أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي    ابتداء من غد الثلاثاء.. أطباء القطاع العام يضربون ل3 أيام    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    ذكر وأنثى فقط.. ترامب يتعهد بوقف جنون التحول الجنسي    الإيليزي يستعد للإعلان عن الحكومة الجديدة    الكرملين ينفي صحة تقارير إعلامية تركية عن حياة الأسد وزوجته بموسكو    الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي        شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    أسرة المدرسة العليا للتربية والتكوين بجامعة ابن طفيل تستنكر "المس بالأعراض" الذي يتعرض له بعض أطر المؤسسة    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصعيد خطير.. تقارير عن توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير        تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناظور : سلسلة "حوارات العرين" ذ. ميمون حرش يحاور عرين الروائي محمد مختاري
نشر في ناظور24 يوم 22 - 05 - 2020

محمد مختاري روائي مغربي شاب (23 ربيعاً)، وباحث مجتهد، وناقد قادم بقوة، مُلتهم للكتب بشكل عجيب على اختلاف أنواعها، كشحرور يغرد بها، ومعها… ينحدر من تربة "محمد شكري" الذي يفخر به،لأن "بني شيكر"، أرضه، أنجبت كاتباً عالمياً مثله، ومن سيرة "الخبز الحافي" استلهم أحداث روايته الأولى وبلغة "الكبار" كتبها رغم حداثة سنه… وإذا كانت الخيل الأصيلة تَبين من أصواتها،فإن عتق محمد الروائي يَبين من تغريدته في "مثل تغريدة منكسرة" الصادرة عن دار الثقافة في حكومة الشارقة، نال بفضلها، عام 2019، الرتبة الثانية لجائزة الشارقة للإبداع العربي – دورة المهرجان 22، عن جدارة… وعشقه للأدب بشكل عجيب، دورٌ في ذلك،وهو أيضاً سبب قوي لقراءة باكورة أعماله…
مرحبا بك في "العرين" سي محمد…
س – ما تضيف عنك، فوق ما قلتُ،مما له علاقة ببني شيكر تحديداً؟
ج-أشكرك، في البدء، سي ميمون، القاص المُلهم، على هذا التقديم الباذخ الذي أجد معه نفسي شاعراً بالخجل الشّديد.
يسرّني، جداً، أن أستفتحَ حديثي حول بني شيكر. في هذه القرية الصغيرة، عشتُ، ونشأتُ، وتربّيتُ. لقد كانت بيئة محافظةً تماماً، ومنغلقةً على نفسها، بحكم موقعها، إلى درجة أنّني حين انتقلتُ إلى موقعي الجديد، يومها، لم أستوعب الكثير من السلوكات. في بني شيكر، كانت في ذهني رغبة توسّع (طموحات)، لكنّ الموقع الجغرافي الضيّق، كان ندّي الأوّل. ومع ذلك، فإنّ الذكريات التي أملكُ في هذه القرية، لا تتوقّفُ عن تطعيم لاشعوري في الكتابة.
س – هذا التحرش،إن صح تعبيري،بالرواية قراءة وكتابة هل من سبب قوي له، بحيث يبررهذا العشق لديك؟
ج- جميل لفظ "التحرّش" هذا. لكن، دعني أخبرك بأنّ الأمر، كلّه، ذو علاقة بالأهواء. لأنني، في البداية، كنتُ أكره الرواية: أعتبرها نوعاً أدبياً مجانياً، لا يمكن للمرء أن يستفيد منها، من جانب علمي. كنتُ دائماً أستبعدُها من اهتماماتي، أوّل عهدي بالقراءة. أضف إلى ذلك، أنّ أولى تجاربي في قراءة الرواية، كانت مُخفقة. إذ إنّ أوّل رواية قرّرتُ أن أقرأها، هي رواية دون كيخوته. وتعرف ترجمة من؟ ترجمة عبد الرحمن بدوي. كنتُ، حينئذ، لا أقوى على تعابيرها. وكمن يستقبح ثمرة شجرة عالية، ازدريتُ الرواية. لكنني ذات يوم، قررتُ أن أقرأ شيئاً آخر، وقد كان "ألف نهار ونهار". هنا اكتشفتُ لذّة السرد، قراءةً. أمّا مسألة أن أكون كاتب رواية، فقد كانت مستبعدةً من ذهني، أكثر مما كنتُ أستبعدُ قراءتها. حدث كلّ شيء في أبريل من 2017، حين قلتُ لأحدهم عليّ أن أكتب رواية. هكذا، ودون أيّ سابق إنذار. وفي شهر يوليوز من العام ذاته، سأبدأُ في كتابة "تغريدتي".
