ناظور 24 : عادل الزوبري الأندلس توطئة: حكاية مهاجر ملحق جديد بموقعكم الجالية24.كوم يسرد لكم قصص مهاجرين مغاربة خارج أرض الوطن، ويحكي دواعي هجرتهم و معاناتهم مع الغربة منذ الوهلة الأولى التي وطأت أقدامهم بلاد المهجر، فبفضل احتكاكنا اليومي مع جاليتنا المغربية سمعنا قصصا عديدة جد مؤثرة تستحق الوقوف عندها، جعلتنا نخصص لهم هذا الملحق ليخفف عنهم بمشاركات زوارنا الكرام بتعليقاتهم و آرائهم حول كل قصة و أيضا لإيصال رسالة لإخواننا بالمغرب الذين يحلمون بالهجرة لتحقيق أحلاما وهمية، و يمكن لكل مهاجر مغربي المشاركة في هذا الملحق بحكاياته مع الهجرة و الغربة، و بالنسبة لمن يصعب عليه كتابة قصته بالعربية يتصل بنا عبر الهاتف و سنقوم بالتحرير نيابة عنه، و سنعمل على حفظ معلوماته الشخصية و عدم الإفصاح عنه و تجنب كل إشارة تثبت هويته إن كانت هاته رغبته. شرطي هرب من الرشوة سقط في الأزمة أول حكاية نفتتح بها هذا الملحق لشرطي مغربي ابن مدينة الرباط الذي عيّن بمديرية الأمن بتطوان سنة 2004 والذي كان جد سعيدا بهذا التعيين و فخور بعمله كشرطي، و كأي شاب طموح يريد بناء مستقبله و تكوين أسرة ، قام بالزواج من أستاذة في التعليم الثانوي بنفس المدينة عاشوا سويا أياما سعيدة لا تنسى، وزادت فرحته حينما رزق بطفلة جميلة ضاعفت سعادته و سروره، لكن تحويل مركز اشتغاله للحدود الوهمية بسبتة، قلب حياته رأسا على عقب بسبب الحكرة و الفوضة التي تعيشها هاته المنطقة بين الأمن و الجمارك و المهربين، وطريقة تعامل الأمن مع هذا الأخير، من ضرب و ابتزاز و اهانة... هذا العالم كان جديدا عليه، لكنه كان حريصا على أداء مهامه بشرف و ما يمليه عليه ضميره، يرفض الرشوة ولا يسمح بمرور الممنوعات كيفما كانت، لكن رئيسه المباشر في العمل انزعج من ذلك و لم يسمح له أن يتشبث بمبدئه، وطلب منه بدون أي مقدمات أن يغض بصره على بعض الممنوعات مقابل دراهم معدودة و بالتالي يتقسماها وأخبره أن النقطة التي يعمل بها يتمناها الكثير لأنها تحصد رقما مهما آخر كل يوم، و هدده إن رفض ذلك سيقدم تقريرا للإدارة المركزية عن سوء عمله و أنه يقوم بابتزاز المواطنين و و... و بالتالي سيتم ترحيله إلى منطقة معزولة عقابا له، و أن رؤسائه هما أيضا ينالون نصيبهم و هما اللذان يقومان بحمايتهم و حدد له المبلغ بالتقريب الذي تحصده نقطة اشتغاله، لم يجد حلاّ سوى القبول مكرها و ملزما على ذلك، لكن ضميره ظل يؤنبه ولم يكن راض عن وضعيته، يحتقر نفسه و يلومها في كل مرة، وكان يتعرض لمضايقات عديدة و في مرة قال له أحدهم "قريتي حتى عييتي راني كنشريك ب 20درهم" ظلت هاته الجملة راسخة في ذهنه لم يقدر على نسيانها، تقدم بطلب الانتقال لمركزه السابق لكن طلبه رفض، و لم يجد حلاّ سوى تقديم استقالته و الهجرة للضفة الأخرى لبداية حياة جديدة بعيدا عن الرشاوى التي كان يتلقاها رغما عن أنفه. و نجح في اقناع زوجته بتقديم استقالتها من التعليم هي الأخرى بعد حصوله على تأشيرة سفر إلى اسبانيا. حياة جديدة تنطلق من الصفر. حين وصوله إلى اسبانيا انبهر بأجوائها و تفاءل خيرا بتحقيق النجاح في بلد ديموقراطي لا يعترف بالمحسوبية و الزبونية و الرشاوي... على حد اعتقاده وأنه لن يندم على تخلّيه على وظيفته هو وزوجته، و أنه سيكافح لأجل بداية حياة جديدة بعيدة عن الأجواء الملوثة التي كان فيها من قبل، و تحقيق حلمه البسيط المتمثل في حياة مستقرة و