممن لا يشتغلون في حقول الكيف، يرغبون في حمل السلاح، هنا تتدخل السلطة التي تمتلك سلطة تبييض المحاضر، وأقصد أن هناك تواطؤا مفضوحا بين الجميع لمحو مخالفة زراعة الكيف، لقد حدث لي ذلك قبل سنوات، حيث تقدمت للحصول على رخصة السلاح لكن محضر السلطة أفاد أنني أزرع الكيف، لقد كانت 3000 درهم كافية للتخلص من هذه التهمة التي أراها عادية جدا». تهمة زراعة الكيف لم تعد تلاحق فقط ممتهنيها فعلا، فحسب المعطيات التي حصلت عليها»المساء» فإن «دفع رشى» صار أمرا ضروريا في الكثير من المرات. لقد فرضت الأسلحة المرخص لها في المناطق المعروفة بزراعة الكيف معادلات جديدة قوامها القوة والثأر والتفكك القبلي الذي كان الصمام الأمني الأول بهذه المناطق. من منطق القانون كل شيء واضح: الحصول على الترخيص يجب أن تتدخل فيه كل المصالح منها الدرك الملكي والاستعلامات العامة للتأكد من مدى أهلية طالبي الرخص في الحصول عليها، الشيء الذي يمنح الجميع شرعية التساؤل حول الوضعية الجديدة التي باتت تشهدها هذه المناطق. لا أحد يعرف بشكل دقيق جدا عدد حاملي السلاح في المناطق المعروفة بزراعة الكيف. السلطة تتكتم. الفلاحون تارة يبالغون وتارة ينفون بدافع الخوف، بيد أن الثابت في الرقم أكبر بكثير مما هو مصرح به. معضلة الكيف الأولى أنه يحتاج إلى ماء، والماء يحتاج إلى القدرة على الصراع. نعم بهذا المنطق. في السنوات الماضية اجتاحت موجة جفاف غير مسبوقة، وأصبح المورد المعيشي الأول للسكان في هذه المناطق في مهب الريح، سيما وأن المزارعين الصغار ساهموا في أن تكون «تجارتهم بائرة» على حد قول أحدهم، فمنذ أن انتشرت النبتات التي هي بحاجة إلى كمية ماء كبيرة. هنا بالتحديد بدأت تبرز أهمية السلاح في حسم النزاعات العنيفة في تاونات والشاون والحسيمة، بمعنى أن الهاجس الأول الذي يحاصر السكان هو توفير منابع المياه والتحكم فيها قبل حتى أن تصل إلى السفح. سلاح وحشيش ورشى محمد يعترف أنه اشترى بندقية تشبه بندقية صيد عادية في شكلها لكن في الجوهر متقدمة جدا، وبمقدورها أن تحمل مخزونا أكبر من الرصاص مرة واحدة، ويعترف أيضا أن التهديدات التي يسلطها عليه ابن عمه كانت السبب الرئيس وراء جمع مبلغ 26.500 درهم كي يشتري بندقية يحقق بها التوازن الأمني المطلوب. يمضي محمد في اعترافاته قائلا» لم أستعملها قط، لكن أذعت خبرا في كل أرجاء المدشر أنني أتوفر على بندقية صيد على غرار كل هؤلاء الذي حصلوا على الأسلحة برخصة أو بدون رخصة، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لأزرع الحشيش وأستفيد من حصتي من المياه دون أن يثأر مني أحد أو يستغل ضعفي». لا يريد محمد أن يعطي ملامح واضحة عن مكان شراء السلاح ولا عن هوية من باعه له قبل 6 سنوات من الآن: «ما يمكن أن أقوله لك إن عملية البيع كانت بعيدة جدا عن الشاون». بعيدة عن الشاون..