كنت صغيرا حينها، في بداية الامر اعتقدت ذلك لعبة من لعبي الالكترونية قد تجسدت أمامي على شاكلة فيلم "أكشن" يعرض بشاشة كبيرة، بقيت على هذا الحال أيام و شهورا في بعض الاحيان كنت أحس أن الامر حقيقيا وأبكي خوفا من هول ما أرى، لكن بمجرد ما أن تضمني أمي قائلة "لا تخف انهم فقط يلعبون" اهدأ و أرسم ابتسامتي على شفتي مجددا وأستمتع بمشاهدتهم يجسدون لعبتي مرة أخرى. السنوات لها ميزة خاصة في عصرنا هذا فهي تمر بسرعة البرق و يا ليتها ليست كذلك، فلما كبرت و كبر معي عقلي و نضج فكري اكتشفت كذب أمي و اصطدمت بالواقع المر و الحقيقة الملعونة. أخيرا اكتشفت أن اسمي بسام فلسطيني الاصل أقطن بغزة، أبي شهيد مجزرة غزة 2008 و أخوتي شهداء مجزرة غزة 2012. واكتشفت أن أمي هي مصدر قطرات الدموع التي كانت تتساقط على خدي بغزارة تارة و تبلل شعري تارة اخرى حينما كنت أنام في حضنها و التي كنت أخالها قطرات مطر تتساقط من سقف الغرفة المتشققة التي نتشاركها. كبرت و صادقت أمنية لست أفارقها لحد الان، أمنيتي أني أولد من جديد لكن ليس في وطن أسمه فلسطين، ليس في وطن أرضه مجزئة، عائلاته مشردة، مدارسه مهدمة، مساجده مخربة، قدسه واقصاه حرمتهما منتهكة، بلد أنتج علماء وعملاء، رجال وشهداء فما للشهداء ذنب ولا لي ولأبي و لأخوتي و لأهلي ذنب الا أننا ولدنا فلسطينيين. كبرت و يا ليتني لم أكبر، كبرت و اكتشفت أني ولدت مسلما بالفطرة و من عائلة مسلمة و علمت أن الديانة التي أعتنقها أنا و أهل فلسطين يعتنقها حول العالم ما يقارب المليارين، علمت أن مصر جارتنا هي الاخرى أغلب شعبها مسلمين و أنها مصدر الغاز الذي تنعم به "اسرائيل" و علمت أن السعودية هي منبع الدين الاسلامي، كل هذا جعلني أفاجئ أمي بسؤال بريء، سألتها عن سبب عدم مساندة باقي الشعوب المسلمة لنا، نظرت الي المسكينة بنظرة حزينة تحمل الف هم و غم و ذكريات مؤلمة، ثم قالت بالحرف الواحد " العبيد لا يهبون الحرية يا ولدي، لكني سمعت أنهم سيعقدون القمة قريبا، المهم دعك من هذا الموضوع فهو يكبرك سنا". في ليلة التاسع من يوليوز الجاري اسرائيل أعطت انطلاقة عملية "الجرف الصامد"، المهم أمي خرجت صباح اليوم لكنها لحد الان لم تعد، و أنا بقيت في جيبي الان بضع أحجار سأخرج لألقيها مع أصدقائي على منفذي العملية وأعود مجددا، لا تخافوا علي فان الله معي و أنا لم البث صغيرا كما حكيت لكم فأنا الأن عوض أن أشاهد اللعبة عن بعد سأشارك فيها ومن المعلوم أن في كل لعبة منتصر ومنهزم والنصر بيد الله جل جلاله.