الشهيد علي بلقايدي عرق لشجرة لن تذبل أبدا ومدد لكل الشرفاء و عظماء الوطن الجريح للناس مسوغاتهم المتعددة للذاكرة و الماضي وأفضلها كيف يتم إستحضار رجال عاهدوا الصدق فصدقوا .و أعظم أنواعهم من لمع في التذكر و يعودون كلّهب الصغار على سواتر النار براية المواجهة والرفض لإسبارطة الجديدة والغزاة المدججين ّ بالرعب والقتل وشهوة الإلغاء والإبادة.... يعودون مع هبهبة رياح الحلم والأمل و مع زفات الأعراس ومواويل البيادر،ّ وعنُات الحصيد وتهاليل الأمهات وزغاريد البنادق التي لن تكف عن النشيد .. ّأنتم السادة و أنتم إرثنا الأعز ّ والأبقى ودوزان الوعي المنازل .. أنتم تقدمون الخطوط وتعلون مقولة الصمود والفداء لتكون وشم المفخرة ورسمها الأنقى والأجل .. أنتم السادة على رؤوسنا إن غبتم لنبقى ولنظل على سياق الوعد والعهد والنزال حتى انتصار القضية ... ّ ها هي روح الشهيد علي بلقايدي تعود لأنه الحاضر الأتم في زمن الغياب و الغائبين و المغييبين ، ها هو صوت الشهيد من خلال هتفات الألوف في الشوارع يرتفع كشلال نار ليضيء العتمة ويلغي التراجع و الانكسار بممحاة الفرح و الإصرار على وجوه أبناء وبنات الوطن الجريح القابعين في دهاليز السجون و المكتوون بنار القهر و الاضطهاد و الفقر، الذين حتما سيرفعون يوما راية ًالنصر على سماء البلاد . هي سنوات مضت لنعيد للأجيال وللذاكرة حكاية هذا البطل العنيد الأصلب من الفولاذ، و الأمضى من السيف، و الأرقّ من النسمة. بسيطًا إلى حد الذهول، مركبًا إلى حد المعجزة! ممتلئًا إيمانًا، ووعيًا، وعشقًا، وثورة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه. عشت بيننا لكن لم تكن يوما لنفسك بل لنا، لم نلتقط السر المنسكب إليك من النبع الصافيي ، يا علي ( لعشير ) قد أصاب الشاعر في أبياته تعبيرا " صعب علينا أن نرى بدرا هوى ونرى التراب على سناه مهيلا صعب بأن نجد الذي حمل الهدى أمسى على أعناقنا محمولا صعب علينا أن يباعد بيننا هذا التراب فلا نراه طويلا يا من ضربت لنا المثال مضحيا وأريتنا صور الجهاد الأولى فحييت في ظل العقيدة ثابتا وأبيت الا أن تموت أصيلا قد كان آخر ما نطقت بذكره رتلت ترتيلا ألقوك في ظلم السجون وظلمها فأضأت في ظلماتها قنديلا وصبرت صبر الأنبياء كأنما تلقى ثباتك من يدي جبريلا يا مؤمنا كانت حياتك قدوة ستظل روحك في الطريق دليلا نم يا شهيد الحق مسرورا فقد كان المنام عليك قبل ثقيلا يا علي ( لعشير ) سألنا عنك كل الدروب والازقة والاحياء الفقيرة في بلدة الريف ، فنادت بصرخة هي شبيهة " بصرخة هرم زوسر " لتترف في السرد و الكلام فتبلغ مقامها حكاية طفل الشرق العظيم الذي تنبأت به العرافة الأمريكية " جين ديكسون " . و لدت من أسرة لها منبعين الأولى لها الصلة بعالم سلالات الشرفاء من جهة الأم ( تماسينت ) و إن تحولت الصفة الى لغة أهل القرى المنسية لكي يحافظون على وجودهم ، والثانية على حسب ما دون في شجرة النسب داخل أرشيف القرويين من جهة الأب ( الناظور ) قادمون من الشرق عبر مرحلتين الأولى في الجزائر و الثانية في شمال المغرب. عشت طفولتك في مدينة الحسيمة فيها تفتقت زهرة حياتك و فيها ذبلت فتحولت الى بذور نمت منها غابة كبيرة لا يعيش فيها إلا العارفون بأصول الصدق و التضحية ، والكل يشهد أنك نعم الرفيق المؤنس لكن بسرعة تغيب لا تستقر في مكان تترك فارغا ورائه بصمات ، منذ نعومة صباك إلتحقت بالشبيبة الثورية ( الى الأمام ) كنت عضوا بارزا و نشيطا في الودادية التلاميذية في ثانوية الامام مالك لم تتذوق طعم الراحة تتنقل