المفاوضات الغير المباشرة التي انتهت مند ايام بين طرفي النزاع في قضية الصحراء، لم تتوصل إلى حل يفضي إلى طي ملف القضية نهائيا، وأي نتائج سلبية لن تكون فشلا لطرفي النزاع فحسب، بل فشلا للمجتمع الدولي، وهو الشيء الذي لم ولن تسمح به الولاياتالمتحدة وفرنسا وإسبانيا، إذن لا يمكن للمفاوضات المباشرة المقبلة أن تخفق مهما كان الأمر، وهنا بالضبط تكمن عقدة هذه المفاوضات الجوهرية، فلا خيار إلا التوصل لحل يطوي الملف نهائيا وبدون رجعة. أين تكمن صعوبة المفاوضات؟ إن صعوبة المفاوضات لا تكمن بالأساس في قابلية الحلول المقترحة للتطبيق أو عدم قابليتها، وإنما تكمن في كون البوليساريو، مع الأسف الشديد، لا تمتلك سلطة القرار والتقرير في قضية تهم الصحراويين، وإنما مازال من المفروض عليها الخضوع لما يريده جنرالات الجزائر. مهما قيل بخصوص صعوبات المفاوضات، سواء في جولاتها الأولى أو بخصوص جولاتها الا خيرة او المباشرة التي من المتوقع ان تبدأ خلال منتصف الصيف القادم فإن السكة التي ستؤدي إلى المآل، مرسومة مسبقا، لا يمكن الانحراف عنها قيد أنملة، ومآلها الأكيد، مهما كانت الظروف، هو: نهاية البوليساريو واعتماد مقترح البيت الأبيض إذا اتفق الطرفان أن لا يتفقا. حرب التصريحات بعد نهاية الجولة الا خيرة من المفاوضات انطلقت مباشرة حرب التصريحات. إن تصريحات قادة البوليساريو لا تخرج عن نطاق مفهوم المشروعية الدولية ومبدأ حق تقرير المصير ورفض الاحتلال وإعطاء الكلمة "للشعب الصحراوي" للاختيار، في حين تركز تصريحات المسؤولين المغاربة على فحوى مقترح الحكم الذاتي كأنجع سبيل وأضمن مخرج لطي ملف الصحراء نهائيا، وذلك باعتباره عرضا شاملا غير قابل للانتقاء، وهو الإطار الوحيد الممكن للمفاوضات ونقطة الوصول الحتمية لمسلسل تلك المفاوضات. لم يكشف الطرفان، المغربي وقادة البوليساريو، على أي معطى بخصوص التحضيرات للجولة المقبلة. هذا في وقت يعطي فيه مجلس الأمن الأسبقية للمقترح المغربي مع محاولة توليفه جزئيا بموقف البوليساريو، إذ وصف المبادرة المغربية بالمنطقة بالجدية القابلة للإغناء في إطار التفاوض التوافقي، علما أنها تنص على طرح الحكم الذاتي على السكان المعنيين خلال استشارة استفتائية حرة وفقا للشرعية الدولية ومبدأ الحق في تقرير المصير، كسبيل للم شمل كل الصحراويين وإنهاء المأساة الإنسانية التي دامت أكثر من ثلاثة عقود. وأخيرا اهتمت واشنطن بملف الصحراء إن المتتبع لموقف البيت الأبيض من قضية الصحراء، يلاحظ أنه كان يعتمد في البداية عدم الاهتمام واللامبالاة بالأمر، إلا أنه مع اعتبار "التصدي للإرهاب" من الأوليات، اتجه اهتمام العم سام بالمنطقة، إلى أن وصل به الأمر إلى الإقرار بضرورة فض ملف الصحراء قبل حلول نهاية سنة 2012 مهما كان مآل المفاوضات. أكد أكثر من مصدر أمريكي وازن أن واشنطن عازمة على طي ملف الصحراء قبل حلول 2012 مهما كانت الظروف، ولو تطلب ذلك تدخلا مباشرا من طرفها وفرض حلا على جميع الأطراف المعنية. وحسب آخر التطورات، إذا لم تنجح المفاوضات بين الطرفين كما هو منتظر من طرف البيت الأبيض، من المحتمل جدا أن تفرض الولاياتالمتحدة حلها الرامي إلى حكم ذاتي فيدرالي شبيه بالنمط الأمريكي مع صلاحيات تفوق الحد الذي رسمه مقترح الحكم الذاتي بالتصور