أناديكم جميعا ، دولة، و "حركة احتجاجية مطلبية" من أجل التهدئة : فرسالتي إليكم مصقولة بعمق نفسي، وانتماء وجداني، وطموح وطني. فأنا مثلكم ابن الريف وتاريخه؛ أمجاده وانكساراته، طموحاته ومعاناته، وأنا مثلكم ابن هذا الوطن الممتد من طنجة إلى الكويرة. الوطن المؤمن بذكائه الجماعي القادر على تجاوز الهزات والمحن، والقادر على تغليب العقل عندما تحتد العاطفة. أناديكم باسم ذات الألم الذي تقاسمناه عبر فترات مختلفة ؛ألم دفين أحمله معي لمدة ثلاثة و ثلاثين سنة؛ ألم صدى ارتطام رأس والدي بالسياج الحديدي الذي كان يفصلني عنه في أول زيارة له لي بالسجن شتاء 1984، فقد هم لمعانقتي دون أن ينتبه أن سياجين ، و حارس فظ غليظ يفصلني عنه، أناديكم مستحضرا حادثا كاد يؤدي بوحدة عائلتي أيام كنت معتقلا: والدتي تثور في وجه والدي، الريفي الأبي، مخيرة إياه بين مرافقتها إياه لزيارتي الى السجن بمدينة وجدة ، أو أن تغادر البيت، و تأتي إلي ماشية على أقدامها،و هي المرأة التي لم تسافر خارج المدينة أبدا ،ولم يكن يسمح لها أبي، رحمه الله، بمغادرة البيت إلا لماما لزيارة والدتها، و عندما أخبرها باكيا ، و هي ليست من عادات رجال الريف أمام نسائهم، أنه لا يملك ولو فلسا ، جمعت كل ما تملك من أساور نحاسية وفضية وما يشبه الذهبية، ووضعتها في يده طالبة منه بيعها، غير عارفة أن ثمن كل ذلك لن يشتري لها، و لو بطاقة سفر إلى بلدة إمزورن ، وبالأحرى إلى مدينة وجدة، أناديكم على إيقاع تذكر صوت انفجار رئتي صديقي و رفيقي عبدالحكيم بنشماس ، الضحية الأبدي نفسيا لأحداث 1958-59 وان لم يعشها، في اليوم الثالث عشر من إضراب عن الطعام دما عندما منعونا في السجن من متابعة الدراسة فدخلنا في اضراب مفتوح عن الطعام، و ظل لعدة شهور و شهور في مستشفى الأمراض الصدرية، و هو المرض الذي أصيب به في المخافر السرية التي كنا فيها قبل ترحيلنا إلى السجن ذات فجر على ايقاع أوامر " مغلقة" للوزير الراحل إدريس البصري ، أناديكم مستحضرا لحظة فقدان أحد الرفاق لتوزازنه العقلي، و إلى الأبد وهو يتحدث إلينا في ساحة السجن، مناقشا معاركنا السجنية المقبلة لتحسين وضعيتنا ، و ظل هكذا فاقدا عقله إلى أن هام على الأرض بعد خروجه من السجن، و لم يعد يتذكره أحد،وعندما التقيته صدفة يوم ذهابنا إلى الحسيمة في اطار المبادرة المدنية من أجل الريف، سألني عن تلك الأيام الجميلة التي قضيناها بمدينة أمستردام، و الحال أنني لم أسافر معه قط إلى أي مدينة في العالم.و لعله يريد إخباري بأن ما عشناه في السجن كان أرحم مما يعيشه اليوم، أناديكم، وأنا ابن المعاناة نفسها، وابن الريف المعتز بنبله وقيمه الراقية، والحالم بحغرافية الوطن الواحد المتكامل، المتضامن، المتساوي ..اناديكم و أنا الذي اخترت طوعا و اقتناعا، و بشجاعة، الانخراط في مسلسل الإنصاف و المصالحة ، و لم أسمح لنفسي ،بعد اصدار التقرير النهائي ،إلا الاحتفاظ بهذه الصور ، كنوع من حماية نفسي ضد النسيان المكلس للتفكير المتجدد ، بعد أن نسيت كل فضاعات الاعتقال و التعذيب و المكوث الطويل وراء القضبان، و انفتحت على المستقبل بكل ما بقي لدي من طاقة تضعف عند أول مشهد للظلم و الاعتداء على كرامة البشر و الدوس على حقوق الناس، أناديكم اليوم ، و طاقة استحمال الوضع الذي نعيش على إيقاعه بالريف تكاد تنتهى ،و هو ما ينتظره المتربصون بالمنطقة و البلد برمته، أناديكم و نحن على بعد أسبوع من عيد فطر حلمنا أن نحتفل به مع كل المعتقلين في ملف "الدرس الديمقراطي الريفي"، وهم خارج الأسوار يستمتعون بحريتهم التي يستحقون، وقد تحققت أمانيهم، أو تم الشروع في تحقيقها. أناديكم باسم مغرب الغد، باسم المغرب الذي سنتركه عندما نرحل لأبنائنا، و من سيأتي من بعدهم، أناديكم باسم أحلام طفولتنا في الريف حتى لا تتحول نفسيتها إلى نفسية طفولات الحروب و المآسي، و نحكم على مستقبل البلد بما لا نريده له، أناديكم حتى نفوت الفرصة على من يتربص بأحلامنا، على من يريد أن نستمر ،نحن الريفيين وساكنة مغرب الهامش، في القبض على قرن البقرة الحلوب ليحلبها المغرضون ؛ أناديكم باسم المستقبل، و ضرورة الانفتاح عليه،و استمرار الصراع من أجل تحقيق احلامنا في المغرب الذي يجب أن يتسع لنا جميعا، أناديكم لنساهم جميعا – بتواضع المواطنين ، العارفين بكنه الأشياء و مساراتها، أن نبحث عن مخرج للازمة التي يعيشها الوطن على إيقاع ما نعيشه في الريف الذي يسكننا، أناديكم لأقول لكم إن مخرج الأزمة التي نعيشها في الريف تمر و بالضرورة عبر مرحلة للتهدئة، نسمح فيها لكل ذوي النيات الحسنة بالتدخل من أجل تقريب وجهات النظر ، و البحث عن الحلول المستعجلة لنستمع بريفنا، أناديكم وأنادي معكم الدولة لأقول إن الإفراج عن المعتقلين، كافة المعتقلين، و تحقيق مطالب الساكنة، كافة مطالب الساكنة المعقولة، و إعادة المغرب إلى سكة الإنصاف و المصالحة تمر و بالضرورة عبر التأسيس لهذه المرحلة....وما ذلك بعزيز على عقلاء الريف، وعلى من يتحملون مسؤولية القرار. و تيقنوا ، أن أحلامنا بوطن يسع الحميع عدلا وإنصافا هو ما يوجهنا، فإن انتصر العقل وروحه الحوار، انتصر الوطن، لنؤسس لمستقبل مفتوح على ما نتمناه. عاش الوطن