حَاورَهَا: الكَاتب رَشيد العَالم تعتبر (شيرين خاكان) مِن مواليد مدينة كوبنهاغن ب(الدانمارك) سنة 1974 من أب سوري مسلم وأم فلندية مسيحية. درست اللغة العربية بدمشق والقاهرة، وحصلت على الماجستير من جامعة كوبنهاكن في الفلسفة وعلوم الدين والاجتماع، ولهَا ثلاثُ كتب إسلاميَّة. وهي متخصصة في الدراسات الإسلامية المعاصرة والتصوف بالمشرق العربي، وتعد أولُ إمامَة مسجد، وأول امرأة أسَّسَت منظمة (فيم-إمام)-( (Fimimanللدافع عن حق المرأة في الإمَامة في الصَّلاة، وفق مبدأ المسَاواة بين الرجُل والمَرأة، وذلك من أجل نشر إسلام حَدَاثي تقدمي يُسَايرُ العَصر ولا يتناقض مع مبادئ الدول الأوروبيَّة، كما تعد (شيرين خَاكان) مُتخصصة في علم الاجتمَاع وعلم مقارنة الأديان، ومرشحة سابق للبرلمان الدنمركي، ولها منشورات ومقالات في الصحافة الدنمركية والدولية. _ كيف تنظرين إلى إمامة المرأة في السياق المعاصر ؟ إن العصر الحالي يختلف عن العصور السابقة، فكل شيء في تغير وتطور دائم، والأيديولوجيَّات والأديان ليست بمنأى عن هَذا التطور، بل إنه من الضروري أن نعمَل على إعادة قراءة الدين الإسلامي وفق منظور جَديد، منظور يعيد للمرأة كرَامتهَا ويضمَنُ لها حريتها، وفق مبدأ المساواة مع الرجل، فالذكورية والأبوية كانت طاغية على كل القرَاءاتِ الدينية والتفسيرية والفقهية والتأويلية والاجتهادية، وبالتي سيطرت على الحقل الديني والإرشادي فأنتجت لنا فكرًا دينيًا ذكوريًا يقصِي المَرأة ولا يعترف بحقها واستقلاليتها، بل إنَّ بعض المَواضيع التي تهمُّ المَرأة، يتم الاجتهادُ فيهَا من طرف رجَال الدين دون اللجُوء إلى النساء، والأخذ بآرائهم وبالتالي وَجَب تأسيس قراءة معاصرة تنخرط فيهَا النساء، وهو ما تم بالفعل وهو ما نناضلُ من أجلهِ وهَذا هُوَ هَدفنا. _ ما هي الخدمات التي يقدمها (مسجد مريم) الذي أسسته والذي تعملين به كإمامة وخطيبة تلقين الدروس كل يوم جمعة ؟ المسجد الذي أؤمه ليس مجرد مسجد فقط وإنما هو يقدم مَجموعَة من الخدمات، فهناك الكثير من النساء اللواتي يتوافدن على المسجد من أجل أداء الصلوات الخمس، و يقارب عددهن ما بين 60 و 80 مصلية، ويمكن للنساء أن يحضرنَ إلى المسجد، حتى اللواتي ليسُوا بمسلمات، وذلك من أجل تعريفهنَّ بدِين الإسلام وقيم التعَايش والتسامح والمحبَّة التي يدعُوا إليها، فكثير من النساء يتوافدن ويحضرن ليستمعن إلى خطبة الجُمُعة، وليتدارسن القرآن والتفسير.. وعلى غرار الصَّلوات الخمس، يقدِّمُ (مسجد مريم) خدمات مَجانية في مَسألة عقد القران، وجَولات وزيارات ومُحَاضرات في المَسَاجد وتنظيم مراسم لزواج المسلمين، والنظر في أمور الطلاق ومسألة اعتناق الدين الإسلامي، كما تخصص فيه دُروسٌ فِي اللغة العربية، ودُروس في الدين والعقيدة الإسلامية والتصَّوف، كما تنظم مُحَاضرَاتٌ يشرف عليها عُلمَاء ومفكرين. ما هي الأهداف التي تتوخين بلوغها من خلال هذا النموذج النسوي الذي أسست من خلال الإطارات والمنظمات المتعددة التي أنت عضو فاعلة بها؟ من بين الأهداف التي نركز عليها هي دَعوَة النسَاء إلى المساجد. فمن المعلوم أن الإسلام في الغرب يُعَاني من قضية التسييس والشَّيطنة الإعلامية والمسلون أيضًا يعانون من تهمة الإرهاب والإسلاموفوبيا.. والنساء المسلمات بأوروبا لا يرتادون على المَساجد بشكل مكثف إلا يوم الجمعة، باعتباره فريضة فرضهَا الله سبحانه، ومن هناك جاءت هذه الفكرة، فكرة تخصيص أماكن خاصة للناس حيث يمَارسْن الصلوات الخمس، وهذا الأمر لا يناقض الإسلام كما يعتقد بالبَعض، بل في المقابل هو نشر للإسلام وحَث للنساء على المَجيء إلى بيوت الله من أجل أداء الشعائر التعبدية، ويستند مسجد مريم على العدالة الاجتماعية والعبودية والمعرفة وخدمة الإسلام والعمل على نشره، لا على خلق تمييز وفروقات بين الرجال والنساء، وإنما رد اعتبار لهذه المرأة التي عانت منذ قرون عديدة من الإقصاء بالاسم