منذ سنة تقريبا وموضوع الانتخابات المقبلة يستأثر بالنقاش داخل الأوساط السياسية والحزبية، بعد الغموض الذي اكتنف تنظيم العملية الانتخابية، وتأخر الحكومة في إخراج القوانين التنظيمية والانتخابية المؤطرة لها، وكذلك بعد تمديد عمر مجلس المستشارين لولاية أخرى بصيغته الدستورية القديمة، ما أثار شكوكا حقيقية في أوساط المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب في قدرة الحكومة على تنظيم الانتخابات في وقتها المحدد.
وما زاد من حدة الشكوك في قدرة الحكومة على تنظيم الانتخابات، عدم التزامها بما ينص عليه المخطط التشريعي الذي وضعته الحكومة نفسها، من إحالة القوانين المرتبطة بالانتخابات على البرلمان، خلال سنة 2013. لكن بعد مرور أزيد من سنتين على الموعد المحدد، لازالت هذه المشاريع محتجزة فوق رفوف الحكومة، أو مجرد مسودات وزعت نسخ منها على زعماء الأحزاب السياسية، ولم تلتزم الحكومة بالآجال التي وضعتها لنفسها لإخراج هذه القوانين.
وبالعودة إلى هذا المخطط التشريعي، وردت القوانين المتعلقة بالجهوية والانتخابات في المرتبة السابعة من حيث الأهمية والأولوية، والتزمت الحكومة بوضع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والجماعات الترابية الأخرى، خلال سنة 2013، لكن هذه لم تر النور إلا مع حلول سنة 2015، ولازالت مجرد مشاريع قوانين، أحيلت قبل أسبوع على مجلس النواب، وتتطلب دراستها والمصادقة عليها وفق المسطرة التشريعية، حوالي ثلاثة أشهر، قبل إحالتها مرة أخرى على المجلس الدستوري، ثم نشرها أخيرا بالجريدة الرسمية لكي تصبح سارية المفعول.
هذا وكان محمد حصاد، وزير الداخلية، قد أعلن خلال شهر ماي الماضي، عن تنظيم الانتخابات صيف السنة الجارية، دون أن يكشف عن أجندة محددة لهذه الانتخابات، قبل أن يخرج بعدها رئيس الحكومة لإعلان أجندة الانتخابات التي حدد مجالها الزمني ما بين شهر ماي وشهر شتنبر. ورغم هذا الإعلان، سجل المتتبعون بطء إخراج القوانين المرتبطة بالعملية الانتخابية، ومنها على الخصوص القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور، كما تأخرت في إجراء المشاورات السياسية مع الأحزاب السياسية. وأمام هذا التأخر بدأت الشكوك تلوح مرة أخرى حول إمكانية تنظيم الانتخابات في وقتها المحدد والمعلن عنه من طرف رئيس الحكومة.
وبرزت معالم الارتباك في سهر الحكومة على سير المشاورات السياسية مع الاحزاب وإخراج القوانين المنظمة للانتخابات، بعدم التزام رئيس الحكومة بالمواعد التي حددها لإحالة القوانين على البرلمان ونشرها بالجريدة الرسمية. وما زاد من تعقيد الوضعية بروز خلافات داخل البرلمان حول الإشراف على العملية الانتخابية، بعد تقديم حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال لمقترح قانون ينص على إحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات ووضع لوائح انتخابية جديدة بناء على قاعدة بيانات البطاقة الوطنية، وهو المقترح الذي رفضته الحكومة وصوتت ضده أحزاب الأغلبية بالبرلمان.
بعد كل هذا الجدل، نجحت الحكومة في إسقاط مقترح المعارضة وكسب رهان الإشراف السياسي على العملية الانتخابية، عندما حمل الملك محمد السادس، رئيس الحكومة، مسؤولية الإشراف على الانتخابات وضمان نزاهتها. كما نجحت في تمرير قانون المراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية، واعتماد اللوائح القديمة، ما يتناقض مع مطلب حزب العدالة والتنمية وأمينه العام، عبد الإله بنكيران، والذي كان يروج في المهرجانات الخطابية التي عقدها الحزب، بأن هذه اللوائح فاسدة وتعود إلى عهد البصري، لكن إخوان بنكيران انقلبوا على موقفهم وأصبحوا من المدافعين عن إجراء الانتخابات وفق هذه اللوائح.
وفي خضم المشاورات التي قادها وزير الداخلية محمد حصاد مع زعماء الأحزاب السياسية، ومع الشروع في المراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية، بدأت تبرز بعض مطالب أحزاب سياسية من أجل تأجيل موعد الانتخابات، ويبدو أنه كان مطلب حزب العدالة والتنمية كذلك، حيث بمجرد ما أتيحت الفرصة لرئيس الحكومة أمام البرلمان، حتى أعلن عن قرار حكومته تأجيل الانتخابات الجماعية والجهوية إلى غاية 4 شتنبر المقبل، بدلا عن شهر يونيو كما كان مقررا سابقا. ورغم هذا التأجيل تتحفظ جهات حزبية ومنها أحزاب مشاركة في الحكومة، على الموعد المحدد، لتزامنه مع العطلة الصيفية، ما يجعل تأجيل الانتخابات إلى موعد لاحق واردا جدا في ظل التأخر في إخراج مراسيم التقطيع الترابي وباقي القوانين الانتخابية الأخرى