مصطفى الوردي تلفزيوننا العمومي دائما يغرد خارج السرب، فبالأمس القريب كنا نعيش سنوات الرصاص التلفزي في ظل الحصار الذي كانت تفرضه علينا القناة الأولى التي كانت المصدر الوحيد بالنسبة للمشاهدين. حيث كان محكوم علينا بمتابعة برامج رديئة، وبعيدة كل البعد عن واقعنا اليومي، ولا تعكس الذوق العام للمشاهد... كلنا يتذكر تلك الأسابيع المملة التي كان يقدم فيها أسبوع الفرس والغولف والتزلج الفني برامج " ديال بلعاني " التي كانت تنفرد بها حصريا قناتنا العمومية آنذك، إلى أن جاء زمان الفضائيات وتخلصنا من عقدة اسمها القناة التلفزية الاولى، واكتشفنا العالم الذي حولنا والذي بدا لنا عبارة عن قرية صغيرة سنوات جمر لايمكن أن تنسى رغم المحاولات العديدة التي قامت بها تلفزتنا الاولى لكي تلبي طلبات المشاهدين وتحسن مستواها من خلال تمديد فترة البث والعمل على الإكثار من البرامج التي تبقى مجرد قناع لإخفاء حقيقتها المرة . وككل رمضان تتنافس قنواتنا العمومية الاولى والثانية.. في الإجهاز على صحتنا النفسية والجسدية بتقديم شبكة من البرامج المتوزعة بين الكوميديا والدراما والأفلام السينمائية والتي يعمد المسؤولين من خلالها إلى تكرار نفس السيناريو من خلال تمويل برامج رديئة. وإذا ماتحدثنا مثلا عن البرامج الدينية بالقناتين العموميتين فهي محتشمة جدا وتكاد تكون منعدمة لاتتجاوز البرامج المتضمنة لرسائل الوعظ والإرشاد وتخاطب المشاهد وكأنه حديث العهد بالإسلام لا يفقه شيئا في دينه، ويخال للمرء وهو يتابعها ولكأنه في مأثم، أو ملاق ربه بعد حين.الشيء الذي يدفعه إلى تغيير المحطة والانتقال إلى الفضائيات العربية، لتتبع برامج أعدها دعاة كبار غالبا ما يزاوجوا بكفاءة وحنكة الجدية في التناول مع أسلوب العرض المشوق. وإذا ماتحدثنا على الغلاف المالي المخصص للشبكة رمضان فهو يتجاوز الملايير، ميزانية مالية مهمة في زمن الأزمة المالية الداخلية والخارجية " آش خصك العريان السيتكومات أمولاي "، كل هذه الجعجعة لتمويل سيتكومات تقلد الثقافة الامركية وتمجد ستار أكاذيبي وغيرهما من الانتاجات المحلية والسلسلات التركية المدبلجة بالدارجة... البعيدة كل البعد عن ذوق المشاهد المغربي الذي يدفع ضريبة هذه المهزلة التي عهدناها كل رمضان في هذه الانتاجات التي تستخف بذكاءه. إن برامج رمضان ككل سنة مذبحة وبكل المقاييس، للكلمة الموحية، والعبارة الراقية من خلال التطفل على اللهجة المغربية وتمييعها، غريب أمر تلفزيوننا فالوجوه نفسها تظهر كل عام وتكاد تكون محتويات برامجها متشابهة بل تكرر الأخطاء نفسها كما أنهم يعمدون إلى تسجيل بعض سكيتشات يكون الضحك فيها مسجلا ليجعلوا المشاهد يضحك" بزز "، لأنهم يعرفون أن المشاهد المغربي ليس من السهل ان تستخف به. فنحن لانطلب منهم ان يضحكونا بل نطلب منهم فقط نزع الابتسامة من افواهنا الشاحبة في زمن ارتفاع الأسعار والمضاربات، لماذا هذا الاستخفاف بأربعين مليون مغربي حتى أصبح " حلايقية " الساحات العموممية يسرقون الابتسامة والضحكة منا نظرا للعفوية والارتجالية التي تطبع كلامهم مقارنة بانتاجات تضخ فيها أموال كبيرة من جيوب المواطنين. الكل مسؤول عن هذا الاستخفاف بالمشاهد المغربي من الفنانيين الكوميديين الذين يقبلون المشاركة في هذه العروض الرديئة والكتاب ووالسيناريست والمخرج والشبكة الوطنية للاذاعة والتلفزيون التي تعتبر من ابرز المساهمين في هذه الرداءة بكونها لاتنتج برامج إلا نادرا وبالضبط مع اقتراب شهر رمضان . فالقائمين على القناتين الاولى والثانية درجوا سنة بعد أخرى على إدمان الرداءة والضحك الباسل، فباتوا بجيوب المواطنين يمولون عشرات المديريات التي لم يترتب عن أدائها إلا برامج عنوانها التقزز وستظل دار لقمان على حالها رغم تفريخ القنوات.