كالبراق و إن جسدك النحيل الشبيهة بغاندي يتحمل الكثير، بفضلك كم من تلميذ وطالب وعامل وفلاح وتاجر تعلم قيمة الصدق والتضحية تعرف عن حقيقة ما جرى بالمغرب العميق وعن حجم الجرائم التي ارتكبتها الدولة المغربية في حق الريفيين والمغاربة بشكل عام، وكم هي فضاعة الاحداث في الماضي قاسية ومؤلمة دُوِنَتْ في صفحات المغرب الجريح بدأت منذ سنوات الخمسينات 58/59 من اغراء المنطقة في حمام الدم، قتل جماعي واغتصاب النساء وبقر البطون.. واستمرت خلال سنوات الستينات من محاكمة ماراطونية وتحويل شوارع البيضاء الى جثث لتلاميذ ابرياء هَمُهم الوحيد الدراسة ومستقبل أفضل الذين سقطوا في انتفاضة 23 مارس بل الكثير، يزداد مسلسل القتل والقمع في ربوع الوطن، واقامة معتقلات سرية رهيبة اغتيلت فيها الكينونة الانسانية بأبشع الجرائم .... يا شهيد كنت صوتا للحقيقة بالريف لم تتوقف للحظة بل تتنقل عبر الوطن لنصرة ضحايا النظام ، تعرضت لإنتقال تعسفي الى تطوان من أجل الحد من نشطاتك الجماهيرية و إبعادك عن صرخات الشعب ، فأينما رحلت و إلا تذوب في قضايا المضطهدين ، والكل يعرف من هو الشهيد " عليليت و لعشير " يشهدون لك بأدوارك الطلائعية و بقيادتك الرائعة في ميدان الانتفاضة 1984 بشوارع الحسيمة لا تخاف من افواه البنادق وأنت الشاهد عن همجية النظام وعن القتل للأبرياء في شوارع المدينة ، واصلت نضالك الصادق حتى انتقالك الى فاس لمتابعة الدراسة الجامعية لتتوسع تحركاتك السياسية والنقابية و إنخراطك في المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و بالضبط في فصيل الطلبة القاعديين ، هناك داخل أسوار الجامعة تعلن تضامنك مع كل شعوب العالم التواقة للتحرر والانعتاق من الاستعمار، وانخراطت في كل اشكال الدعم والتضامن ونموذجها اضرابات 87 الجامعية ضد الصهيونية العالمية في معركة بطولية بجامعة فاس الى أن أعتقلت بجانب رفاق لك ، حياتك في الجامعة مليئة بالتضحية كل من سألته عنك و إلا له طريفة معك نظرات عينك كلها أمل في الغد الأفضل فأنت في مقام عليا كما وصفه الشاعر : رَجل البُطولة والثبات تزينهُ ................... أخلاقه , ويشع منه وقارُ في قلبك الأقداس في عينيك ......... حب الأرض في عزماتك الإيثارُ ما أطول مكثك في السجون مصابراً .... تأبى الهوانَ , و دأبُك الإصرارُ ما سر مشيك بين أنياب العدى …...... مشي الطريد تحيطه الأخطارُ ما صغتُ بيتا ً فيك إلا ساقه ............. حزني و دمعي يشهد الجبار ومن هنا تبدأ الرحلة في عدها العكسي لحياة كلها عطاء ونبل وبساطة، رحلة الوداع المثخنة بالدم والالم عنوانها صرخات من جحور الظلام من أوكار مصاصي دماء أبناء الشعب الشرفاء من إحدى المعتقلات السرية السيئة الذكر درب مولاي الشريف فتقلدت مهمة من أعظم المهام ان تدافع على الضعفاء بجسدك النحيل متحديا اسوار السجن وسياط الجلاد و دهاليز السرية وتحملت شتى أنواع العذاب حتى تقطرت دما وتفوح منك رائحة الشهادة ، انها خمس سنوات من الحرمان و قسوة السجن في إحدى سجون العار و الذل" عين قادوس” . لا السجن و لا التعذيب ولا المرض اللعين الذي ينخر جسدك يقف في طريقك، بل من السجن مباشرة الى مقالع العمال في الوطن الغاصب نموذجها جبل عوام ... والاحياء المهمشة والالتحام بحركة العطالة بالمغرب، و الى الجامعة لتبلغ الأمانة وكنت من الذين شيعوا جنازة الشهيد الحمزاوي، و من الذين كانت لهم دور في حركة المعتقلين وعائلات الشهداء، كعهدا منك قبل الرحيل ولم تتوقف وأنت تجوب الوطن لتطمأن على قلاع الصمود والنضال ، وفي