ناظور 24 : محمد بوتخريط / هولندا الخَطَّافة: التهمة المشروعة بين النقل "السري" والمأذونيات" السرية
هي حكاية تتسلل من خلالها حكايات أخرى مُزيحة النقاب عن تساؤلات كثيرة ومشروعة لا يخطئها العقل
سأل العم حفيده: كيف الحال يا حفيدي؟ أجاب الحفيد : "إيوَا...نَتْسَلاَّك أَ عَمِّي" .( ليس على ما يرام يا عم ). نظر العم الى حفيده وهو ممدد تحت سيارته المهترئة من "موديل" الستينات ،يصلح بعض الأمور فيها بعد محاولات عدة يائسة كان يدير فيها محركها الكسول عله يستيقظ وقال: هل تَعي "أ يَا يّاوْ" ( ياحفيد) ما ذا تعنيه مِن " نَتْسَلاَّكْ " !؟ أجابه الحفيد : " إيوَا... آسْلاَكْ " تنهد العم المتعب بالمسؤوليات والمثقل بالهموم قبل أن يجيب حفيده.: " أََسْلاَكْ أيَايَّاوْ ، أَذْوَنِّي إِذانِتِي إِيْتَاكْ أَعْزِيزِيشْ سْوَادَّايْ إِطُّومُوبِيل..إيسْلاسَّاقْ أَسْلُوكَاثْ إي وْ قَدُّوحُو، حومَا أذْ يَارَّانْكالْ. أَذْوُوُا أُومِي أقَّارَانْ أَسْلاَكْ !!..مَاشِي ثُوسِيدْ أَيَايَّاو سُولِيمَانْ ثَقَّارَاذْييِي نَتْسَلاَّكْ..!!! : (" أَسْلاَكْ" يا حفيدي ، هو الوضعية المزرية التي يعيشها عمك هنا وهو ممدد تحت سيارته يربط الأسلاك بعضها ببعض عساه يُصلح شيئا فيها!!) وهي إشارة من العم الى أن عملية ربط الأسلاك بعضها ببعض هي التي تُفرز حالة "أَسْلاَكْ" أو " نَتْسَلاَّك"...وهو اجتهاد شخصي طبعا أملته عليه ظروفه المعيشية المزرية وحالته الضعيفة .
هذا العم يمتهن " مهنة " النقل السري ، أو ما يعرف في أوساطنا الشعبية ب:"الخطافة" . يشتغل في المنطقة التي يسكنها، ليس فقط لأنها تعرف أزمة مواصلات ، بل أن داخل قراها ومداشرها، تنعدم فيها وسائل النقل تماما .ليبقى النقل السري مرآة للخصاص المريع في النقل العمومي في هذه المناطق وهي فرصة يستغلها العم للتمعش حتى لا تتوسع رقعة الفقر داخل أسرته الصغيرة ويعم البؤس وتتدهور الأحوال أكثر مما هي عليها . تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع بعض ما يقال وينشر حول قرار وزير التجهيز والنقل المغربي نشر قائمة المستفيدين من مأذونيات النقل. حكاية تتعانق فيها التراجيديا والكوميديا معا تذكرتها وذكرتني بمقولة نتداولها كثيرا مستوحاة من موروثنا من السرد الشفوي :" كثرة الهم إيضَحَّكْ " . ومن خلال الحكاية تتسلل حكايات أخرى مزيحة النقاب عن تساؤلات لا يخطئها العقل : اليس هؤلاء "الخطافة" وأمثالهم كثيرون أولى بالرخص التي تُقدم "هبات" و"هدايا"...لأشخاص لايستحقونها ؟ أليس لأهل هذه المناطق الحق في نقلٍ مريح يوفر لهم الأمن والأمان بدل "النقل السري" وما يحمله من رداءة في الخدمات ، ومخالفة لقانون السير، ناهيك عن المخاطر التي تتهدد ممتهنيه والمستفيدين منه على السواء .؟
فبالرغم من كون العديد من هذه السيارات قد نجحت الى حد ما في تأمين التنقل لسكان هذه المناطق ، وفك العزلة عنها .إلا أنها من جانب آخر قد حولت هذه المناطق إلى قنابل موقوتة،حيث تعد حوادث السير داخلها من الأمور التي تحدث كل يوم تقريبا لاسيما على الطرق الرابطة بين هذه المناطق.سواء بحكم الحالة التقنية لعدد هائل من هذه السيارات من التي تجول هذه المناطق. أوطريقة اشتغال ممتهنو هذا النشاط إذ يعمدون على استعمال سيارات قديمة وكبيرة قد تقل في بعض الأحيان عددا خياليا من الركاب قد يصل الى عشرة او أكثر . ناهيك عن حالتها ووضعها القانوني . سائقون تائهون يتمرغون ليلا بخطيئة الجوع والحاجة ويلبسون في نهارهم رداء سائق... يحمل تهمة مشروعة "خَطَّافْ لَبْلاَيَاصْ " . من بين هؤلاء "الخطافة" من سبق له وأن قدم طلبات وملفات وطالب مرارا الإدارات المعنية من تمكينه من رخص للنقل المزدوج ، واستعداده لأداء كل الواجبات والإجراأت التي تطبق على السائقين المهنيين ...ولكن دون جدوى. رغم ان الإفراج على هذه الملفات المتعلقة بمثل هذه الرخص والمرصوصة على الرفوف في الإدارات. ليس من شأنه فقط التقليص من ظاهرة النقل السري في هذه المناطق ،بل انها كذلك سترفع من مداخيل الدولة ايضا، ويصبح السائق بالتالي مهنيا، وملزما بتأدية جميع الواجبات، والتي ستستفيد منها مجموعة من القطاعات الأخرى
