اختتم فرع اتحاد كتاب المغرب بالناظور موسمه الثقافي بأمسية نقدية حول رواية “مثل تغريدة منكسرة” للكاتب الشاب محمد مختاري التي حازت الرتبة الثانية بجائزة الشارقة للإبداع العربي، الدورة22، وذلك بمركز الدراسات التعاونية للتنمية المحلية (سيكوديل) بالناظور. استهلت الأمسية بكلمة ترحيبية لمنسقها الأستاذ ميمون حرش، عضو الاتحاد، رحب وشكر فيها الحضور الكرام الذين لبوا دعوة الاتحاد للاحتفاء بهذه الرواية كما هنأ الكاتب على فوزه بهذه الجائزة المشرّفة، متمنيا له مستقبلا زاهرا في مجال الإبداع. ورأى أن هذه الرواية تتطلب القراءة لأسباب ثلاثة: إنها رواية لشاب من الناظور استطاع أن يغير تلك النظرة السلبية إلى المدينة بكونها مدينة التهريب والمخدرات.. إلى مدينة الإبداع والثقافة .. لذا يحق الفخر به. إنها عمل رائد استطاع أن ينتزع جائزة الشارقة للإبداع العربي. إنها استحضرت الكاتب الأمازيغي ذا الصيت العالمي محمد شكري الذي تحدث عن الخبز الحافي بلغات العالم. ما يجعلنا نتساءل عن كيفية ولوجه عالم رواية شكري ليبدع رواية جديدة. وبعدئذ قدم الأستاذ فؤاد لكرادي مداخلة قام فيها برصد مظاهر الأزمة، بداية من العنوان الذي كان معبرا عن الحساسية الجديدة، منتصرا لأدبيات “الشعرية الروائية ” الموغلة في استدعاء التأويل. علاوة على تفكيك المتن الحكائي وما يفرضه من حبكة ورهان والخروج بخلاصة طغيان اللّابِناء والتفكك، وكأن الرواية بذلك تعلن أفول التقنيات في ظل قارئ ميال إلى الجاهز والبسيط. من جانب آخر، أمارات الأزمة جلية في الزمان والمكان. إن رواية “مثل تغريدة منكسرة” حسب الأستاذ فؤاد لكرادي رواية تعكس أزمة مبدع ما بعد الحداثة. أما الأستاذ محمد حمداوي فقد ركز في مداخلته على خطاب العتبات (صورة الغلاف، العنوان، الإهداء) باعتبارها خطابات ميتا سردية. بالنسبة للعتبة الأولى “صورة الغلاف” التشكيلية، فإنه يتواجد بداخلها مؤشر لغوي(إبداع) يحيل القارئ على تصنيف الرواية ضمن مجالات الكتابة الإبداعية. ورأى أن الصورة غير حافلة بالدلالات والإيحاءات الرمزية والفنية والجمالية، لأن الكاتب لم يخترها بنفسه وإنما دار النشر هي التي تكفلت بذلك. أما فيما يخص العتبة الثانية “العنوان”، الذي يعد من أهم عتبات النص الأدبي، فقد تأمل بنيته التركيبية والبلاغية التي تنم عن خرق نسق الجملة العربية المألوف، وعدم التقيد بترتيب عناصر الصورة التشبيهية، ما أدى إلى إرباك توقع القارئ المعتاد على حضور طرفي التشبيه. وهذا ما سيدفع القارئ إلى القيام بمجموعة من القراءات التأويلية لإعادة صياغة العنوان وبنائه من جديد. كما رأى أن قراءة المتن واستنطاق دلالته وتتبع أحداثه سيمكنان المتلقي من ملء بياض العنوان وسد فجوته من خلال مجموعة من الاقتراحات، مثل:”الرواية مثل تغريدة منكسرة”،”جنون الحكي مثل تغريدة منكسرة” وغيرهما.. وختم مداخلته بالتركيز على عتبة “الإهداء” التي استهدف فيها الكاتب خمسة مخاطبين: الشحرور الأبيض، المبدع الموسوعي الإيطالي أمبرتو إيكو، الكاتب المغربي ميمون حرش، كل مجانين الحكي، والقارئ الضمني… ومن خلاله