تطرق المحلل السياسي عمر الشرقاوي لخلفيات تعيين محمد حصاد وزيرا للتربية الوطنية بعدما تكلف بوزارة الداخلية، الأمر الذي شكل جدلا واسعا بين الصفحات الفايسبوكية المهتمة بالشأن التعليمي، حيث وضع تحليلا مفصلا حمل عنوان :"ماذا وراء تكليف محمد حصاد بمجال التعليم ؟" قام بنشره على صفحته بالفايسبوك. و هذا ما كتب الشرقاوي حول الموضوع : من المفاجئات القوية التي حملتها حكومة الطبيب النفساني سعد الدين العثماني، تكليف الملك محمد السادس لمحمد حصاد وزير الداخلية المنتهية ولايته بحمل حقيبة وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين، في الوقت الذي أمضى مهندس القناطر جل مساره المهني في معقل الادارة الترابية. ويبدو أن هاته الخبرة المهنية شكلت مصدر دعم كان حاسما لاتخاذ قرار تكليف حصاد بملف التعليم المليء بالألغام والأعطاب، وذلك بغرض تحقيق وظيفتين كبيرتين: 1- الوظيفة الضبطية للحقل التعليمي تاريخيا شكل مجال التعليم فضاء مفضلا لنشاط الفئات الاجتماعية ذات النفس الاحتجاجي، بل وشكل الباب الذي ولجت منه التيارات المعارضة خصوصا ذات العقيدة السياسية الإسلامية في علاقتها مع المجتمع. فقد عكس هذا المجال قدرة تلك الجماعات على التغلغل والتمدد في بنية المجتمع ومفاصله ومراكزه العصبية، عبر البوابة العريضة لفضاء المدرسة ورمزية المعلم والأستاذ، الذي أوجد شبكة من العلاقات ساهم في توسيع قاعدة ونفوذ الاجتماعيين التيارات التي ينتمي إليها. ويبدو أن الدولة ادركت في وقت متأخر رغم استثمارها في هذا المجال، أن حقل التعليم يعد موردا غنيا يغذي مراكز النفوذ الاجتماعي والسياسي للقوى السياسية المعارضة ويقف وراء صعودها، باعتبارها الفاعل نشيط في الحقل التعليمي، يباشر خطة ناجحة للارتباط بقاعدة المجتمع عبر شبكة قوية البنيان، تتولى تقديم خدمات تنشيئية أساسية وحيوية. ولا شك أن التراجع التدريجي لحضور الدولة في المجال التعليمي بالرغم من المبادرات التي اشرف عليها الراحل مزيان بلفقيه، وفر للمعارضين سواء من داخل المؤسسات أو من خارجها شبكة من الولاءات السياسية ومصدرا مهما لصياغة رأسمال بشري، وهو ما ترجمته بعض تلك القوى بنجاح إلى مكاسب سياسية وبرلمانية ونقابية وجمعوية وتنظيمية. ومع تضرر فئات عريضة من زبناء ومرتفقي ورجالات التعليم من السياسات والقرارات التعليمية أصبح أمر استقلاليته وحياده صعب المنال، بل أفضى هذا الوضع إلى تحوله لمواقع مضادة تطورا عاديا للأمور. ومن ثمة يمكن فهم تعيين شخصية وازنة مثل محمد حصاد الذي تراهن عليه الدولة من خلال قراراته وسياساته استرداد الحقل التعليمي من الفئات المعارضة والاستفادة من مكاسبه السياسية في توسيع قاعدة شرعية الدولة . لذلك فستكون مهمة حصاد الأولى والمستعجلة هي القيام بكل ما من شأنه ضبط وتحييد التعليم كمصدر ثري تمتلكه القوى المضادة وتوظفه للتجنيد السياسي وبناء النفوذ الاجتماعي والتنظيمي، أو على الأقل الحد من تصاعد دور بعض القوى التي تشكك في القواعد السياسية المعمول بها مقابل غض البصر عن البعض الآخر الذي يقبل وتركه يستفيد من الحقل التعليمي دون الإخلال بالتوازنات الاجتماعية المطلوبة. فمهمة حصاد ستكون بالأساس انتاج أساليب متنوعة وفعالة للتحكم في كل الفضاءات والرموز التعليمية، والحيلولة دون تحويلها من أي طرف لأدوات للتعبئة السياسية وقنوات للاتصال المباشر بالجماهير. 2-الوظيفة التدبيرية للحقل التعليمي في سعيها لتحقيق هدف استعادة الحقل التعليمي من أي نزوعات معارضة وضبط توزناته الاجتماعية، باشرت الدولة منذ أكثر من عقد ونصف عددا من القرارات لهيكلة الحقل التعليمي من خلال تأسيس مجموعة من الهيئات الاستشارية (المجلس الأعلى للتربية والتكوين) والمؤسسات الاجتماعية (مؤسسة محمد السادس للنهوض بأوضاع رجال التربية والتكوين) التي أسندت لها مهمة القيام بتحسين ظروف عيش أسرة التعليم المتكونة من أكثر من 300000 عضو متفرقة بين المعلمين, الموظفين والمتقاعدين المنتمين لقطاع التعليم العمومي . ويبدو ان دولة ستشرع خلال العشرية المقبلة في اتخاذ تدابير وقرارات وسياسات سيجعل من الفاعل الدولتي بديلا مهيمنا عن المؤسسات الاجتماعية الوسيطة والرابطة الوحيدة والمباشرة مع المستفيدين من الخدمة التعليمية. ولذلك بادرت إلى وضع استراتيجية عشرية للنهوض بواقع المنظومة التعليمية. وتدرك الدولة انه لا يمكن القيام بتنزيل الاستراتيجية التعليمية دون سياسة تدبيرية ناجعة يشرف عليها أشخاص أكفاء وذوو ولاء كبير لمؤسسات الدولة. وتعول الدولة كثيرًا على ولاء وتجربة ومسار حصاد كرجل مهمة ( homme de mission) اطلع على الصندوق الأسود للدولة وعلى تفاصيل صناعة القرار الأمني والترابي لمواجه مهمة صعبة ومن نوع خاص تجعله في احتكاك مباشر ودائم مع فاعلين اجتماعيين ومرتفقين مختلفين ذوي أمزجة صعبة على الضبط والتحكم الصارم. بيد أن الجهات صاحبة قرار تكليف حصاد بقطب التعليم بمستوياته المتعددة (أولي، وعالي) تهدف إلى تقديمه رغم بعده تخصصه المهني عن منصبه الوزاري كمدبر((gestionnaire قادر على وضع السياسات وتصنيف الإجراءات ذات الأولوية للشروع فعلي في تنزيل الرؤية الاستراتيجية على المدى القصير. فالدولة تدرك أن حصاد قد يعاني عجزا فيما يتعلق بمقومات الشرعية بسبب عدم انتماءه للمجال التعليمي وحساسية رجال التعليم من مساره الأمني، لكنها تراهن على مشروعية انجازه وقدرته على تحقيق اختراقات سريعة في ميدان تركه سلفه مليئا بالفوضى غير الخلاقة.