المغربي، لكن دون أن يتجاوز حدود السيادة؛ وكل المؤشرات البارزة إلى حد الآن تفيد أن هذا هو الحل الذي سيفرض في نهاية المطاف على الطرفين حتى لا يبدو أحد الأطراف قد انتصر على الطرف الآخر، علما أن حل الاستفتاء أمر غير ممكن اعتبارا للصعوبات الجمة المرتبطة بتطبيقه بعد تراكم مشاكل 35 سنة من عمر إشكالية الصحراء، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا أحد الآن، سواء على الصعيد الإقليمي أو القاري أو الدولي، يقبل إحداث دويلة ضعيفة بالمنطقة تكون بؤرة للإرهاب أو لقمة سائغة له، ومن جهة ثالثة، وهذا أمر إيجابي بالنظر إلى تموقع المغرب، تبين بجلاء حاليا بأن الجزائر طرف معني حتى النخاع في قضية الصحراء، لاسيما الحكام العسكريين (الجنرالات) الذين لازالوا يكنون حقدا عميقا للمغرب. وهناك أكثر من حادثة تبين حقد الجنرالات الجزائريين الدفين على المغرب، ولعل أبرز المواقف التي كشفت هذا الحقد موقفهم بمناسبة حادثة جزيرة ليلى، باعتبار أن الهدف الذي ظل يحركهم هو إضعاف المغرب ولو دعا ذلك إلى التحالف مع الشيطان، ومن جهة أخرى، وهذا ما أحرج الحكام العسكريين الجزائريين، أن الاقتراح الذي تقدم به المغرب، شكل أول اقتراح واقعي برغماتي قابل للتطبيق حالا، وجاء المقترح الأمريكي لتقوية الاقتراح المغربي، في حين أضعف، إلى حد اللفظ، مقترح البوليساريو والموقف الجزائري المتستر..... لقد حكم الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بالإعدام على جبهة البوليساريو، إن هي لم تعدم نفسها بنفسها بالاتفاق على حل نهائي لقضية الصحراء، بعيدا عن الإقرار بالجمهورية الصحراوية قبل متم سنة 2012 على أبعد تقدير، فإن الولاياتالمتحدة ستتكلف بذلك لأن العم سام أضحى يرى أن استمرار نزاع الصحراء يعرقل حربه "المقدسة" على الإرهاب، وهذا أمر لن يتساهل بصدده مهما كانت نتائج المفاوضات، أحب من أحب وكره من كره ومهما كان موقعه أو ثقله في المنطقة أو في العالم. إذن منطوق الحكم الأمريكي قد صدر، وبذلك يكون معطى أساسيا في التأثير على مآل بقية المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، أي عدم الخروج على الهامش الذي حدده مسبقا البيت الأبيض والبانتاغون، هذا ما يجب فهمه الآن. إن واشنطن تسعى إلى طي ملف الصحراء نهائيا وبسرعة للمزيد من تفعيل التعاون بين دول شمال إفريقيا لمساعدتها في محاربة الإرهاب في المناطق الحدودية المتاخمة للصحراء، ذلك أحد المحددات الأساسية للموقف الأمريكي في الظرف الراهن. بالرغم من كل شيء تظل إشكالية الطاقة، لاسيما البترول، كامنة وراء التغيير الذي حدث على موقف واشنطن بخصوص قضية الصحراء، وذلك باعتبار أن الولاياتالمتحدة تسعى إلى التحكم في مصادر البترول بإفريقيا، ولن يتأتى لها ذلك إلا بضمان الاستقرار بمنطقة شمال إفريقيا، وهذا بدوره يستوجب طي ملف الصحراء نهائيا وفي أسرع وقت، لهذا أضحى الأمر مستعجلا في نظر واشنطن، فإما التوصل إلى حل نهائي متوافق عليه، وإما أن الولاياتالمتحدة ستتولى الأمر بنفسها حسب ما تراه. ماذا عن البوليساريو؟ مازال موقف البوليساريو رهينا بتحكم جنرالات الجزائر في استمرار وجودها، لذا فإن المواقف المعلن عنها بخصوص الرأي المنطلق منه في المفاوضات، مازال فضفاضا ومتأثرا بمنظور الجنرالات، حيث تحوم حوله تخريجات تبدو صحيحة في شكلها لكنها غير قابلة التطبيق على أرض الواقع بفعل التطورات. فلا زالت مواقف محمد عبد العزيز، المعلن عنها إلى حد الآن، تسبح بعيدا عن الواقع وتتجول في عالم "جمهورية أفلاطون" ولا تخرج على القول بأن "الجبهة مستعدة للموافقة على أي خيار للشعب الصحراوي، بما في ذلك المقترح المغربي في إطار استفتاء حر وديمقراطي تحت إشراف الأممالمتحدة". وبجانب هذا الموقف، هناك موقف التهديد بالعودة إلى الكفاح المسلح والذي لم يعد يعيره أحد أي اهتمام باعتباره مجرد كلام ليس إلا في الظرف الحالي. وعندما يشتد الخناق على قادة الجبهة يصبح الموقف هو: "الصحراويون ليست لديهم عقدة من الحكم الذاتي شريطة أن يكون ذلك خاضعا لاستفتاء شعبي". يرى أغلب المحللين أن موقف قادة البوليساريو لم يتغير حتى الآن، ولم يظهر أدنى مؤشر على استغلال المفاوضات كفرصة سانحة لوجود مخرج، رغم أنهم أصبحوا في وضعية يصعب معها سلك زمام الأمور في مخيمات تندوف و الحمادة، إذ لم يعد أمامهم إلا التفكير بجدية في تنازلات تضمن دم وجوههم وإلا سيكونوا قد فرطوا في موعد مع التاريخ لن يصادفوه ثانية بعد الآن. كما يؤكد هؤلاء المحللين أن اي بشارة تقارب مستقبلا بين المغرب والجزائر من جهة، ووضوح الموقف الأمريكي بخصوص قضية الصحراء، بطريقة لم يسبق لها مثيل، تفيد أن وجود جبهة البوليساريو دخل مرحلة العد العكسي وأن أيامها أضحت معدودة لن تتجاوز سنة ونصف على أبعد تقدير، حيث أضحى من شبه المؤكد أنه لن نسمع بالحديث عن البوليساريو مع حلول نهاية2012على أبعد تقدير. منذ 1975 لم تتمكن جبهة البوليساريو من اقتراح أي حل "واقعي"، قابل للتطبيق حالا، على سكان مخيمات تندوف و الحمادة، وهذا ما جعل شعبيتها بينهم تتضاءل بفعل استفحال مشاكل الحياة اليومية وصراعات المصالح بين قادتها تحسبا لكل طارئ مفاجئ، وقد تزامن هذا الوضع مع سيرورة سحب اعتراف جملة من الدول للجمهورية الصحراوية؛ في هذا الوقت بالذات هددت البوليساريو بالعودة إلى تفعيل السلاح بالمنطقة، وهو موقف لا يتلاءم بالمرة مع التطورات التي انساقت فيها المنطقة، الشيء الذي يجعل قادة البوليساريو مطوقين من كل جانب، لا خيار أمامهم إلا محاولة تفعيل سيرورة التوصل إلى حل توافقي. تعيش جبهة البوليساريو حاليا أضعف فترات وجودها بفعل زواجها الكاثوليكي مع جنرالات الجزائر المسكونين بهاجس تكبيل المغرب بالمشاكل حتى لا يتفرغ لتنميته الداخلية، ولولا بعض المساعدات الأمريكية لما تمكن سكان مخيمات تندوف و الحمادة من الحصول على لقمة عيش يسدون بها رمقهم، فمن المعلوم أن وزارة اللاجئين والهجرة الأمريكية قدمت مؤخرا مساعدة بلغت 4.7 مليون دولار (ما يناهز 48 مليون درهما) في إطار برنامج الغذاء العالمي التابع لهيئة الأممالمتحدة المخصص لإفريقيا. لكن، ماذا عن الجزائر؟ رغم عدم مساهمتها في المفاوضات كطرف، إلا أن الجزائر ظلت دائما معنية بقضية الصحراء، وأضحت على يقين الآن بأن المغرب لن يتخلى عن الصحراء مهما كان الأمر. وبالرغم من أنها قطعت أشواطا في مجال إعادة تسليح جيشها، لا يمكنها بأي وجه من الوجوه الدخول في حرب مع المغرب، لأن واشنطن بكل بساطة لن تسمح بذلك، وتلك من أسباب اهتمام العم سام بالصحراء حاليا أكثر من أي وقت مضى، علاوة طبعا، على حضور إفريقيا ضمن الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالطاقة، لأنه بحلول سنة 2020 ستجلب 25 في المائة من حاجياتها للبترول من إفريقيا، هذا دون نسيان ضرورة ضمان أمن نقل المواد الأولية، وفي هذا المضمار يفضل البيت الأبيض التعامل مع المغرب العربي، وليس مع كل بلد مغاربي على حدة. وما موقع جنرالات الجزائر؟ إن الهاجس الذي ظل يسكن جنرالات الجيش ليس هو قضية الصحراء و"شعبها" ومبدأ تقرير المصير كما يحاولون إظهار ذلك، ولكن ما يهمهم هو عدم تمكين المغرب من الاستقرار للتفرغ للتنمية الداخلية، باعتبار أن سيادة الاستقرار بالمنطقة وانطلاق سيرورة التنمية بدون عرقلة آلياتها سيجعل المغرب يتموقع بقوة في المنطقة وهذا أمر لا يقبلون به إطلاقا، علاوة على أن سيادة الاستقرار السياسي والاقتصادي للمنطقة سيهدد مواقعهم في السلطة بالجزائر، وهو ما يرهبهم أكثر من أي شيء آخر، لذا سيظلوا متشبثين بورقة البوليساريو "كقشة" تطفو على الماء، إلى آخر رمق، لإنقاذهم من طوفان سيادة الاستقرار بالمنطقة الذي يخشون انعكاساته على مواقعهم فوق خريطة السلطة بالجزائر، لذا سبق لأحد المحللين السياسيين أن صرح قائلا، إنه لن يستقيم الأمر بالمنطقة إلا بتنحية العسكريين من سدة الحكم بالجزائر، باعتبار أن مصلحتهم الآنية والبعيدة، تستوجب بالضرورة عدم الاستقرار بالمنطقة، وكلما شعروا بتفعيل الاتجاه نحو ترسيخ دعائم الاستقرار عملوا على افتعال مشاكل لإبطال هذا المنحى، وهذا مسار أضحى يضرب بقوة، في الصميم، حتى المصالح الضيقة لقادة البوليساريو المتحركين تحت رحمة جنرالات الجزائر. هؤلاء الجنرالات يعلمون، علم اليقين، أن الاستقرار والسلم بشمال إفريقيا مرهونان بإنهاء عاجل لمشكلة الصحراء، وهنا مكمن خوفهم، ولا خيار أمامهم إلا العمل، بكل ما أتوا من قوة ومكر، لكي يستمر الوضع على ما هو عليه، إذا لم يتمكنوا من تصعيد وتيرة التوتر من خلال إجبار قادة البوليساريو على التمسك بخيار الاستقلال كاستراتيجية غير قابلة للنقاش حتى آخر رمق، رغم أنه بمثابة انتحار أكيد، بجميع المقاييس، ولا يخدم مصالحهم، لذلك تظل لازمة محمد عبد العزيز هي: "إذا تعذر الخيار السلمي سنستعمل حقنا المشروع والمتمثل في الكفاح المسلح، ولنا تجربة في هذا المجال"، علما أن هذا الكلام في مثل هذه الظروف السائدة عالميا وإقليميا، مجرد هراء وغباء سياسي يخص الجبناء، ولن تتمكن البوليساريو من إطلاق ولو رصاصة واحدة، لأن الرياح تهب في اتجاه ليس في صالح الجنرالات الجزائريين. إن ما يخيف هؤلاء أيضا، الإقرار بأن الجزائر طرف في قضية الصحراء، لذا ظل قادة جبهة البوليساريو يسلكون طريق محاولة إظهار أن المغرب "يدعي" تورط الجزائر في هذا الملف، وقد كلفهم الجنرالات بالعزف على وتر إبعاد الجزائر كطرف فاعل في الملف، على اعتبار أن الإقرار بذلك سيكشف موقفهم الحقيقي من الصراع الإقليمي والجهوي والأهداف الحقيقية التي تحركهم لاستدامة وضع "لا استقرار" بالمنطقة. فكل المؤشرات تفيد أن العم سام قرر حل قضية الصحراء وطي ملفها نهائيا قبل نهاية 2012على أكبر تقدير. وتدعم كل من إسبانيا وفرنسا و بريطانيا الموقف الأمريكي، وهو حل يستوجب نهاية جبهة البوليساريو في إطار حكم ذاتي واسع النطاق. الجزائرتامز / ابو نعمة نسيب -كريتيبا البرازيل