س- لماذا الرواية أولاً وليس القصة،أوالشعر مثلا؟
ج- في الحقيقة، كنتُ أميل إلى كتابة الشّعر. لأنّ المراهقة تعني الحبّ، والحبّ يستردفُ الشعرَ ضرورةً، شعرَ الرومنسية. لكن، بعد ذلك، صرتُ أتيقّنُ من أنّ "الشعر طويلٌ سلّمه"، وقرّرتُ أن أكفّ عن إطلاق تسمية "شعر" عمّا أكتب. وبخاصة، حين صار الجميع شعراء. لكن، مع دراساتي الجامعية، صرتُ أميلُ إلى النقد الأدبي أكثر. ومع الكتابة النقدية، اكتشفتُ أنّ على الناقد أن يعرف، على الأقل، ضعف ما يعلمه المبدع. انكببتُ على القراءة، ودخلتُ إلى متاهة الرواية بالنقد. ولعله ما يفسر أن بعض قرّاء "التغريدة"، يصفونها ب"التمرين النقدي".
س – موضوع روايتك الأولى، ما الجديد فيه؟ وهل راعيت،معه، الشكل أيضاً؟
ج- بما أنّ "التغريدة" روايتي الأولى، فقد كانت المواضيع كثيرة، ومخيفة في الآن ذاته. لقد كنتُ أفكّر بكتابة شيء عن هيمنجواي، بطريقة ما. لكن تراجعتُ عن ذلك في آخر لحظة. حينئذٍ، كنتُ أقرأُ الأعمال الكاملة لشكري. وكان تأثيره ما زال قائماً، حين هممتُ بالتخلّي عن هيمنجواي. شكري كان هدف الكتابة، لكن كيف سأكتُبُ عنه؟ فكّرتُ: بما أنني، الآن، أحاول تعلّم كتابة الرواية، فلمَ لا أستلهمُ شخصيةً، هي الأخرى، تحاول تعلّم كتابة الرواية. لكن، كان السؤال هو:من سيكون المعلّم؟ إنه شكري، وشبحٌ آخر منّي.
أما شكلاً، فلم ترقني، بالمرة، طريقةُ الرتابة في السرد. فضّلتُ أن تكون الرواية عبارة عن شظايا، لا يبدو بينها أيّ علاقة في بادئ الأمر، ووحده القارئ الفطن قادرٌ على أن ينفذُ إلى جمع كلّ تلك الأشلاء.
س – حين قرأت روايتَك في مخطوط،أول مرة، سجلتُ إعجابي الشديد، وتنبأت لها بحظوة..هل كنتَ جاداً وأنت تكتبها على أساس أن العمل الأول، ليس عندك فقط،غالباً، ما يترنحبالنظر إلى حداثة سنك…بعبارة: كيف اهتديت لموضوع راويتك بهذا الجمال في الطرح؟
ج- عليّ ألا أنسى يومَ أخبرتُك: إني هامٌّ بكتابة شيء عن شكري، فسررتَبذلك كثيراً. وبعدها، قرأتَ معي النص فصلاًفصلاً، بصبر شديد. قُلتَ لي: إنها رواية جيّدة. لم أصدّق ذلك بسهولة، لسبب واحد: أني لم آخذ الأمر بجدّية. كنتُ أعتقدُ بأن ما كتبتُ، سيبقى حبيس ملفّات الحاسوب، وأنه لا يستأهلُ أن يُنشر حتّى. أمّا موضوع الرواية، وطريقة طرحه، كانا يبدوان لي معقدّين، إلى درجة أن أيّ قارئ سيضجر من ذلك. غير أنني سأكتشفُ، فيما بعد، أنّ جميع طبقات القراء، يمكن أن تقرأ الرواية، بحسب "موسوعتها"، إن سمح إيكو باستعارة مفهومه.
س- أنت تمثل صرعة جيلك، بدليل عنوان روايتك "التغريدة".. كلنا يغرد بطريقته.. ما الوترالذي ترنمت به بحيث أطربتَ الناس.. لنقُل إنه الرواية، لكن ما اللافت فيها أمام هذا العددالكبير من الروايات المطروحة في "الطريق"، مثلها مثل أوراق الخريف؟
ج- ربّما يعود السبب، كما أخبرتك سابقاً، إلى شكل الرواية. كما أنّ القارئ، غالباً ما يُستهدف ككيانٍ مُستهلك فقطّ. بينما حاولت "التغريدة" أن تكرّس اهتماماً بالغاً بالقارئ. حتى إنّه إن لم يبذل مجهوداً، باعتباره المُنتج الثاني، فلن يتوصّل إلى أيّ رهان، وسيقول، في النهاية، كما ورد في الرواية: "عشنا وشفنا تفاهات".