الا يستحق هؤلاء المغامرين قليلا من العناية وبعضا من الحماية00 فهم لا يطالبون بمدونة سير خاصة بهم.هم يطالبون فقط بالإنصاف . ألا يستحقون هذه وتلك "الرخص" التي تهدى للآخرين ، خاصة وأنهم وسياراتهم قد نجحوا الى حد بعيد في فك العزلة عن مواطنين بمناطق نائية كثيرة ، بعدما فشلت الحكومات المتعاقبة نفسها في ذلك... يقدمون خدمات النقل للفقراء المعوزين وبتسعيرات تناسبهم ، ثم أن أصحاب تلك المأذونيات "الموهوبة" أنفسهم يرفضون الذهاب الى مثل هذه المناطق والسير بسياراتهم على طرقها الغير معبدة .. وهو الشيء الذي يلقي بتأثيره أكثرعلى الفلاحين والموظفين، ورجال التعليم الذين يعملون بهذه المناطق.. ولولا هؤلاء " الخطافة" لتوقفت الحياة في مثل هذه المناطق. والمتأمل في قائمة هؤلاء المغامرين ( الخطافة ) يجد أن الصلة التي تربطهم ببعضهم البعض هي انحدارهم من أوساط طبقات اجتماعية شعبية فقيرة. أليس أمثال هؤلاء كما ذاك "العم المُسَلِّكُ" وآخرون من أبناء الشعب أولى من هذه "المأذونيات" .(مع كل الإحترام طبعا لبعض أولائك "النجوم" ولما "صنعوه" من "إنجازات" لكني أقول لهم: " هناك من هم أولى بذلك منكم ".)
هذه الرخص يجب أن يستفيد منها من هو في أمس الحاجة الى مدخولها من ذوو الاحتياجات،الخاصة منها والعامة،كل الفقراء المعوزين والأرامل والأيتام ،خدمة لمنطق العدالة الاجتماعية ، فهم أولى بذلك نظير وضعيتهم الاجتماعية المزرية الصعبة، وليس لآخرين نظير ما يزعمون انهم قدموه للوطن حتى أصبحت القاعدة المتداولة تكاد تكون : " أنا أملك كْريمة إذن أنا مواطن صالح و...بطل ". ناسين بل متناسين أن تقديم "خدمة" للوطن وبَعدها الاستفادة من هذا "الريع" لا يؤسس لمواطنة حقة ...يزعمون أنهم أصحابها !!!
إن امتعاض المواطن هو ليس من رخص "مأذونيات النقل" التي تُعطى بل من أن هناك شخصيات مستفيدة منها ولا تستحقها بل ليست في حاجة اليها . إذ أن عددا كبيرا من المستفيدين منها ينحدرون من أسر ثرية وذات جاه ومال ونفوذ .كما أنه وبالنظر الى الأسماء المستفيدة ورغم توزعها على مختلف مناطق المغرب، إلا أن هناك تقدم ملحوظ للأسماء التي تشي بأنها من أصول فاسية . وهؤلاء وآخرون لا علاقة لهم بمجال النقل لا من قريب أو من بعيد ، يستغلون مأذونياتهم في كرائها لمهنيين مقابل إيرادات شهرية تقدر بالملايين.وحسب أرقام أشارت إليها جريدة «آلمساء» في تقرير لها "أن 70 في المائة من المأذونيات الواردة في الوثيقة تستغل بطريقة غير مباشرة، أي أن أصحابها يكترونها لمهنيي نقل مقابل سومات شهرية كبيرة. بينما تقدر نسبة «الكريمات» غير المستغلة أصلا 24 في المائة. والسبب هو أنها في ملكية أشخاص ليسوا في حاجة إلى ما تدره من أموال لأن لديهم موارد دخل أخرى ومعاشات سمينة ". خلاصة الحكاية إذن ... اعطاء الحق لمستحقيه ان يأخذ كل ذي حق حقه دون مماطلة او تسويف..
هي حكاية...تدخلك في متاهات لا تريد الهروب منها..حتى تنتهي. ولكن من قال أن كل الحكاية ...تنتهي ، قبل الجواب على سؤال يشع براءة من عيون أدمتها الجراح لتخلص كل الحكاية : من هم "الخطافة" الحقيقيون من بين كل هؤلاء ؟ هل هم أولئك البسطاء الذين دفعتهم مرارة الفقر والحاجة إلى اللجوء إلى النقل السري كمصدر للعيش ونقل المواطنين في غياب سيارات "طاكسي" أو حافلات تقوم بذلك ، أم هم أولئك الجالسون داخل مكاتبهم يحركون "مأذونياتهم" ب الريموت كونترول و يتفرجون على محنة هؤلاء " وزبنائهم" من المواطنين العاديين ...من الذي أوصلوهم إلى ما هم عليه الآن.ناسين أو متناسين أنه يجب ان يأخذ كل ذي حق حقه ...و ان الحق هوعنوان إنسانيتنا ومن غفل عنه ...فاليتذكر أن ل الله عينٌ لا تغفل ولاتنام