ربما كانت طريقة محمد في التمويه، فزارعو الحشيش وحدهم يعرفون مدى خطورة الموضوع وحساسيته، لكن معلومات دقيقة حصلت عليها الجريدة تفيد أن هذه الأسلحة تدخل من مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين وغالبا ما تباع بمدينة الناظور بأثمنة مرتفعة في بعض الأحيان خاصة وأن السلطات الأمنية شددت الخناق على هذا النوع من التهريب. الاعتراف بحيازة سلاح ناري في بلاد الكيف أمر غير وارد جدا، وإذا أردت أن تصل إلى مثل هذه المعلومة، يجب أن تكسب صداقته وتكسب أصدقاءه أيضا. «اشتريت السلاح سنة 1997 من الشمال المغربي بثمن يعتبر مرتفعا بالمقارنة مع الأثمنة التي كانت تباع بها في المحلات المعتمدة من طرف الحكومة، وأعترف لك أنني استخدمته في نزاع حول امتلاك ملك عقاري لزراعة الحشيش، سجنت يومها عاما كاملا، وأحمد الله أنني لم أصب أحدا، الغريب في الأمر أنه كان سهلا الحصول على السلاح من جديد بعد أن حجزته قوات الدرك الملكي، لكن لا يمكن في اللحظة الحالية اقتناؤه إلا بمعجزة لأن المراقة الأمنية أصحت مشددة على نحو غير مسبوق». ربما يكون صحيحا أن هذه الأسلحة غير المرخص لها لا تصل إلى أيادي صغار الفلاحين رغم أن الصراع حول مياه السقي أصبح صراعا مشرعا أمام كل الاحتمالات وكل الوسائل. ثمة طرف أخطر في كل هذه المعادلة وهو ناقلو الحشيش إما عبر الدواب أو عبر السيارات. كيف ذلك؟ الشيء السهل في منطق تجار المخدرات أنه «يبيعك» ليس للدرك أو إلى الحواجز الأمنية بل لأتباع إحدى المافيات «وتتم سرقة كل شيء في جنح الظلام تصفية لحسابات قديمة أو حتى رغبة في إفشال صفقة معينة» كما يشرح أحد مزارعي الكيف في تصريحات للجريدة. في هذه الحالة يصبح الحصول على السلاح سواء كان مرخصا له أو غير مرخص أمرا غاية في الأهمية. لقد عاين الكثير من السكان كيف أن بعض ناقلي الحشيش يستعينون ببنادق صيد لا يعرفون نوعها ولا حجمها، وهي البنادق المكلفة بضمان طريق سالكة لإيصال»السلعة». يشرح عبد الله نورو، الفاعل الجمعوي، ورئيس كونفدرالية غمارة للتنمية بعض الحيثيات المرتبطة باستعمال السلاح غير المرخص له بالقول» يتعلق الأمر بحالات نادرة لتجار المخدرات في الغالب لا يتحدرون من بلاد الكيف وإنما من مناطق أخرى، هذا النوع وجد عند بعض الأشخاص المكلفين بنقل الحشيش من جبال الريف نحو المدن الكبرى أو المناطق الساحلية، كما أنه في ظل الشروط التعجيزية والمماطلة والتسويف الممارسين في حق سكان مناطق الكيف للحصول على رخصة حمل السلاح يغامر بعض هواة الصيد باقتناء بنادق صيد بدون رخصة قصد ممارسة هواياتهم، يجب التذكير أيضا أنه لم يسبق أن تم حجز أسلحة متطورة بمناطق الكيف بالمقارنة مع المحجوزات في النقط الحدودية والساحلية». نستطيع أن نفهم أمرين من تصريح نورو، الأول يتعلق بوجود مافيا منظمة تتاجر في المخدرات وتتوفر على بنادق قد تكون بنادق صيد وقد تكون أسلحة متطورة. والأمر الثاني هو أن الفلاح البسيط يبقى رهين البارونات الذين يقول عنهم الفلاحون»إنهم حاضرون بقوة شئنا أم أبينا، لهم مصالح كبيرة وما عليك سوى أن تخضع لهم». عملية حسابية بسيطة قد تقود إلى الحقيقة أعلاه: إذا افترضنا أن عملية شراء الأسلحة تتم أولا عبر وسطاء لا يبيعون لأي أحد، وإذا افترضنا أيضا أن أثمنة هذه الأسلحة مرتفعة لأن غالبيتها تباع في السوق السوداء، إذ تختلف الأثمنة حسب نوع السلاح: السطاشية يتراوح ثمنها بين 3000درهم و5000درهم، فيما الشكوبيط تباع ب5000درهم إلى 7000درهم، وإذا افترضنا أيضا أنه بالرغم من وجود شرط الحصول على وعد بالبيع من طرف محل معتمد من طرف الدولة، فذلك لا ينفي وجود وسطاء قد يحققون هذا الشرط بالنظر إلى أن المستشارين الجماعيين علاوة على «الشيوخ» و»المقدمين» هم المكلفون بإنجاز التقارير كي ترسل إلى أقسام الشؤون العامة بالعمالات؟ -إذا افترضنا كل هذه الإجراءات والتعقيدات، فإننا سنواجه حقيقة واحدة: الأسلحة في يد بارونات كبار يتوفرون على الأموال والوسائل اللازمة للحصول على هذه الأسلحة دون عناء كبير. يقول مصدر من السلطات المحلية رفض الكشف عن هويته»إن كل ما يقال عن انتشار أسلحة غير مرخص لها، حديث مبالغ فيه لأنه لا يستند على معطيات دقيقة أو أرقام معروفة، وأتحدى كل هؤلاء أن يحددوا مكان هذه الأسلحة وأصحابها دون اللجوء إلى التبرير الذي نسمعه كل مرة»لا راه كيزرعو الكيف»» موضحا في هذا الصدد»يجب أن نكون دقيقين فيما نقول، السلطة تقوم بدورها كاملا وتراقب كل شيء يمكن أن يشكل خطرا على المواطنين وعلى أمنهم، لن ننفي وجود حالات نادرة جدا، في الغالب تكون تلك البنادق متوارثة، والحصول على السلاح الناري يخضع للقواعد المعروفة، وهناك تعليمات صارمة بأن يخضع الراغب في حملها من أجل ممارسة هواية الصيد إلى بحث دقيق وصارم». قد يبدو رأي السلطة المحلية في جزء منه صحيحا في حال أخذنا بعين الاعتبار ما قاله عن عدم وجود أرقام دقيقة عن حاملي الأسلحة بدون رخصة، وعدم معرفة مصدرها ووسطائها أيضا، لكن ألا تعرف السلطة مثلا أنه في منطقة تاغازوت نواحي كتامة كانت قرية معروفة بالصناعة التقليدية خاصة صناعة البنادق، التي توارثها الأبناء عن الأجداد، وكانت تباع في وسط الأسواق دون رقيب، وألا تعرف على سبيل المثال لا الحصر أن الدرك اعتقل قبل سنوات أحد المتهمين بصناعة البنادق نواحي الشاون. الحال أنه لا يمكن المجازفة والقول إن الأسلحة غير المرخص لها موجودة في كل مكان وتنتشر بطريقة تبعث على الخوف، بيد أن بندقية واحدة يمكن أن تفضي إلى مشاكل كبيرة. بندقية واحدة، حسب السكان تؤدي إلى تفكك القبيلة وإلى فقدان نظام «الحصة» في الحصول على المياه وتغذي نزعة الانتقام والثأر بين الفخذة الواحدة والعائلة الواحدة. قد يظهر أن مثل هذه النتائج عادية جدا، لكن في عمقها تحمل بوادر «انفجار» وشيك في بلاد صارت نادمة على نعمة/نقمة اسمها الكيف. - هل وصل استعمال الأسلحة في تصفية الحسابات المتعلقة بالكيف إلى درجة يمكن أن نصفه بالظاهرة؟ عندما نتحدث عن الكيف فإننا نتحدث عن عدة فاعلين، أهمهم الفلاح البسيط وكبار الفلاحين والوسطاء ثم بارونات المخدرات. فالفلاح البسيط لا يمكنه أن يغامر باستعمال الأسلحة لأن مصيره سيكون السجن مباشرة، لأنه الحلقة الأضعف في سلسلة إنتاج الكيف، أما بالنسبة للفاعلين المتبقين فإن استعمال الأسلحة يعتبر ضرورة لبقائهم مادامت أموالهم ونفوذهم وعلاقاتهم مع بعض رجال السلطة والمنتخبين تجعلهم خارج نطاق المتابعة القانونية، كما هو الحال بالنسبة لشبكة معروفة بإساكن بتجارة المخدرات قامت أخيرا باستعمال الرصاص الحي بمركز الجماعة في مواجهة مع ابن رئيس الجماعة وأمام أعين الدرك الذين اعتقلوا الجناة ثم أطلقوا سراحهم بعد تدخل أطراف سياسية معروفة بحماية البارونات. - كيف تفسر أن البعض يتوفر على أسلحة دون أن يتوفر على تراخيص؟ السواد الأعظم من المزارعين لا يتوفرون على تراخيص حمل السلاح، باستثناء القلة التي تمارس القنص، وهذا راجع لسببين: أولا لأن أغلبية المزارعين متابعين في قضايا زبر الغابة وزراعة القنب الهندي، الشيء الذي يجعلهم خائفين من الذهاب إلى المصالح المختصة خشية اعتقالهم، وثانيا لأن إجراءات الحصول على ترخيص حمل السلاح تشوبها البيروقراطية والمحسوبية والزبونية، فأغلب الحاصلين على ترخيص قدموا رشوة أو طلبوا وساطة أحد رجال السلطة أو المنتخبين نظرا لحساسية بلاد الكيف. لهذه الأسباب يفضل المزارعون حيازة السلاح بطريقة غير قانونية خصوصا وأن المنطقة كانت معروفة بالقنص في الماضي، ويعتبر السلاح جزءا من مكونات المنزل علما أنه كان يصنع بقبيلة تاغزوت بصنهاجة. - يقول البعض إن السلطة تتلقى رشاوى كي تعطي تراخيص الأسلحة؟ الرشوة داء ينخر أغلب الإدارات المغربية، كما أن إسداء خدمة بمقابل أصبح من عادات أغلب المغاربة إلى درجة أنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من معيشنا اليومي. أما بخصوص تراخيص الأسلحة فإن العملية تتم في غالب الأحيان بتدخل وسيط يكون من المنتخبين أو أحد رجال السلطة ببلاد الكيف، حيث يستغل نفوذه من أجل نسج علاقات مع المسؤولين عن تراخيص حمل السلاح، ليبتز المزارعين من أجل الحصول على مبلغ مالي إن هو أراد الحصول على ترخيص، وإذا امتنع المزارع عن ذلك يطلب الوسيط من المكلف بإعطاء التراخيص أن يترك ملفه جانبا حتى يمتثل للأمر الواقع ويدفع المبلغ المطلوب الذي يتم اقتسامه بين الوسيط والمسؤول. - هل تعتقد أن مشكل تراخيص الأسلحة سيفضي إلى تفجير مناطق الكيف؟ لا أعتقد ذلك، فمادام السلاح بيد أغلب المزارعين بطريقة غير قانونية والسلطة لا تعتقلهم فإن الأمور بخير، لأن ما يهم المخزن هو الحفاظ على السلم الاجتماعي ولو على حساب القانون، فالسلطة تعلم واقع المنطقة لكنها لا تطبق القانون مخافة اندلاع اضطرابات كما حصل في باب برد سنة 2010 عندما تدخلت قوات الدرك في حق المزارعين مما كاد أن يشعل فتيل ثورة الكيف بالمنطقة. أعتقد أن الشيء الوحيد الذي سيفجر بلاد الكيف هو منع زراعة القنب الهندي دون إيجاد بديل تنموي حقيقي يضمن عيش المزارعين البسطاء أو توسيع المساحات المزروعة لتشمل السهول الخصبة للمغرب، كما ينادي بذلك حزبا الاستقلال والأصالة والمعاصرة لأن ذلك سيؤدي إلى انخفاض ثمن البيع مما سيزيد من حدة معاناة الفلاح البسيط علما أن سوق الكيف حاليا يعرف ركودا خطيرا مما ينذر بمجاعة في بلاد الكيف. - السلاح في خدمة السياسة في بلاد الكيف، هل هي مقولة صحيحة؟ ليس السلاح لوحده فكل شيء في بلاد الكيف هو في خدمة السياسة. فحتى العلاقات الاجتماعية مثل الزواج والطلاق هي في خدمة السياسة، لأن الناس في مناطق الكيف يربطون كل شيء بالسياسة التي أفسدت كل شيء حتى أصبحت سوء النية هي السمة التي تطبع أفراد مجتمع بلاد الكيف. وإذا عدنا إلى موضوع تراخيص السلاح، فإن الحصول عليها كما أسلفنا الذكر يتوجب تدخلات من وسطاء يكون أغلبهم من المنتخبين الذين يحاولون أن يظهروا مدى تحكمهم ومدى علاقاتهم وكيف يمكنهم حل مشاكل السكان من أجل ضمان أصواتهم. فمزارعو الكيف لا يصوتون على من سيدافع عن منطقتهم ويطالب بتنميتها، بل يصوتون على من سيقضي مصالحهم الشخصية، لذلك ترى السياسيين في بلاد الكيف يزرعون سماسرتهم في كل مكان كي يضمنوا حضورهم في الساحة وتبقى صورتهم كوسطاء لحل مشاكل السكان راسخة في مخيلة السكان. * رئيس جمعية أمازيغ صنهاجة الريف