س-استلهمتَ أحداث "مثل تغريدة منكسرة" من سيرة الكاتب العالمي محمد شكري، واستطعتَبذكاء أن تقدم،اعتماداً على الخبز الحافي،طبقاً أدبياً شهياً… لماذا محمد شكري تحديداً؟
ج-سؤال جيّد. سأبدأ بالإجابة عن القسم الثاني من السؤال؛ ثمّ أمضي إلى الأوّل. فبالنّظر إلى أني كنتُ منشغلاً بقراءة الأعمال الكاملة لشكري، فقد كان تأثيره قوّياً. ثمّ لأنّه يشبهني، بطريقة ما، في الاسم، ومكان النشوء، والترحال من المكان الأصلي إلى آخر، (هو من بني شيكر إلى طنجة، وأنا إلى فرخانة: ليس أبعد من شكري). بالإضافة إلى عامل الهوية، الخاصة منها: الأمازيغية، والعامة أيضاً: المغربية.
أما الاشتغال على شكري، فلم يكن مقتصراً على الخبز الحافي، بل على جلّ أعماله الروائية، والقصصية، والسير روائية، ومقابلاته الصحفية: الورقية، والسمعية البصرية… كلّ ذلك من أجل إعطاء صورة متكاملة الصّوى حول هذه الفلتة التي تُدعى: محمد شكري. غير أنّ توظيف هذه النصوص السابقة، لم يكن ساذجاً؛ وإنما مركب تركيباً مرآوياً.
س- يمكن أن أغامر، وأنا لستُ ناقداً، أن ألحظ رغبة "الكل" في "التغريدة"، تُستثار،لديهم، رغبة ملحة في الحكي، بل حتى الأشياء، والأمكنة أيضاً تصرخ:"دوري، الآن، دعنيأحكي"… هذه الألسن المختلفة، العاشقة للحكي، تلحف جلساءها، ونحن القراء تالياً،بحكايا كثيرة، أقول كثيرة… ما الخيط الرابط بينها جميعاً؟أوليست هذه الكثرة، أو هذاالتنوع في استدعاء من يحكي، مثل رغوة الصابون، مِلحاً زائداً، ومبالغاً فيه؟
ج- في احتفاء بالتغريدة في جامعة عبد الملك السعدي بتطوان، قالت الدكتورة سعاد الناصر عن الرواية بأنّها "مضمّخةٌ بلوثة الميتاسرد". لقد كانت محقّة إلى حدّ كبير. تنبثق رغبتي الكبيرة في هذه السرود المتعدّدة، من إحقاق نوع من الديمقراطية السردية في النص. ذلك بأنه لا أحد له الحق في أن يملك زمام الكلمة لوحده. الكلمة مُشاعة بين الناس. للكل الحق في أن يقول ما يريد. لأن الحكايات كثيرة، ولو قُيّض للأشياء أن تحكي، لبهرت الجميع… في روايتي، تجد لوحة فنية، استطاعت أن تقول شيئاً أيضاً…
س- أيمكن أن أصنف "مثل تغريدة منكسرة" في رواية داخل رواية، داخل رواية؟
ج-يمكن أن نقول ذلك، إذا اعتبرنا ما يقوله النّقد عن الميتاسرد. مع هذا النمط، يخرجُ القارئ بأكثر من حكاية. وهو أمر مقصود بشكل كبير.
س- طيب، هذا العنوان ما اللافت فيه؟ وما هي هذه التغريدة المنكسرة؟ولماذا غيّرته في آخرلحظة وقد كان "مجنون السرد" حسب المخطوط الذي قدمته لي، أول مرة، قبل الطبع.
ج-صحيح. لقد كان العنوان، سابقاً، "مجنون السرد". وبهذا العنوان، كان يمكن للقراء أن يكونوا على سكّة أخرى. لقد رأيتُ أنّه يفضح، بطريقة ما، ميولي النّقدي. ذلك بأنّ كلمة "سرد" أثيرة عند الشعريين. استقرّ اختياري، في النهاية، وذات لحظة عفوية، على "مثل تغريدة منكسرة". العنوان الذي بدا أنّه بعيدٌ عن متن الرواية، غير أنّ تأمّل رهانات الرواية، ستكشف أن التغريدة المنكسرة تعود إلى شكري. وليس عليك أن تسألني كيف ذلك؟ لأنّ الكرة، الآن، في ملعب القرّاء. أمّا أنا، بحسب الفكرة الغربية المهووسة بالتغييب، ميّتٌ.
