مرة أخرى أجد نفسي أقتني جريدة ورقية بعيدة كل البعد عن المهنية والموضوعية والأخلاق ...ليس هذا الحكم هجوما هجائيا على الصحافة الورقية بقدر ما هو واقع نلامسه بين صفحات هذه الأخيرة ومادتها الخبرية المقتبسة من مصادر أخرى لا تكلف تلك الجرائد نفسها عناء ذكرها كمنبع للمعلومة والخبر . أجدني أطالع مقالا لأحد الكتاب الصحافيين يعيد فيه تبيئة مقال لكاتب صحافي آخر ، إلا أن الفرق لم يكن سوى موضوع المقال ، أما الأسلوب والكلمات فقد ظلت نفسها بدون أية تغييرات تذكر . أحسست في البداية بشعور يخامرني بأن المقال قد سبق لي أن قرأتهفي جريدة أخرى ، لكن أين وكيف ؟ تلك هي الحقيقة التي وصلت إليها بعد إعادة قراءتي للمقال ، مقال لم يكن سوى لصحافي آخر قام الثاني بنسبه إليه مع تغييرات بسيطة لاتمس مضمون المقال وسياقه العام... . أطالع على نفس الجريدة ، كما هو الحال عليه في جرائد أخرى ، أخبارا مستقاة من مواقع إخبارية متنوعة على شبكة الإنترنيت مرفوقة بتوقيع الجريدة ! وهنا يطرح إشكال مهني وأخلاقي عميق يتمثل في مدى احترام تلك الجرائد لحقوق الملكية الفكرية ؛ هل يحق لتلك الجرائد أن تعيد نشر مواضيع أخرى وتتصرف فيها دون ذكر مصادرها ؟وبناءا على هذا ، ما مدى احترامها لعقل القارئ وذكائه ؟ إذ أننا أمام إعلام المصادر المفتوحة والمتنوعة فإلى جانب الإعلام التقليدي هنالك إعلام عصري كسر قيد احتكار المعلومة ... وكما هو معلوم فإن الإنترنيت -في شقه الإعلامي أساسا- يشكل مصدرا للمعلومة بالنسبة للصحافة المكتوبة ، خاصة ما يرتبط منها بالحدث الوطني والدولي والمعلومة في سياقها العام ، اعتبارا لسرعة تعاطيه مع المستجداث واتسامه بالقرب الزمكاني وزيادة التقارب العالمي، وأخدا بعين الاعتبار لما يتميز به من خصائص تجعل منه منافسا لتلك الجرائد في التغطية الإعلامية بل ومتفوقا عليها في الكثير من الأحيان . وقد بينت التجارب أن الصحافة الإلكترونية كانت دائما أكثر سرعة من الصحافة الورقية وتتمتع بقدر أكبر من المصداقية والتفاعلية التي تدخل ضمن إطار ما يمكن وصفه بإعلام الممانعة . هذا بالرغم من أن الصحافة الإلكترونية في عالمنا الثالثي لم تكتسب شرعيتها القانونية وتبقى إجمالا صحافة أفراد أكثر مما هي صحافة مؤسسات ؛ أي أن تلك الصحف الإلكترونية قامت بفضل جهد فردي ، معنوي ومادي ، وتضحيات تدخل ضمن ما سبق لنا تلقيبه بإعلام الممانعة . لذا فإنه لا أحد بإمكانه إنكار الحضور المتميز للصحافة الإلكترونية وتواجدها على الركح الإعلامي الذي ظل إلى وقت قريب حكرا على المؤسسات الرسمية ولإعلام تلك المؤسسات العامل بمنطق المدح والتبجيل ، فبفضل الصحافة الإلكترونية وقعت طفرة نوعية على الصعيد الإعلامي وتحقق مطلب دمقرطة الولوج لوسائل الإعلام ... أما الصحافة الورقية التي نتحدث عنها فإن تحديا حقيقيا يواجهها يفرض عليها تطوير خطها الإعلامي وتقوية حضورها الإلكتروني قبل أن تتلاشى ويتجاوزها الواقع والتاريخ[/face][/size][/B][/color]