سعيدة، و أول خطوة قام بها هي البحث عن منزل للكراء، مناسبا له ليستقر به، و ساعده في ذلك قريبه، وحينما وجد منزلا أعجبه واجهته أول مشكلة، وهي عدم استطاعته توقيع عقد الكراء مع المكتري لأنه لا يتوفر على أوراق الإقامة، و القانون الإسباني لا يسمح للسائحين باكتراء بيت أطول من المدة الموجودة بتأشيرة السفر (الفيزا)، و أقصر مدة في عقد الكراء هي سنة، و اقترح على صاحب المنزل أنه مستعد على تسديد له 12 شهرا مقدما و بعقد غير مسجل، (فقط بينهم) واتفقا على ذلك، حلّ مشكلة السكن و بقي له الحصول على العمل، كان باعتقاده انه من السهل الحصول على العمل لأنه صاحب مؤهلات. بداية رحلة البحث عن العمل. كانت مؤهلاته تسمح له بالعمل كحارس أمن نظرا لبنياته الجسمية القوية بالإضافة لخبرته في هذا المجال، قام بإعداد سيرته الذاتية (السي في) مرفوقة بنسخة من شهادة تثبت أنه كان رجل أمن، و بدأ رحلة البحث عن العمل بتوزيع سيرته الذاتية على مختلف المؤسسات الإقتصادية و الأسواق التي تحتاج لحراس أمن، وافق البعض على تشغيله لكنه لا يتوفر على أوراق الإقامة تخول له العمل بصبغة قانونية، استمر البحث لأزيد من ثلاثة أشهر، و اقتنع أنه لا يمكن أن يعمل طالما لا يتوفر على تسريح بالعمل. ء من سائح لمهاجر سري. زادت معاناته حين انتهت صلاحية التأشيرة التي يحمل، و تحول من سائح إلى مهاجر سري، فكر مرارا في العودة إلى بلده بعد تذوقه طعم الفشل و تلذذه مرارة الغربة و أدرك بعد فوات الأوان أن أوروبا وهم، ليس من السهل فرض الذات به، لكن كبريائه و نظرة المجتمع له جعله يصمد مع الغربة على أمل أن تحل جل مشاكله لحظة تسوية وضعيته القانونية، لم يكن يعلم أن القدر سيفاجئه بالأسوأ، فإقامته الغير الشرعية بإسبانيا معناه أنه ممكن أن يتم ترحيله في أي وقت، زيادة على ذلك فهو على وشك الإفلاس بالمبلغ الذي قدم به من المغرب لم يبقى منه سوى القليل. ء مقيم بإسبانيا و والدته بالمغرب تصرف عليه. انتهى المال الذي كان يتوفر عليه ، و بدأ يقترض من أصدقائه ليوفر لقمة العيش لأسرته و في وقت قصير غرق في الديون، و لم يجد من يسلفه لأنه مديون لكل معارفه، زيادة على ذلك أصبح مطالبا بتسديد أجرة كراء المنزل شهريا فقد مرت السنة التي أدّاها دفعة واحدة، أغلقت جميع الأبواب في وجهه ولم يجد أحدا يلتجأ إليه سوى والدته بالمغرب، التي كانت ترسل له مبلغا شهريا، غير كاف حتى لأداء فاتورة الماء و الكهرباء، كثرة مشاكله حتى المساعدة التي كانت تصله من والدته توقفت بسبب مرضها و كثرة مصاريفها مع الأدوية التي كانت تتناولها. من شرطي إلى فلاح بمزرعة. تنازل عن كبريائه و مبادئه و بات قادرا على العمل في أي شيء حتى لو اتجر في المخدرات و ندم كل الندم على وظيفته التي تخلّى عنها بكل سهولة، و كان يحن لتلك اللحظات التي يعود فيها إلى منزله و جيوبه مملوءة بدراهم المهربين، احتك مع بعض تجار المخدرات كي يشتغل معهم لكنه وجدها مهنة صعبة لم يستطع تنفيذ العروض التي كانت تطلب منه بالرغم أن التعويضات التي من المفترض أن يحصل عليها جد مغرية، فتفكيره في ابنته و زوجته و ما ممكن أن يواجهوه في حالة ان وقع له شيء كان الدافع القوي في رفض العمل معهم، و في يوم اقترح عليه صديق له كان متعاطفا معه أن يتوسط له عند رب عمله في مزرعة و يقوم بالعمل رفقته، وفعلا هذا ما كان، و بدأ يستقر ماديا بالرغم أن حالته النفسية كانت جد محبطة و متأزمة بسبب عمله