لأول مرة في تاريخ المجلس الجماعي لطنجة ينتفض مستشار جماعي أمام الملأ وأمام أضواء الكاميرات الكاشفة، ويصرح بأنه كان عرضة لعملية تقديم مبلغ مالي يقدر ب20 ألف درهم،مقابل عدم حضوره في أشغال دورة المجلس الجماعي المخصصة للحساب الإداري. وما أثار انتباه المتتبعين هو هذه الجرأة السياسية النادرة التي تحلى بها هذا المستشار ليعلن عن هكذا تصريح، نظرا لما يمكن أن يترتب عنه من تداعيات قضائية وسياسية خطيرة للغاية. ففي الوقت الذي كانت أنظار القاعة متوجهة نحو هذا المستشار الشجاع، على كبر سنه، وما يمكن أن يصدر عن رئاسة الدورة وعن مكونات المجلس ، من دعوة للتحقيق في الموضوع ،وسلوك المساطر القضائية اللازمة في هذا التصريح الجريء و الخطير، فوجئ الجميع بانتفاض عضوين جماعيين بطريقة هستيرية أقرب إلى فصول مرتبكة من مسرحية هزلية رديئة. و الذي زاد في مفاجأة الحضور هو اصطفاف المعارضة المحسوبة على حزب العدالة والتنمية على خشبة هذه المسرحية ، متملصة من رزنامة الأدبيات الأخلاقية والخطابات السياسية الرنانة التي تغرد بتخليق الحياة السياسية و محاربة الفساد والرشاوى في العمليات الديموقراطية. فلا يكاد المرء يفهم لماذا انتفضت المعارضة ضد شهادة هذا المستشار الجماعي الذي صرح طوعا بتعرضه لعملية إرشاء ، وتحويل قاعة الاجتماع إلى حلبة لاستعراض العضلات وترديد الشعارات الجوفاء ، وكيل السباب و القذف في وجه الحاضرين و الغائبين ، بطريقة بلطجية و هستيرية شرسة؛ عوض الالتزام بمنطق الانسجام مع روح المسؤولية و الجدية التي ينادون بها ، و الدعوة إلى فتح تحقيق نزيه في هذه النازلة، والاستمرار في أشغال الجلسة التي كانت جميع الشروط متوفرة لمرورها في أحسن الظروف؟ شهادة المستشار الذي كان ضحية رشوى سياسية في مأدبة مشبوهة، كانت من الأجدر أن تكون في صالح المعارضة ،التي تدعي الصلاح، وفق منطق "الإخوان" الإسلاميين، ومنطق الذين يدورون في فلكهم، من أباطرة المال والعقار ، ويستثمرونها لتطعيم سجلهم "الأخلاقي" الذي بدأ يذبل يوما بعد يوم. حيث إن الله وهبهم، صبيحة هذا اليوم المبارك، بصيد ثمين يشهد أمام الجميع بأنه عرضت عليه عشرون ألف درهم مقابل التغيب عن الدورة. فلماذا ينتفضون ويرغدون و يزبدون أمام هذه اللحظة التاريخية النادرة التي ما حدثت يوما، و ربما لن تحدث يوما؟ ما الذي أثارته فيهم هذه الشهادة المباركة ،وهم الذين يدعون ليل نهار إلى الجهر بقول الحق وتغيير المنكر ولو باللسان؟ انتفاض "الإخوان" وعرابيهم و زبانيتهم على هذه الشهادة، لها تبرير واحد، وهو أنهم لا تهمهم محاربة الرشاوى السياسية والفساد السياسي، كل ما كان يهمهم هو إفشال الدورة ،وإسقاط الحساب الإداري. و أكثر من ذلك، وربما هذا مرجح بقوة، إن سعي المعارضة ببلطجياتها و جنودها غير النظاميين ،إلى إسكات صوت تلك الشهادة التاريخية ، كان بدافع واحد و هاجس وحيد، هو تخوفها أن تنكشف خيوط هذه الشهادة ،و تنطق ، لو استمرت الجلسة في ظروف عادية، بخبايا أخرى قد تظهر للعيان أمام الملأ و أضواء الكاميرات عن تفاصيل ملموسة وصادمة قد تنتهي بتوريط أباطرة أصبحوا محسوبين على "الإخوان" في عمليات شراء الذمم في زمن ومناسبات لم يتعود فيها المغاربة على سماع أخبار عن استعمال المال في شراء البشر،لأن هذه الظاهرة الخطيرة يسمعون عنها في الإستحقاقات الانتخابية المعروفة،وليس في انعقاد دورات عادية للمجالس الجماعية.