إن قضية التعليم و التربية مهمة جدا لتطور المجتمع في جميع مجالاته ، و كان من المفروض أن يضعها الفاعل السياسي في أولى الأولويات ، تحديدا في المرتبة الثانية بعد قضية الوحدة الترابية . فالجميع يتفق معي أنه لا تقدم المجتمع بدون التعليم و التربية ، ليس فقط في المدرسة و إنما في جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية ، فالاهتمام بهما ، في رؤية تجديدية و تطويرية ، يحقق التنمية الثقافية الراقية و التي هي مفتاح التنميات الأخرى ، في مختلف القطاعات. لكن مع الأسف نلاحظ في بلادنا أن الأحزاب السياسية كسلطة أساسية تنازلت عن قضية التربية و التعليم لمصلحة الدولة العميقة ، و هذا يكشف عن عطبين : الأول هو أن هذه الأحزاب تستلهم من الماضي أغلب مرجعياتها و مفاهيمها من أجل الحاضر ، و ليس في وسعها أن تخوض غمار مجتمع له أفق مستقبلي . فالتخلي عن مشروع التعليم و التربية هو قطيعة استراتيجية مع المستقبل . و الثاني و هو أن هذه الأحزاب لا تدرك أن التعليم و التربية هي الوسيلة الوحيدة للتطور الثقافي و القيمي لفائدة أجيال اليوم و الغد ، فالمشروع السياسي لأي حزب لا بد أن يستحضر هذا الأفق. إن التخلي عن رؤية تعليمية و تربوية يرهن هذه الأحزاب في رؤية ماضوية غير منتجة لأي مشروع مستقبلي و لا تثير حماس الشباب، و من جهة ثانية تظل هذه الأحزاب حبيسة وضع راهن تتحكم قوى الدولة العميقة في شروطه، و لا تتعدى أن تكون إرادة هذه الأحزاب أكثر من ردود فعل إشراطية ، و هذا يوسمها بالعجز و التبعية .