الشذوذ الجنسي آفة خطيرة بدأت تلقي بظلالها على المجتمعات العربية والإسلامية، ومن ضمنها المغرب، والشذوذ يهدد استقرار الأسر ويضرب في العمق كنه الكيان البشري، ومع الأسف فأغلب ضحايا الشذوذ هم أطفال لم يعوا بعد المجتمع من حولهم، فيتم استغلالهم في مآرب شخصية يفقد معها الطفل إحساسه بالأمان ويشعر بالدونية وباختلافه عن الآخرين طيلة حياته، مما يجعله ينحرف في أفكاره وسلوكه ويهرب من العيش مع أقرانه باحثا عن أشخاص يعانون مثله ليشعر معهم بالأمان، لكن مع الأسف سرعان ما يفقد هذا الباحث عن الأمان بين الشواذ ثقته في الجميع ويبدأ العيش في متاهة من المشاكل والأزمات. ضحايا الشذوذ مع الأسف يتحولون بدورهم إلى شواذ، ولعل هذا ما حدث مع الشاب المغربي خالد من مدينة القنيطرة الذي أورد قصته كاملة لموقع إسلام أون لاين، وكيف أنه تعرض للاستغلال الجنسي من لدن جده والد أمه في سن مبكرة. خالد شاب عمره الحالي 26 سنة، استغل منذ 1996 من قبل شاذ وكان يمارس عليه الشذوذ الجنسي، مما جعله يدخل لهذا المجال إلى غاية 2005 حيث انقطع عن ذلك، وكانت تصله عروض من شواذ من خارج المغرب بمبالغ مالية مغرية، لكنه رفض الاستمرار في ذلك الطريق معلنا اقلاعه وأن العدالة الربانية كفيلة بإرجاع براءته التي اغتصبت منذ سنواته الأولى في الحياة. تعرض خالد للاغتصاب المتكرر منذ أن كان عمره 4 سنوات إلى غاية 12 سنة من قبل جده، عاش معه وكان ينفرد به مرارا وتكرارا ويغتصبه، وكان يهدده كثيرا ويضربه بعنف وقسوة، كان يربطه من عنقه أمام باب المنزل، وتارة يقيده ويعلقه. كان أيضا يمنعه من اللعب أو الخروج مع أقرانه من الأطفال، حتى أصبح معروفا في مؤسسته التعليمية بالمعقد، وحتى إنه إذا حدثه شخص كان يهرب. لم يخبر والديه ولا أي قريب له بما حدث له، تعرض بسبب ذلك لعدة أمراض نفسية وعضوية، وكان يفكر في الانتحار كثيرا كلما تذكر ما وقع له طيلة تلك السنوات. فقد الثقة في الجميع بمن فيهم والداه، ولازالت تراوده لحظات الانتقام وقتل الجد وإنهاء حياته، لكنه يكابر ويحاول تقوية إيمانه بالله العادل، والذي سينصفه بالتأكيد من كل ما تعرض له من ظلم من أقرب الناس إليه. ومع أن خالد تقوى عضده اليوم وأصبح شابا إلا أن الجد المريض ما يزال يحاول استدراجه، الأمر الذي جعل علاقة الطرفين غير مستقرة وجعل التفكير في قتل الجد هو هاجس خالد لولا قوة إيمانه بأن الله يمهل ولا يهمل. يلقي خالد اللوم على ما وصل إليه على هذا الجد، لأنه ما كان سيكون هكذا لولا فعلته الذميمة التي تضرب بعرض الحائط كل الأخلاق الإنسانية، وليس حديث هنا عن القرابة .. كما ذكر في حواره مع إسلام أون لاين. ورغم كل المآسي التي مر منها هذا الشاب إلا أنه ما يزال يعجز عن إخبار والديه بما حدث له خشية أن يتسبب ذلك في تشتت العائلة بسبب هذه الفضيحة، كما أنه يعتبر أن العدل الوحيد الذي سينصفه هو الله تعالى، لأنه العادل علام الغيوب. عندما يفكر خالد بينه وبين نفسه فيما يحدث أنه غير طبيعي، وأن ذلك الطريق شاذ ويوصل إلى نتائج لا تحمد عقباها يسلح نفسه بقوة الإيمان وعزيمة الإرادة لينقذ نفسه من براثن هذا العالم الذي لا يؤدي به ولا بكل الشباب إلا إلى الهلاك. ولعل الترابط الموجود بين الشواذ يرجع بالخصوص إلى ما اعتبره خالد أن الشاذ لا يحس بالأمان إلا مع الشواذ، فهم عائلته الحقيقية، لأنهم لا ينبذونه لما يفعله عكس عائلاتك إذا علمت بالموضوع فإنها قد تقتلك، فما بالك بالمجتمع ؟؟ لذلك فمجتمع الشواذ مجتمع معقد من حيث الترابط بينهم. وعن الكيفية التي استدرج بها خالد للشذوذ الجنسي يقول إنه كان يحس بفراغ عاطفي رهيب، فالجد الذي كان المفروض فيه أن يملأه حنانا وحبا كان هو من اغتصبه ودمر حياته .. ولم يكن يقدر أن يحكي ما كان يحدث له من اختلال.. وكان يبحث عن ملء الفراغ العاطفي خارج الأسرة التي فقد فيها الثقة هي كذلك.. وخصوصا بعد حادثة وقعت له أمام أعينهم عندما حاول الجيران، وبموافقة الوالدين، تجريده من ملابسه في محاولة منهم لفك العقد عنه وتركه خارج باب المنزل بدون ملابس وهم يضحكون وهو يتذمر داخليا .. الأمر الذي اعتبره خالد دافعا قويا له كي يخرج من المنزل تلك الليلة، وهناك التقى شابا في الطريق