في بلد، مثل المغرب الذي تمثل فيه النساء، أكثر من نصف السكان، حسب المعطيات الرسمية، تحول برنامج تلفزيوني، قدمته القناة التلفزيونية المغربية الثانية أخيرا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إلى مايشبه " حماما نسويا"، حقيقيا بكل ما في الكلمة من معنى، لم يكن ينقصه حسب تعليق أحد المشاهدين الظرفاء، سوى الصابون و" شامبو" الشعر، وأواني الاغتسال بالماء، لكي تكتمل الصورة. فقد كانت غالبية المشاركات في برنامج " مباشرة معكم" خارج السياق، وكل واحدة منهن تخبط خبط عشواء، دون الالتزام بأبسط مباديء الحوار وقواعده، ومما زاد في تعقيد الموقف أنهن ينتمين إلى أجيال وعقليات مختلفة، غير منجانسة أو متقاربة في الرؤى والتفكير. ولعل هذا هو ماجعل مقدم البرنامج، جامع كلحسن، يجلس حائرا، بعد أن استحال عليه ضبط منهجية معينة، تسمح لكل واحدة من المتدخلات بالتعبير عن رأيها، دون أن تقاطعها أخرى، فكان يداري حرجه بالابتسام، ولسان حاله يقول" لو أني أعرف أن الأمور ستتطور في هذا الاتجاه ماكنت بدأت.." وفي أغلب اللحظات، تداخلت الأصوات، وضاع التركيز والانتباه، وسط هذا الجمع النسائي المتنافر الذي انتفى أي رابط بين الحاضرات فيه، ولذلك كن يتحدثن كأنهن جالسات في أحد صالونات الحلاقة والتجميل، ولسن مشاركات في برنامج يتابعه المشاهدون في بيوتهم. أمينة رشيد، مثلا، وهي ممثلة من الرعيل الأول، لم تستطع مسايرة ايقاع اللقاء، فكانت تدلي بأفكار تثير الاستغراب، وأحيانا تلوذ بالصمت، وترتسم الدهشة على ملامحها، حين تفاجأ بسناء العاجي، كاتبة وباحثة، وهي في عمر حفيدتها، تقاطعها وتخالفها الرأي بأفكار وكلمات تنساب على لسانها مثل جريان الماء. وبدت أمينة رشيدة، وهي زوجة الكاتب المغربي عبد الله شقرون،وكأنها تقليدية جدا في مواقفها، ومنتمية إلى عصر اخر، فهي كما قالت، لاتقبل دخول الرجل إلى المطبخ، لأن ذلك في نظرها، تنقيص من قيمته وهيبته. وتساءلت بحسرة وتعجب:" هل تريدون أن يقوم الرجل بغسل الأواني؟" وانهالت رئيسة جمعية نسوية تنشط في الأرياف والبوادي، باللوم والعتاب على المرأة في منطقة سيدي حرازم، لأنها في اعتقادها خرجت عن جادة الصواب خلال الاحتفال بالأعراس، وغدت غير محتشمة. واشتكت إحدى المشاركات في هذا البرنامج من ظاهرة التحرش الجنسي في الشارع، فعلقت أخرى بأن ذلك راجع إلى قلة حياء بنات اليوم، اللواتي يخرجن متبرجات، شبه عاريات، ويظهرن بطونهن وأردافهن وصدورهن للمارة. فيما قالت المطربة الشابة خنساء إن أي فتاة ترتدي ثيابا عادية، ورغم ذلك فإنها لاتفلت من سماع الكلمات النابية التي تخدش الحياء العام. وحدها نادية القادري، طبيبة نفسية، أرادت أن تتحدث بلغة هادئة ومتوازنة، انطلاقا من تجربتها، غير أن كلامها، رغم أهميته، كان يضيع وسط الضجيج، الذي كانت تتسبب فيه بعض النساء الأخريات. وفي صباح اليوم الموالي لبث الحلقة المذكورة، انتقدت الصحافة المغربية البرنامج بحدة وقسوة، وأطلقت عليه عنوان " سوق النساء"، استلهاما من قصيدة للشاعر مغربي مشهور ، هو المرحوم سيدي عبد الرحمان المجذوب، يحذر فيها من الدخول إلى السوق، الذي تؤثثته النسوة. وعلق بعض الزملاء الصحافيين قائلا، بأسلوب لايخلو من التندر، إن هذا البرنامج كان يجب تخصيصه لمذيعات القناة التلفزيونية المغربية الثانية، اللواتي يرقدن على فراش المرض في المستشفيات، بسبب إصابتهن بأمراض، نتيجة تردي الأحوال المهنية في مديرية الأخبار، التي تديرها سميرة سيطايل، وتطلق عليها الصحافة لقب " المرأة الحديدية" لقوتها وصرامتها. وكتبت أمينة كندي، في تعليق لها بيومية " الصباح"، أن حلقة " مباشرة معكم" كانت أسوأ احتفال بعيد المرأة، وأسوأ احتفال بتاء التأنيث في ظل صراع العقليات والأجيال. وأضافت كندي أن اختيار كلحسن، مقدم البرنامج لهذه الزاوية، يبدو كما لو أن وراءه سوء نية، لأن ماراج في الحلقة من أفكار حصرت دور المرأة في المطبخ ورعاية الأطفال، وجردتها من قيمتها الفكرية ومن جانبها الإنساني، عكس صورة غير حقيقية، "وهي أن المرأة ترفض أن تساق إلى المساواة، وأن الحركات النسائية التي غيبت قصدا عن الحلقة، يجررن المرأة المغربية رغما عن أنفها إلى المساواة التي لاتريدها.." وكان المشاهدون يأملون أن يفتح البرنامج نقاشا حقيقا حول أوضاع المرأة في بلد كالمغرب تشكل فيه النسوة، حسب بعض الأرقام الرسمية، أكثر من الرجال، وينشطن في العديد من أوجه ومناحي الحياة العامة