كل يوم من أيام رمضان، أمني النفس و«نصبرها» على ما أشاهده من مسلسلات وسلسلات كوميدية تعرض يوميا بينما المغاربة ملتمون على مائدة الإفطار. زرعت أملا في خاطري لعلني أجد مشهدا وحيدا مما يعرض طيلة ساعات الذروة، يجعلني أنسى حرقتي وأقدم عزاء لخيبتي وتبريرا مقنعا «للضريبة» التي نؤديها للقناتين الأولى والثانية على رأس كل شهر. أتنقل بين قناتينا لعلني أجد ما يجعلني أتلهى عن حرقة في دواخلي، لكن لا وجود إلا للرداءة والاستخفاف بالمشاهد المغربي عبر ما ابتدعوه من سلسلات كوميدية، لا أجد لها من عنوان يوحدها غير «التفاهة» التي ليست بالجديدة على قنواتنا. لكن الصبر «دار الدبر» ولا جديد يذكر، ونفس العبارة سأرددها: «التلفزة هاذ العام أكفس» من السنوات الماضية. حالي ليس أقل من غيري من المغاربة، والسبب بكل بساطة هو إصرار المسؤولين عن القناتين على التعامل بشكل فوقي مع المشاهد، والأكثر من ذلك مواجهة ردود أفعاله وانتقاداته بعدم الاكتراث واللامبالاة، والسبب، في نظري المتواضع، وجود رغبة مبيتة لديهم لتكريس الرداءة فيما يعرض على شاشتينا الأولى والثانية. هم يعون تماما أنهم يسخرون من المشاهدين، والمشاهدون أيضا يعون ذلك. ولكن ما السبيل لتخليص المشاهد مما يعرض من إنتاجات رديئة. لست وصية على الذوق العام للمشاهد المغربي، لكن من حقنا أن نعرف «فلوسنا» التي نؤديها على شكل ضرائب إلى أين تذهب وما مسارها؟ هل نؤديها فقط على إنتاجات تثير الأعصاب وتبعث على البكاء وليس الضحك كما يعتقد منتجوها؟ ومن أوهم مسؤولينا في القناتين بأن المشاهد المغربي يكون في حالة متوترة قبيل الإفطار ليشبعوه كوميديا بعد الإفطار مباشرة؟ وما معنى أن تتخذ وجوه بعينها التلفزة سكنا قارا لها؟ وبالتالي تتكرر معها نفس الحركات البهلوانية التي أجدها هي هي؟ ومتى يكف هؤلاء المسؤولون عن تبديد المال العام في إنتاجات كلها ميوعة وابتذال؟ ألم يستوعبوا بعد أن المغاربة يفرقون بين الجيد والرديء فيما تقدمه القنوات المغربية؟ كما ترون.. كمشة من الأسئلة التي تكدر علي وعلى غيري ولا نجد لها جوابا. ولحسن حظ الجميع أن هناك قنوات أخرى أجنبية نهرب إليها كلما أحسسنا ب«ظلم ذوي القربى». على الأقل هاته القنوات تحترم مشاهديها وتحترم أذواقهم وذكاءهم وتعاملهم ككائنات راشدة وليست قاصر. قلت لحسن الحظ، لأنه إن لم يكن هناك اختراع اسمه الفضائيات لكان أغلب المغاربة يصابون كل رمضان بانهيار عصبي. أمام كل هذا الابتذال الذي صار مقيما بالقناتين الأولى والثانية يحق لنا، أعتقد، أن نجري عملية جراحية لإزالة كل هاته الكائنات الممسوخة التي صارت تصيبنا بكل هذا التوتر والقلق وتنكد علينا جلساتنا الرمضانية. يحق لنا أن نحاسب كل من يتسبب في إهدار المال العام في كل هاته التفاهات. لدرجة أن بعضهم فكر في دبلجة مسلسل سوري إلى الدارجة المغربية وكأن المغاربة لا يفهمون هاته اللهجة. أليس هذا قمة الضحك على الذقون والعقول ولا أدري ماذا.