الشاق، في هاته الأيام رزق بمولودة جديدة ادخلت البسمة على وجهه و أنسته جميع المحن التي مرّا منها، لكن سوء حظه جعله يدخل مرة أخرى في عالم البطالة، لأن العمل في المزارع الفلاحية هو موسمي ليس على دور العام، كثرت مصارفه و معاناته و اضطر أن يسمح لزوجته أن تخرج للبحث عم العمل لكي يتعاونا على ظروفهم المعيشية الصعبة. القيام بالأعمال المنزلية عوض زوجته. بعدما سمح لزوجته الخروج للبحث عن العمل تمكنت من الحصول عليه في وقت قصير لكن بثمن زهيد، و تولى هو منصبها في رعاية ابنتيه و قيامه بالأعمال المنزلية، لكن أجر زوجته لم يكن كافيا لتغطية جميع مصاريفهم، و اضطروا على عدم تسديد أجرة كراء المنزل لأزيد من 6 أشهر و كانت نتيجة ذلك طردهم من الشقة، حيث استغل صاحب المنزل غيابهما و قام بتغيير المفاتيح، و رمى أمتعتهم الخاصة بمدخل العمارة، حينها تدخل أحد أقربائه ووفر لهم سكنا مؤقتا و قال لهم بالحرف "أنا ديبانيتكم اليوم لكن غدا ما نقدرش" قامت زوجته بالتحدث مع مشغلها قصد تشغيل زوجها بعدما حكت له ظروفهما و طلبت منه أن يعمل في وقت مختلف، لأنهم ملزمون على بقاء أحدهم مع الأبناء، تعاطف معهم و قبل تشغيل زوجها بالمساء و هي في الصباح، وساروا لا يلتقيان إلا في بعض السويعات و في عطلة نهاية الأسبوع، كانوا صامدين على أمل تسوية وضعيتهم القانونية، و بالتالي ستحل جل مشاكلهم، لأن العائق الأكبر أمامهم يكمن في أوراق الإقامة، وبعد أربع سنوات من المعانات أخيرا حصلوا على أوراق الإقامة مؤقتة. ء يا فرحة ما تمت. أخيرا بعد طول الانتظار تمكن من تسوية وضعيته القانونية، و حصل على بطاقة إقامة مؤقتة لمدة سنة كان جد سعيد بذلك و اعتبرها أول فرحة حقيقية من 4 سنوات كآبة، مرت بين شد الأعصاب مع مختف الإدارات و المحامين، واستأنف رحلته البحث عن العمل وأمله أن يحقق ذلك و توفير بعض المال للذهاب في عطلة إلى المغرب ليصل الرحم مع أهله و يستنشق هواء بلده الذي كان يحن إليه، لكن في هاته الفترة بالذات عرفت الحركة التجارية ركوضا تما بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية و التي تضررت منها اسبانيا بشكل كبير، و مرت السنة كالبرق دون إيجاد عمل و تبخر حلم زيارة الوطن و الاستقرار المادي، وزاد الطين بلة انتهاء صلاحية بطاقة الإقامة التي يتوفر عليها. ء و تستمر المعانات... كي يجدد بطاقة الإقامة كان من الواجب عليه أن يعمل بصفة قانونية لا تقل عن 6 أشهر، أو تسديد حوالي 400 أورو شهريا للضمان الاجتماعي في نفس المدة المذكورة، حسب ما ينص عليه القانون الإسباني المتعلق بالأجانب، زيادة على ذلك عقد عمل جديد لمدة سنة كاملة، وعجز على توفير الشروط المذكورة و بالتالي رفض طلب تجديد إقامته، و عاد إلى نقطة الصفر و أصبح مرة أخرى مهاجر سري لكن هاته المرة أشد سوأ من قبل، لان مسألة تجديد الإقامة زادت تعقيدا، و بات من الصعب الحصول عليها مجددا، ووصل به الحال أنه بات من غير عشاء في أيام عديدة، محتضنا سواد الليل بدموعه و يتألم حين سماع طفلته تسرخ من أجل الحليب... ء ملحوظة: لازالت معانات هذا الشخص مستمرة إلى يومنا هذا و لم تنتهي بعد قصته مع الغربة و حاليا يدخل في سنته السادسة بإسبانيا دون أن تتضح ملامح مساره الشائك... وهو الذي حفزني على فكرة إنشاء ملحق حكايات مهاجر، و سمح لي بنشر قصته دون ذكر مجموعة من المحطات أشد سوأ عمّا ذكر، و هو ينتظر تفاعلكم و إبداء آرائكم حول حكايته.