اعتبر مراقبون أن تصنيف دراسة معهد "بيو" في واشنطن للمغرب ضمن البلدان الأقل اهتماماً بالدين يؤشر على وجود تحولات في تدين المغاربة نتيجة عوامل عديدة، من ضمنها توجّس الكثيرين من أداء الحركات والأحزاب الإسلامية التي تزعمت الوضع السياسي في بعض البلدان العربية. وأوضح المختصون أن دراسة المعهد الأمريكي أكدت الدور المحوري البارز الذي يلعبه الدين وعدد من المعتقدات الرئيسية في تشكيل الهوية الفردية والجماعية للمغاربة، لكنها بالمقابل كشفت تبايناً في المواقف إزاء تفسير الدين والمذاهب الدينية المخالفة. وكان معهد "بيو" للأبحاث نشر أخيراً دراسة دولية أبرزت أن نسبة الاهتمام الكبير بالدين تراجعت إلى 60% في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحديداً في المغرب وتونس ومصر، بخلاف 80% من مسلمي إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا. وقال منتصر حمادة، المتخصص في الشأن الديني بالمغرب، إن تواجد نسبة التدين لدى المغاربة في مرتبة وسط 60% بين النسبة الكبيرة لدى مسلمي جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا حوالي 80%، وبين تدين مسلمي الدول الشيوعية سابقاً 50%، يعني أننا إزاء تحولات في تدين المغاربة تتم بشكل غير جليّ نتيجة تراكم العديد من العوامل التي بزغت في سياقات زمنية مختلفة. ولفت مدير موقع "إسلام مغربي"، ل"العربية. نت"، إلى ظهور حركات مجتمعية في المغرب تدعو لفصل الدين عن الدولة وتكريس "علمانية مغربية" تخول لأتباعها الانفكاك عن القيم الإسلامية، كما جرى مثلاً مع حركة "مالي" التي تدعو للإفطار علناً في رمضان، ومجموعة المثليين المغاربة، ومجموعات أخرى تنشط بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي. وتابع حمادة أنه على الرغم من أن هذه الحركات الاجتماعية تبقى هامشية وتكاد تكون أقلية الأقلية، إلا أن تحالف تيار إعلامي علماني المرجعية، ومُوالٍ لجهات فرانكفونية وغربية على الخصوص، ساهم في تضخيم الإعلام من حجم هذه الحركات. وأفاد بأنه يمكن قراءة تراجع نسبة الاهتمام بالدين لدى المغاربة من خلال توجّس المُستجوَبين من أداء الحركات والأحزاب الإسلامية التي أمسكت بزمام الحكم في بعض الدول العربية، مشيراً إلى أنه "أداء يكرّس صوراً نمطية كانت لصيقة بالحركات الإسلامية، ولا يبدو أن هذه الأخيرة معنية بالتخلص منه، بما يغذي حالة التوجس لدى الآخر". وفي المقابل اعتبر محمد مصباح، الباحث في المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، في تصريحات ل"العربية نت" أن دراسة معهد "بيو" أكدت أن الدين مازال يحتل دوراً بارزاً في الهوية الفردية والجماعية، وأنه في بؤرة اهتمام الشعوب وقدرته التعبوية دالة. وأشار مصباح إلى أن الدراسة تبرز أنه بالرغم من وجود شبه إجماع في العالم الإسلامي على مركزية الهوية الإسلامية والاعتقاد الديني، من قبيل الإيمان بالله والملائكة والجنة والنار، إلا أن الدراسة أثبتت وجود اختلاف في المواقف بخصوص تأويل الدين والمذاهب الدينية المخالفة. وبالنسبة للمغرب، يضيف مصباح، جاءت نتائج الدراسة منسجمة مع نتائج الدراسات السابقة، والتي يصل عددها إلى أكثر من 14 دراسة صدرت منذ سنة 2001، حيث أكدت مركزية الهوية الإسلامية في بناء الشخصية المغربية، وعمق على مستوى المعتقدات الدينية، وأيضاً انتظام بخصوص أداء الشعائر الدينية. ولفت المحلل إلى أن الاختلاف يبرز عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الموقف بخصوص الشيعة أو الصوفية، حيث اعتبر 1% من المغاربة أنهم ينتمون إلى عالم الصوفية، كما عبّر نصف المغاربة الشيعة عن أنهم غير مسلمين، وهذا راجع إلى عوامل تاريخية وسياسية، أبرزها الحملة التي قامت بها الدولة المغربية سنة 2009 من إغلاق للسفارة الإيرانية، وإغلاق مدرسة عراقية لاشتباهها في القيام بأنشطة تشيّع. وبرز الاختلاف أيضاً - بحسب مصباح - في ضحالة المعرفة الدينية عند المغاربة نتيجة ضعف تدريس المذاهب والفرق الدينية والانفتاح على الأديان في المدارس، ونتيجة الحساسية السياسية لموضوع التعددية الدينية في المجتمع المغربي، وهو ما يحتاج انفتاحاً أكبر من مؤسسة العلماء ومؤسسات التنشئة الاجتماعية.