يوم 27 أكتوبر 1994 أُشعلت شمس الحرية والكرامة في كل بيت من وطننا الغاصب و توضع عند أبوابهم اكليل الشهادة و العزة و المفخرة ، فكان لوالديك مفخرة ممزوجة بألم الفراق أن يزفوك عريسا محملا على أكتاف ابناء الوطن و بسواعد ثواره الاشراف ملفوفا بأبيض الكرامة والصمود والفخر، وسط زغاريد أمهات الاحرار في موكب كله شعارات و ورود الحمراء، أيها الشهيد قد مضىى زمن على رحيلك فلم و لن تنساك و من حقي أن أنشد بيوتا : أخي في أرض ِ أجدادي ترامى *** شهيدا ً صان َ عهدا ً واستقاما له عمرٌ بعمر ِالزهر ِ صِغرا ً *** فلم يبلغْ شبابا ً واحتلاما شباب ٌ كالأسود تسيرُ قدما ً *** لنيل ِ شهادة ٍ، شدتْ حِزاما وخيرُ الجُود في الدنيا كرام ٌ *** إذا أعطتْ فتعطينا اقتحاما أخي قد صرتَ وهجا ً *** بصدرنا تعلو وسام شهيدٌ أنت قد قدَّمْت روحا ً *** فحاميتَ العقيدةَ والكراما فروحك في رضاء الرب تسمو *** وجسمك ُ في غياب القبر ناما ركبتَ الموتَ لم تخضعْ بذل ٍ *** لمستبد ٍ قد علا دهْرا ظلاما يعانقكَ الخلودُ بكل دفء ٍ *** فأنتَ الخالد ُ الباقي سلاما فأنتَ الصبحُ في ركبٍ مضيءٍ *** حوى خيرَ الفراقد والعظاما أخي مرحى لروحك في العوالي *** إلى الأمم نزفك قد تسامى صَعدتَ مفاخِرا ً دَرَجَ المنايا *** فعانقتَ المصائبَ والجساما ولاحتْ من دِماك شموسُ فجر ٍ *** يفجّرُ ضوءَها عزمٌ ترامى نفاخر في دماك بكل عصر ٍ *** وتفتخرُ الأصولُ بك التحام شهيد أنت حقٌ لا خلافا ً *** فقتلك َ كان َ للقدر ِ احتكاما ترفرفُ رُوحك البيضاءُ طيرا ً *** على أرض ِ المغرب هُدا وئاما شهيدٌ يا أخي نسل ُ السراجي *** لقد ضحّيْتَ لم تخلعْ حِزاما أخي قد نامَ جسمُك في تراب ٍ *** يُفاخرُ كلَّ أرض ٍ والرُخاما فأرضٌ حولَ مَنْ ضحى شهيدا ً *** يظلُّ شعاعُها يضْوي العتاما ليعلم َ كل ّ من ظلم َ الضحايا *** بأن ّ دماءَها تبقى سهاما وتبقى صرخة ُ المظلوم ِ سيف ٌ *** يطلّقُ أعنق َ الظلم ِ انتقاما هنيئا للشهيد ِ على نعيم ٍ *** وملك ٍخالد ٍ يبقى دواما يا علي / لعشير هو الزمن وحده الكفيل بأن يرقى بالانسان مقاما أو يذله إنحطاطا ، نحن الآن في زمن الغدر يستباح القتل جهرا و يكافئ القاتل وساما ، نحن لا نلتجأ الى البلاغة والكلام المليئ بالعواطف بل نشهدك و كل الشهداء بأن الخيانة لم تعد عارا بل عادة و إمتهانة بحكم الأنذال حكما فينا يستبحون أعراض الناس ليلا نهارا ، يا علي تحولت المبادئ و القناعات الى عالم للمضاربات يتحكم فيها أسهم البورصات المالية فتشتت كل معاني الإنسانية فإستمعنا لترهات عديدة منها أنه قد ولى عهد الثورة و لا مفر من التعايش مع المستبد و خلق شروط جديدة و غيرها ...، يا علي قد نبالغ في الوصف و كأنه إنتهى الدرب و العهد لكن في بلدتنا و في بلدنا لازالت تعلوا راية الكرامة رغم الردة و التخاذل فكم من شباب هم فدى للوطن فلنا مقام عظيم و آخرها محرقة خمس شهداء بالحسيمة و إغتيال مناضل في ريعان شبابه بطعنات الغدر فلقد كان دوما يهتف باسمك علنا و مصمم السير على عهدك حتى الشهادة ، فدامائنا الطاهرة تسيل و لن تتوقف أبدا الى أن يبزغ فجر الحرية و الكرامة ، يا علي السجون تغص بالشرفاء و الباعث على الأمل أنهم لم يتبدوا تبديلا بل بنفس الايمان و الاصرار يعلنون أن الثورة قريبة لا محالة منها لن ترعبهم أسوار السجان فكن في مستوى المهمة العديد مما يلتحقون بدلرب الشهداء ….... فإلى كتابة أخرى أزف فيها نصر شعبنا المقهور يا علي يا شهيد الغالي أنت عرق لشجرة لن تذبل أبدا،،،، ومدد لكل الشرفاء و عظماء الوطن الجريح