عبر طول السنة، التلاميذ كما الطلبة، لا يدخرون جهدهم، وهم يستنزفون ويحرقون طاقاتهم وأعصابهم في سبيل التحصيل، يبيتون على دروسهم رفقة الموسيقى الصامتة، ويستفيقون على المراجعة المتواصلة مع زقزقة الطيور...، متى يتم الإستفادة من خصائص المرحلة العمرية: القوة، العزم، الإرادة والتحدي..، يكون تحقيق الغاية قاب قوسين أو أدنى من القبض على تلابيب النجاح...، بين هذه العزائم، كلها، أمور مشتبهات ومغلفة بتصرفات مشبعة بعبق المراهقة الهوجاء...، ومن لا يحسن الغوص في أعماق حفريات تضاريس المراهقة، يعيش أبد الدهر بين ألغام العشق الخادع، الحذر كل الحذر !!المشوار طويل، الاستراتيجية مطلوبة، تقنيات محفوظة...، على الجميع أن يكونوا على بينة من الأمر؛ الخطوات يجب أن تكون محسوبة بما يكفى، ترشيد الوقت هو محور كل نجاح، فمن ينجح في تدبير وقته ينجح، لا محالة، في مستقبله، فالعمر كله، ياعزيزي، دقائق جمعت منذ الولادة الى الحتف المعلوم...، الاستهتار عنصر يبيد فرص النجاح، قال السلف: قل لي كيف تقضي وقتك، أقول لك من أنت...، نعم، التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، كما أضاف القلقشندي قدس الله روحه...؛ تلاميذنا وطلبتنا ينقسمان الى صنفين اثنين: صنف يجتهد طول السنة؛ وصنف يتهاون في مشواره الدراسي؛ وبين هذا وذاك طبقات من حليقي الرؤوس تترنح، على طول الخط، بين الحدين، وهي تحسم وتقطع دابر الاستمرار، تضع، بذلك، حدا لمشوارها قبل الأوان، هي في المحصلة مشاريع أجهضت قبل الوقت.. - فالذين دبروا أمرهم، وضبطوا وقتهم، واسترشدوا بنبراس نصائح أساتذتهم، حازوا الخير كله...، صاروا قادة يقودون المقرر كيف شاءوا، يخرجون الزبدة والعصارة من ثنايا المراجع والمضان، يتفننون في إحكام القبضة على الأطراف العريضة للمقرر والهوامش المشتتة للملاحق المستحدثة. أحكموا الحصار على المقرر، حتى عادت البرامج وتشعباتها ترتعد من بطش الإستظهار، تئن كلما اقتربت أنامل المجتهد من كراسته المحفوظة، يزرع الهلع حتى في المعلومات، تأتيه طائعة ذليلة وتستقر في ذهن المجد وئيدة، يتلقفها ويصوغها على هواه، وهو يغني "ياليل ياعين"ياليل ياعين"... - أما الذين هادنوا، ثم استكانوا، ثم تقاعسوا، ثم غاصوا مع أهوائهم الجانحة والجامحة في بحر الكسل والخمول..، وجدوا غول المقرر وهو ينتظرهم باسطا ذراعيه على عتبة قاعة الامتحانات، يتوعدهم ليفتك بهم وقت الشدة، وحين ينغمسون وهم وجها لوجه أمام شبح الأسئلة. أين المفر؟ وهل تفيد في صخب الأسئلة المصيرية عبارات المغازلة...؟ هل من منقذ وقت اشتعال آوار الأسئلة؟ لا تعوز هؤلاء "العفاريت" الحيلة بالمرة، يستخدمون أرقى، وأحدث، وأعقد وسائل التكنولوجيا لردم وهدم جدران المقرر المنيعة وبأسئلته العائمة؛ يستخدمون ذكائهم في إتقان فن الغش، فالمقرر مهما كبر حجمه، يردونه عبر آلية التصغير الى قزم محنط في حرز محروز، والهواتف النقالة، هي الأخرى ترسانة عليها يعولون للانتقال من قسم الى قسم..مقرر لما تغول عليهم قزموه. آلة الاستنساخ، طيعة، تٌقرب ما بعٌد/صعٌب من المعلومات، يجدها المتهاون والمتهاوي في مستنقع الغش بين أيديه رخوة ومستساغة، يخفيها- يعني "الحرز"أو أوراق معدة بإحكام للنقل- وهو في معمعان الامتحانات. أستاذ الحراسة يضبط حركة الغش، وانسجاما مع مبادئه يريد وضع الحد للظاهرة، ومهما حاول صد وقمع الغشاش، هب الغشاشون قضهم وقضيضهم لزجر المسؤول عن القسم، وإعمالا لمبدأ "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" كأنما الحارس، هنا، اقترب من عش الدبابير...إن تركهم يفعلون ما يشاءون، فهو المسؤول عن كل التبعات..وإن منعهم من الاستعانة بالأحرز الناسفة، قاطعه زملاؤه في العمل...، ثم بعد هذه الحرب الضروس، يغادر ميدان العمليات بأقل الخسائر، ويودع المجاهدين وهم يحملون الرشاشات والأعيرة النارية في جيوبهم وهم يتوعدون قصف المقرر بالكامل، يحيي الجميع وهو يقول بنبرة حرص على أن يكون في غاية الوضوح: من شب على شيء شاب عليه... تذكر، لما كان تلميذا في أقسام الباكلوريا كيف كانت الحراسة مشددة، ويل ثم ويل لمن ضبط وهو في حالة الغش...تذكر كل ذلك، وهو يقارن بين ما يسري في المجتمع من تبييض للأموال: أموال الرشوة، أموال المخدرات،...، وما يجري في القسم من "تبييض" للمعلومات عبر وسائل التبييض أو "التسويد" الغير المشروعة... وهو يقول:"...فساد السمك يبدأ من الرأس..."، نعم المجتمع رأس والباقي أطراف....!!! حينها آوى الى ملاذه مهدودا مكدودا لا يلوي على شيء....