هم أطفال في ربيع العمر، لا يفقهون شيئا في الحياة، ولا يفكرون إلا في شيئين اللعب والحلوى. تلمس البراءة في كل سكناتهم وحركاتهم، ورغم كل هذا فهناك أياد تنتهك تلك البراءة وتتعدى على أجساد ومشاعر أولئك الأطفال دون أي شعور بالألم النفسي أو حتى تأنيب للضمير.التحرش الجنسي بالأطفال, ظاهرة مثل باقي الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا, استفاقت من غيبوبتها لتدق ناقوس الخطر على أطفالنا مرة أخرى. يمكن تعريف التحرش الجنسي بأنها إثارة يتعرض لها الطفل أو الطفلة عن عمد من المتحرش وذلك بتعرضه لمشاهد فاضحة أو صور أو تعليمه عادات سيئة مختلفة، فمن الممكن أن يكون التحرش حسي أو سمعي أو بصري أو لفظي.آراء تختلف و أفكار تتضارب من شخص لآخر حول أسباب هذه الظاهرة وما ينتج عنها من تحولات نفسية عند الطفل.يوسف 25 سنة ( طالب سنة ثانية علم اجتماع) ينظر للطفل الذي تعرض للتحرش الجنسي بالشفقة و يقول :"يجب أن نتعامل مع الطفل الذي تعرض لحادث من هذا النوع بحرص شديد , و نحيطه بعناية فائقة و اهتمام كبير حتى لايقع فريسة لما هو أشد وطأة من التحرش.- سألناه عن الحالة النفسية التي يصبح عليها الطفل المعرض للتحرش؟ فأجابنا:" بالنسبة لشعور الطفل فبكل تأكيد سيمر بحالة من العزلة و الخوف لذلك يستوجب علينا أن نهيئ له البيئة الكفيلة لعلاج هذه الحالة, مثلا الانتقال من المنزل أو الابتعاد عن المكان الذي يذكره بالحادث , و الاقتراب أكثر من تفاصيل حياته و معايشتها.أما عائشة 38 سنة ( معلمة) سألناها عن ردةالظاهرة,ا علمت أن أحد أبنائها تعرض للتحرش الجنسي؟ فقالت:" إذا لا سمح تعرض أحد أبنائي لهذه الظاهرة, فلن أرضى بغير أن ينال المجرم عقوبة شديدة... أما الطفل الذي تعرض لذلك فأرى ضرورة إحاطته بالحنان والرعاية لينهض من هذه الأزمة و ينخرط مجددا في حياته بشكل طبيعي مثل أقرانه , كما يجب فتح المجال أمامه ليعبر عن نفسه و يتحدث عن أسراره مع والديه حتى لا يتكرر هذا الأمر.ويرى عبد الله 28 سنة ( طالب جامعي) أسباب هذه الظاهرة بمنظور آخر حيث يقول :" هناك فجوة عميقة بين أفراد الأسرة , هذه الفجوة هي التي تترك المجال متاحا لوقوع تحرشات جنسية ضد الأطفال دون علم ذويهم ودون وعي لدى الأطفال لمواجهة ذلك , وبكل أسف أن المجتمع ظالم و لا يرحم من يقعون تحت هذه الظروف. يجب إرساء مبدأ الصراحة و المكاشفة بين الأطفال و ذويهم كي يتم تدارك المشاكل مع الابتعاد عن العنف و العصبية في التعامل مع الأطفال.لعل وقع كلمة "التحرش" على الآذان ثقيل، لدرجة أن يستبعدها بعض الآباء أو يعتقدوا أن أبناءهم بعيدون عنها. كما قد تسبب تلك الكلمة الثقيلة الحرج -للوالدين- الذي يمنع السؤال عما يخص الحماية وتوعية الأبناء ضد التحرش، بل قد تمنع الآباء من الاقتراب من مثل هذه الموضوعات والمسميات -ثقيلة الوقع- مع الأبناء، لكن على كل حال، فتلك الكلمة -رغم ثقل وقعها- تفرض نفسها على واقعنا بما يستلزم وقفة لإعادة ترتيب الأوراق، ومن ثم إعداد العدة لحماية أبنائنا من ذلك الخطر