س-حدثنا الآن عن جائزتك المُستحقة عن "مثل تغريدة منكسرة"..
ج-بصراحة، لم أكن أعتقدُ، بجزم، أن تغريدتي سوف تحصل على الجائزة. لكن حدث ذلك ذات صباح باكر، حين اتصلت بي أمانة الجائزة، مخبرة إياي بأني فائز هذا الموسم. لقد شعرتُ بفرحة لا تُتصوّر. ولعل سبب فرحتي يعود إلى أنّ الاعترافكان ممن لا يعرفونني، ولا أعرفهم. شيء يسوّغ الحديث عن موضوعية من نمط خاص. ذلك بأنني، وقبل أن أتوصل بخبر فوز الرواية، قد أرسلتُها إلى جائزة محلية بوجدة. لم أتلقّ رداً على استلام النسخة أصلاً. أحبطني الأمر، وزاد من ثقتي بأنني كنتُ أعبثُ حين فكرتُ في كتابة رواية. ومع ذلك، فقد حاولتُ أن ألاعب الحظ، فقمتُ بإرسالها إلى جائزة الشارقة للإبداع العربي.
لقد مكنتني الجائزة من الالتقاء بمبدعين من كافة البلدان. وأتاحت لي زيارة القاهرة: التي ما زال مذاق قهوتها المختلف، عالقاً على طرف لساني.
س-ما الذي تغير فيك "إنساناً " و"كاتباً" بعد نيلك لهذه الجائزة المشرفة عن روايتك الأولى"مثل تغريدة منكسرة"…
ج- إذا قلتُ إنّه لا شيء تغيّر، فلن أكون صريحاً تماماً. في الحقيقة، الحصول على جائزة لأوّل عمل أقدّمه، جعلني أفكّر ملياً فيما إذا كنتُ قادراً، حقاً، على كتابة رواياتٍ أخرى. الشعور بالرغبة في اختراق المزيد من العوالم الروائية، هو ما تغيّر فيّ، على نحو من الدقة.
س-بعد الجائزة هل التفت إليك النقد؟
ج-النقد، في المغرب خصوصاً، خفُت كثيراً. هذا إذا استثنينا ما يحدُث على الصُّعُد الأكاديمية. غير أنّ "التغريدة" نالت حصة محترمة من النقد، سواء من النقاد المغاربة أم من النقاد العرب. وكلّ القراءات النقدية التي اطّلعتُ عليها حتّى الآن، كانت مُمتعة، ومُقنعة تأويلياً. ولعلّ الجائزة كانت دافعاً في قراءة التغريدة نقدياً؛ لأنّ ذلك يمثّل مسوّغاً أوّلياً.
س -ثم، هل الجائزة من القوة بحيث يصح الحكم على رواية ما بأنها تستحق القراءة؟ مثلا ماأكثر الروايات الأنيقة،الجميلة التي لا يخطب ودها أحد، وتظل بلا زوج(جائزة)…
ج-أستطيع أن أقول بأنّ الجائزة تحوز قيمة مهمّة على صعيد الجوائز العربية. إنها تعتمد على نقاد، وأكاديميين من بلدان مختلفة، يُشهدُ لهم بالكفاءة في الأدب، والنقد.كما أنّها تعتمدُ شروطاً صارمة في عملية الترشيح للجائزة. يتقدّم لها مبدعون من العالم بأسره. ثم إنّ لها، الآن، أكثر من اثنتين وعشرينسنةً من الاشتغال، وقد حازها مبدعون، هم من هم الآن، وكانت بدايةً موفّقة لمشوارهم في الكتابة الإبداعية.
أمّا الروايات الجميلة "التي تبحث عن زوج"، كما أحسنت التعبير، فغالباً ما تكون ضحية للجوائز التي تضع لائحةً للفائزين قبل أن تعلن عن بداية الترشيح.
س-كتاب مشاهير رفضوا تسلم جوائز أدبية من جهات معينة، وآخرون مهرولون إليها، تسعفهمأيديهم الطويلة وجيوبهم المكتنزة، في ماراتون محموم، من أجل نيلها… ما رأيك أنت في هذاالفيلم، وقد صرت بطلا "ههه".