شرح الكاتب تصوراته النظرية والنقدية التي تتأسس عليها هذه الرواية. وذهب الأستاذ محمد حمداوي إلى اكتشاف بعض من تلك المعاني التي حاول أن يملأ بها فراغات الإهداء وأن يعطي له أبعاده وإيحاءاته.. وفي الأخير استهل الأستاذ الباحث فريد أمعضشو مداخلته بتهنئة الكاتب المحتفى به، وتقريب شخصيته من الحضور بما تجتمع فيها من صفات، أهمها: الطموح والإنصات والمثابرة، منبئا له بمستقبل واعد إذا أحسن الإنصات إلى الملاحظات المقدَّمة له وشحذ موهبته بالقراءة والتجارب. ثم توقف عند الرواية التي عدَّها عملا متميزا لما توافرت فيه من خصائص التميز، سواء في محتواها أو في طريقة عرض أحداثها، أو تقنيات اشتغالها رغم أنها التجربة الأولى للكاتب، وربما هذا ما أهلها للجائزة. وأكد أن مدار الرواية كلها هو الحكي. وكشف أن العنوان الأول للرواية هو “مجنون السرد” غير أنه عدل عنه إلى عنوان جديد “مثل تغريدة منكسرة” هربا ربما من الوقوع في استنساخ عناوين أعمال أخرى، مثل: “مجنون الحكم” لبنسالم حميش، مجنون الورد لمحمد شكري وغيرهما.. وبعد تلخيص متن الرواية وتحليل عناصرها التشكيلية والفنية من حكي وحبكة وتشويق ورهان… انتقل إلى رصد مظاهر التجديد في الرواية، والمتمثلة في : فاعلية القراءة والقارئ: الرواية ليست تقليدية وإنما هي غنية بمخزونها الثقافي والمعرفي بما فيه القرآن الكريم، النماذج الأسطورية كأسطورة الفينيق، ملحمة جلجامش، ألف ليلة وليلة، والتناص مع إحدى خطب الحجاج الشهيرة، والأدب الخالد العالمي: بورخيس، إيكو، كويلو، دون كيخوط دي لامنشا، همنغواي وغيرهم .. وهذا يكشف عن سعة وتنوع قراءات الكاتب، مما يستلزم قارئا من نوع خاص لبناء الدلالة. ومن هنا، فالرواية معرفية تشبه روايات كبار مبدعي هذا الفن..ولذا فهي تستلزم قارئا من نوع خاص لبناء الدلالة.. عدم اتباع خطية في السرد، ينطوي المسار الحكائي للرواية على تقطعات (كالعودة إلى الوراء) وإدراج قصة ضمن قصة، أسلوب “دوائر الماء”، مثل: قصة شكري، قصة الشاب الذي أراد تعلم الرسم، قصة الثلاثة الذين اقتيدوا للمحاكمة.. – الميتا سرد في الرواية: قدمت الرواية قواعد التضلع في مجال الكتابة في ثلاثة نصائح ذهبية: إمكانية إحداث الأثر، وأسر القارئ بالأسلوب رغم ابتذال الموضوع.. الإيجاز في حكي الأشياء الكثيرة.. ضرورة التميز في أسلوب الكتابة وعدم البقاء عالة على الآخرين.. تدخلات غريبة في مسار الرواية من قبل الكاتب وعقد تعاقدات مع قرائه سواء من خلال سرد الحدث الأقوى، أو الإعلان عن المقطع / الفصل الموالي، أو الإعلان عن القفز على بعض الأحداث..إلخ بنية الحلم: وهي واضحة في الرواية.. الأسلبة والتقنيات: يمكن إيجازها في: أسلوب التراسل بين الكاتب والسارد؛ تطعيم الرواية بعبارات من الريفية ومن العامية المغربية؛ الرواية ملتقى الفنون الأدبية الأخرى كالمسرح ومقاطع أشبه بقصيدة التفعيلة؛ طريقة تشكيل بعض الكلمات؛ الغرائبية؛ اللغة الجميلة القوية على غرار صاحب “الخبز الحافي” محمد شكري في آهاته ومأساته… وقد استدل الباحث على كل ذلك من متن الرواية للبرهنة وإقناع الحاضرين.