للعلماء طقوس مختلفة عن العامة في الاحتفال. حتى الأمكنة التي يحتفلون فيها مفروضة فيها شروط الوقار والرهبة، كما هو حال الأكاديمية الوطنية للعلوم في العاصمة الأميركية واشنطن. ويقع مبنى الأكاديمية في شارع الدستور المعروف بسكونه بين الشوارع، قريبا من وزارة الخارجية وبعيدا عن صخب الشوارع الأخرى وبعيدا جدا عن أماكن السهر والأضواء في الشوارع الأخرى. هنا جرى احتفال بسيط للفائزين بجائزة الأكاديمية في مجال الهندسة.
أربعة مهندسين من ثلاث قارات، يابانيان وأميركي ومغربي دوّن اسمه كأول مهندس عربي يتخذ مكانه بين 47 آخرين توجوا بالجائزة منذ اطلاقها سنة 1989.
نوبل الهندسة
بدأ الاحتفال كأي احتفال يقام في مثل هذه المناسبات، غير أن ما ميزه هو التواضع. معزوفات العهد الباروكي تنبعث من أحد أركان القاعة، ضيوف الأكاديمية من المتوجين وأسرهم وصحافيي العلوم التأموا تحت سقف الأكاديمية التي تأسست عام 1863 على عهد الرئيس أبراهام لينكولن، الرجل الذي يبدو أن نضاله لم يكن لأجل تحرير العبيد فقط، بل سعى إلى تحرير العقول، وكان إنشاء الأكاديمية سبيلا إلى ذلك.
وحرص لينكولن كما يقول مدير الأكاديمية الدكتور دانيال موتي على استقلاليتها، إذ يمنع تمويلها من طرف الحكومة أو من الشركات الصناعية حفاضا على مبادئها العلمية: تحدث مدير الأكاديمية الد كتور دانيال موتي عن قيمة الجائزة وأهميتها العلمية كأرفع الجوائز التي تمنح للمهندسين ولا تنقص مكافأتها المادية عن تلك الخاصة بنوبل. وقال الدكتور موتي إنه تقرر "منذ 25 سنة إنشاء جائزة تعترف بالابتكارات الرائدة عالميا في مجال الهندسة"، وأضاف أن "هذه الابتكارات غيرت العالم بشكل كبير، إلى الأفضل طبعا".
واستعرض مدير الأكاديمية طريقة انتقاء الأعمال المتوجة. وقال "إنها عملية معقدة" تقوم بها لجنة دولية تراجع بطريقة نقدية ومحترفة هذه الأعمال".
"لماذا سقطت الهندسة من التكريم السنوي للأكاديمية السويدية للعلوم"، سأل صحافيون مدير الأكاديمية الوطنية للعلوم، فقال: "ألفرد نوبل مهندس قبل أن يكون عالم فيزياء، والهندسة تكرم سنويا بنوبل، إنها حاضرة في المجالات الأخرى التي تتوج سنويا بهذه الجائزة، فالسلام والطب والاقتصاد والأدب والفيزياء والكيمياء تبنى وتؤسس على الهندسة". وتقاسم جائزة الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم لهذه السنة أربعة مهندسين، لاكتشافهم بطارية الليثيوم التي تستمد منها الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية طاقة الاشتغال، واعترافا بجهودهم في تعبيد الطريق للوصول إلى بطارية المستقبل التي "ستكون صديقة البيئة"، كما يقول الدكتور رشيد يزمي أحد الفائزين. وبدأت مسيرة هذا الانجاز العلمي عام 1980، عندما نجح المهندس المغربي رشيد يزمي في إدماج الليثيوم في الغرافيت بصفة معكوسة عن طريق استعمال إلكتروليت (مادة قابلة للتفسخ تحت تأثير تيار كهربائي) في حالته الصلبة وليست السائلة كما كان سائدا في تلك الفترة.
وقد مكنت هذه الفكرة بعد عمليات كيميائية دقيقة من تحويل بطاريات الليثيوم إلى بطاريات قابلة للشحن.
وبالتوازي مع هذه الأبحاث، تمكن العالم الأميركي جون كود إناف من اختراع قطب دائرة كهربائية خاص بهذه العملية، مما سمح للياباني أكيرا يوشينو، بعد خمس سنوات على ذلك، بابتكار أول نموذج لبطارية تعمل بأيون الليثيوم ، قبل أن يتمكن مواطنه يوشيو نيشي من إدخال هذه البطاريات إلى الأسواق سنة 1991.
حضور عربي أول في الجائزة
يحسب السبق الوصول إلى اختراع بطارية الليثيوم للعالم رشيد يزمي، مغربي الأصل وفرنسي التكوين، أميركي الانطلاق نحو العالمية من خلال شركة أسسها في ولاية كاليفورنيا، قبل أن يشد الرحال نحو اليابان ومنه إلى عاصمة النمور الأربعة سنغافورة حيث يستقر حاليا. ويقول يزمي إن تحقيق هذا الاختراع ليس سوى خطوة أولى في مسار اختراعات آتية تتجاوز الاعتماد على المسلمات الراهنة في مجال البحث العلمي في الطاقة إلى اكتشاف عوالم أخرى تعتمد على الطاقات المتجددة.
ويضيف يزمي في حوار صحفي، "الصدفة لا يمكن أن تصنع علما والطريق لا يصنع المشي، بل المشي ما يصنع الطريق المؤدية إلى فضاء الابداع والابتكار". ودعا الحكومات إلى مد يد المساعدة للكفاأت والخبرات العربية من إبراز طاقاتها الكامنة في مجال الابداع.