احتضنه وأحس بمعاناته كما يقول، وبدأ يشعرني بذلك النقص ويعطيه الاهتمام حتى وجد نفسه معه في علاقة جنسية استمرت وبدأت تتشعب مع آخرين وهكذا. الشيء الذي جعل خالد يعتبر أن التربية الجنسية شيء أساسي، إذ يقع على عاتق الوالدين نصح أبنائهم ومصاحبتهم وأن يفهموا احتياجاتهم. نجاة من الشذوذ حين خصص لنفسه وقفة صريحة بالرغم من ألمها إلا أنها كانت حافزه الكبير نحو الإقلاع عن الشذوذ بشكل نهائي. بعد تمعنه في رأي الشرع من الشذوذ، وأنه مخالف للطبيعة البشرية السوية . وأيضا بعد تفكير عميق في مستقبله وتساؤلات عميقة من قبيل: هل سيبقى هكذا طول حياته؟ ألن يبني أسرة؟ ألا يمكن أن يكون له أولاد وأسرة حقيقية؟ كما اعتبر خالد أن المساعدات النفسية والمعنوية التي تلقاها من أصدقائه كانت هناك مدعما له من أجل تخطي هذه العقبة، وكانت أصعب لحظة هي لحظة المصارحة والخوف من أن ينبذ، حسب خالد، لكن هؤلاء الأصدقاء تجاوزوا الصدمة وباشروا في تقديم النصائح والمآزرة وأشعروه أنه منهم. الوقاية خير اعتبر خالد أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأهل، مؤكدا أن الآباء والأمهات بالخصوص يلزمهم التنبه جيدا إلى أبنائهم وبناتهم أين يقضون أوقات فراغهم .. وأن لا يدعوهم ينعزلوا، وفي نفس الوقت أن يساعدوهم في اختيار الرفاق والأصدقاء ..وعلى الأب أن يجعل ابنه صديقا وليس ابنا عضويا فقط؛ بل يتشارك معه في نقاشات شخصية وعائلية .. وكذلك الأم تفعل .. وعادة عندما يبدأ الشخص في سلوك منحرف حسب خالد فإنه يلجأ إلى أسلوب الانعزال داخل المنزل ومع العائلة، ويختلي بشكل كبير مع الأنترنت. ومن جانبه اعتبر الدكتور أحمد المطيلي أخصائي نفسي أن مسالة الشذوذ الجنسي تستوجب الوقاية قبل العلاج، شأنها في ذلك شأن بقية الاضطرابات والأمراض النفسية والعقلية والانحرافات. ومن أولى خطوات الوقاية الوعي بمسألة الشذوذ الجنسي وإشاعة الثقافة الجنسية السليمة بما يوافق مرحلة النمو للطفل داخل البيت وفي المدرسة وفي وسائل الإعلام المعتنية بأمور تربية النشء. ولعلنا نجد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنته ما يحضنا على أن لا نستحيي في أمور الدين ولو في الجنس! وقد شملت السنة النبوية حسب الدكتور المطيلي عددا من الإرشادات الوقائية ليس أقلها التفريق بين الأبناء في المضاجع، والاحتشام في الملبس، والتحذير من تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وغض البصر، والحض على الزواج. ومن مقتضيات التربية الجنسية المنسجمة مع الفطرة وضع مسألة الجنس في موضعها الطبيعي بلا تهويل أو تهوين، وبلا زيادة أو نقصان، ومساعدة الطفل على تكوين توجهات ومواقف صحيحة نحو الجنس الآخر مع مراعاة الآداب المتصلة بالأخلاق الجنسية بدل أن يضمر في نفسه النفور والاشمئزاز والتقزز أو الخوف أو العداوة والبغضاء وما شابه. هذا من الحرص على التنشئة السليمة للنشء بما تتيح له من تشرب للأخلاق الضابطة للنزوات والغرائز في سلوكه مع نفسه ومع غيره من أفراد الجنس الآخر بلا إفراط ولا تفريط. أما العلاج النفسي حسب المطيلي فيقتضي السعي لاستكشاف مواطن الخلل في النمو النفسي والوجداني، وتفريغ الشحنات الانفعالية المكبوتة المترتبة عن الصدمات أو الخبرات الوجدانية والجنسية التي عانى منها الفرد في صباه، وتصحيح الاتجاهات أو المواقف السلبية التي ترسبت في أعماقه قبل أن يتلمس الطريق نحو عادات وجدانية سليمة وخبرات جنسية جديدة. ومن جهته أكد خالد أنه ستكون هناك غالبا صعوبات في البداية لأن الجسم تعود على عادة معينة.. لكن الأصل دايما يبقى دائما أصلا، وأن الشاذ سيحتاج إلى صبر وجهد وعزيمة حتى يعود إلى طبيعته العادية، ويمكنه أن يعيش حياة طبيعية ويكون أسرة سعيدة، معلنا في الوقت نفسه أنه من أجل إنقاذ مجتمعنا من هذه الظاهرة الخطيرة لابد من تضافر الجهود لجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والمواطنين أنفسهم والأسر نفسها من خلال تربية جنسية سليمة.. وأيضا أن يسعى الإنسان إلى ملء الفراغ بما ينفع، لأن الفراغ قاتل ومدمر.. وعلى الجميع أن يحارب جمعية الشواذ في المغرب لأنها ستجعل الشذوذ أصلا وتنبته نبتة فاسدة في الأجيال القادمة. سميرة ايت امحند