الدين، وعدم السماح لها بالانخراط في هموم المجتمع والأمة باسم الدين، والدين بريء من هذه التأويلات الأبوية والمحتقرة للمرأة، براءة الذئب من ذم يعقوب ومن بين أهدافنا أيضا: تشجيع القيم الإسلامية التقدمية. الدعوة إلى إشراك المرأة تعمل كإمامة وخطيبة داخل وخارج الدنمارك. العمل على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة المسلمة. تحدي الإسلاموفوبيا المتزايدة في الدنمارك وأوروبا. تحدي الهياكل السلطة الأبوية في قيادة العبادة والتعليم والتوجيه. تحدي احتكار الرجال على تفسير القرآن، والاجتهاد الفقهي. تنظيم الحلقات الدراسية وتقديم الرعاية الروحية. تعريف الأجانب بالإسلام الحقيقي في ظل انتشار المد الوهابي و الإسلام المتشدد. _ ألا ترين أن أمر إمامة المرأة ليس من السهل تقبله خاصة عند الدول العربية، هل الأمر كذلك بالنسبة لأوروبا ؟ لا بالعكس، بعض الدول العربية بدأت تشهدت صحوة دينية وفقهية، وقد برَزَت ناشطات و نساء دين ومفكرات وعالمات، وبرزت تيارات نسوية من أجل تمكين المرأة في الشرق الأوسط. ففي عام 1923 بدأت أولى الحركات النسوية التي أسستها (هدى شعراوي) تحت اسم (الاتحاد النسائي المصري) عام 1923، وقد ألهمت الحركات النسوية المصرية جيلا جديدًا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. مثل عاَلمة الاجتماع المغربية والكاتبة (فاطمة المرنيسي) (1940-2015) التي أسست النموذج النسوي الإسلامي الجديد سنة 1980 جنبا إلى جنب مع (أمينة ودود) و عالمات بَارزَات. وفي المقابل هناك صحوة أخرى بأمريكا شهدَت بُرُوز مساجد تؤمها نساء، كإحدى المَسَاجد في (لوس انجليس) الذي تؤمه امرأة، وقد حظيت هذه المبادرة بدعم من قبل الجاليات الإسلامية الكبرى ومجلس الأئمة في (لوس أنجلس). وفي (برادفورد) أيضا، وكذلك في (انجلترا) و(الصين) و(ماليزيا).. وغيرها، والمغرب أيضاً يتبنَّى هذا الانفتاح الديني على المرأة والعمل على تحريرها من الهيمنة الذكورية في كل القطاعات وذلك من خلال برنامج تكوين المرشدات الدينيَّات، وفي بعض الأحيان نرى أن المرأة تخطب أمَام الملك، الذي يعتبر أميرًا للمؤمنين بالمغرب، وهذه تعد قفزة نوعية وعلى الدول العربية أن تستفيد من النموذج المَغربي في إدماج المرأة في الحَقل الديني وإن كان نسبيا مقارنة مع الطفرة التي شهدتها دول آسيا وشرق أوروبا في هذا الميدان. _ هل هناك ما يشرعن إمامة المرأة في الإسلام ؟ علينا أولا أن نؤكد عَلى أمر مُهم، أن القراءات الذكورية للقرآن والسنة، أنجبت لنا تأويلات ذكورية لا تعترف بدَور المَرأة، بل في المقابل، تمعن في إقصاء المرأة ووصفها بأنها ناقصة عقل ودين، ولو كان يسمح للمرأة بتفسير القرآن إلى جانب الرجال لكان الأمر مختلفا تمامًا، وبالتالي فنحن في حَاجَةٍ ملحَّة لإعادة قراءة التراث الديني الإسلامي على ضوء الاجتهاد الذي يأخذ بعين الاعتبار دور المرأة الذي يؤكد عليه القرآن الكريم، فالقرآن الكريم يعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل. غير أن التأويلات التي كانت حكرًا على الرجال والمفسرين جعلت المرأة تعاني من الإقصاء والتهميش. فجواز إمامة المرأة للنساء قالت به : عائشة (رضي الله عنها) ، وقال له (ابن عمر) و(ابن عباس) و(أم سلمة) و(عطاء) و(سفيان الثوري) و( الأوزاعي) و(الشافعي) و(اسحاق) و(أبو ثور)... وقد روي عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وسطهن، وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن عائشة رضي الله عنها كانت تؤم النساء في شهر رمضان. وأما عن إمامة الرجل للمرأة فقال بجَوازها، (أبو ثور) و(المزني) و(الطبري).. قالوا بأنه يجوز للمرأة أن تؤم الرجال، والحجة لهم أن أم ورقة بنت عبد الرحمن بن الحارث قالت : [ إن رسول الله جعل مؤذناً يؤذن لها ، وأمرها أن تؤم أهل دارها ] غير أن الأمر يبقى خلافا فقهيا بين العلماء، فهناك من يؤيد إمامة المرأة وهناك من يعارضها.