ج- أذكر أنّ سارتر فعل ذلك يوماً، حين رفض جائزة نوبل. الأمر الذي قام به إبراهيم صنع الله، أيضاً، حين قُدّمت له جائزة حكومية. وفي كلتا الحالتين، ينبع الرفض من قناعات شخصية. غير أنّ هؤلاء الذين يهرولون إليها، تتمثل قيمتهم الإبداعية مقترنة بسمعة الجائزة. فإذا كانت هذه صارمةً، ومشهودٌ لها بالأمانة، فما ضرّ ذلك أن يهرول إليها الكاتب، بحكم غرض مادّي. لكنّ ما يحزّ في النفس، هم هؤلاء الذين ليسوا من الكتابة في شيء، ومع ذلك، من خلال علاقات "خارج نصية"، يحصلون على الجائزة. هذا الصنف الأخير، هو ما يثير كلّ الزوبعة حول الجائزة في العالم.
س -قرأتُ للناقد الفلسطيني حسام معروف ورقة جميلة عن روايتك سماها "مثل تغريدةمنكسرة".. محمد مختاري يقدم عرضاً بانوراميا للأحداث ". يقول فيها "حاول المغربي مختاري أن يقدم فكرته من خلال عرض بأسلوبية دوائر الماء…إلى أن يصل إلى عمق العمق". أجدها مصيبة تماماً، النقطة الأولى من الماء من بطلك تنداح، فتتسع عند الثاني، حتى تنفرج على شكل جدول منساب عند الثالث، وهكذا دواليك، في ديباجة حكي مخملي رائع، وصولا للعمق الذي لا يُغرِق بل يغري للغوص بحثا عن صدفات "التغريدة"، ودررها.. ما رأيك أنت في ماء هذه الرواية؟
جلقد أُعجبتُ، مسبّقاً، وبشكل شديد، بهذا التوصيف الذي قدّمه الناقد. لأنّ طريقة الحكي في التغريدة، انطلقت من النواة التي أحدثتها "حجرة" في بركة السّرد. هذه الدوائر والموجات الصغيرة، هي ما كان موضوع اهتمامي في الرواية. والقارئ، يحسّ، في أحايين كثيرة، أنّ الرواية ابتعدت عن موضوعها (وهذه ليست، في الحقيقة، سوى دائرة ماء تبتعدُ عن نواتها، لكنها تشكّل جزءاً من التموجات رغم ذلك)، غير أنّه يستشعر، كلما رأى البركة من فوق، أنّ المشهد ما يزال منسجماً. إن حصول الناقد على هذا التوصيف، أثارني بدوري، باعتباري كاتباً للرواية. لأنه، بكلّ صراحة، دقيق جداً.
س – الأسلوب الذي به تبدع يكبر ولا يُطال، بصراحة، "أكبر هو منك"، لك أن تعتبر هذه شهادة مني .. من أي مشتل تقطف أوراقه؟
ج-ما عسى أن يكون مشتل كاتب ما، غير مزيد من القراءة؟ القراءة أهدت إليّ الكثير من الأشياء، من بينها أسلوب الكتابة. أنا مدين لها بحياتي كلّها. ومن هنا، أقول: لا يمكن لكاتب أن يكتب دون قراءة، ولو امتلك ميكانيزماتها. الأمر شبيه باستحالة سياقة سيارة، على الرغم من امتلاك الرخصة، دون بنزين. هناك أشياء لا بدّ من الفروغ منها: القراءة ضرورية، ليس للكتابة فقطّ؛ وإنّما للحياة بأسرها.
س-الرواية الثانية.. متى ترى النور.. وهل ستحصل بها على جائزة أخرى..ههه
ههه لا، فالأمر ليس مرتبطاً بالجوائز بقدر ما هو متعلّق برهانات شخصية، اجتماعية، فكرية، لا أجد سبيلاً أليقَ إلى تحريرها من قفص صدري، سوى بالكتابة الروائية. حين أكون مستعدّاً لرحلة تستحقّ أن تغويني بعوالمها، حينئذ فقطّ، سأفرح بولادة رواية جديدة. لكنّ ما أنا متيقّن منه حتى الآن، هو أنّني ملزم بكتابة رواية جديدة، "تنضاف إلى أختها"، كما يحبّ أن يقول الشاعر، والأكاديمي: رشيد سوسان.
س- كلمة أخيرة سي محمد..
ج-كلمتي الأخيرة، وكما أقول دائما، باختصار شديد: أرجو أن أكون قادراً على تقديم شيء ذي بالٍ للمجتمع الإنساني.
وأشكرك، سي ميمون، القاص المُلهم، على هذه الأسئلة الاستراتيجية. أقول استراتيجية لأنّك تعرف المواقع التي يجب أن تكون فيها أسئلتك. مع المحبة التي بلا انقضاء.
حاوره الأستاذ : ميمون حرش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.