هذا هو الطفل التونسي محمد حميدة بل قل الرجل الشهم الأبي، الذي رفض الدخول في نهائيات لعبة الشطرنج مع منافسه من دولة بني صهيون، والتي تعقد في مدينة اياشي برومانيا معتبرا ذلك من التطبيع مع هذا العدو المجرم الذي لم يسلم من شره وسمه العرب والمسلمون قاطبة، بل العالم أجمع، ويكفي للدلالة على بشاعة هذا العدو ما كتبه يوما الكاتب المسرحي المبدع وليم شكسبير عن شخصية "شيلوخ" في "تاجر البندقية". إن هذا الطفل البالغ من العمر عشر سنوات فقط، هو في عرف القانون طفل، لم يتجاوز سن الرشد ولم يبلغه بعد، ولكن الطفولة والرجولة لم تكن يوما بالعمر أو بالجنس حتى، فالرجولة موقف يتخذه العظماء سواء أكانوا حديثي سن أم لا، كما وقد تتلبس المرأة بصفة الرجولة لأنها تعبر عن موقف شجاع بطولي، فالرجولة شيء والذكورة شيء آخر مختلف، فالرجولة صفة معنوية معبرة عن موقف، فهي ليست حكرا على أحد ألبتة ذكرا أو أنثى صغيرا وكبيرا، وأما الذكورة والأنوثة فهما صفتان بيولوجيتان في الخلقة والطبيعة، ولذا وجب التمييز بين مواقف الرجال والبطولة التي يصطنعها الناس ويتخذونها. لقد أعطانا محمد حميدة درسا قاسيا في الرجولة التي عزت مواقفها عند الحكام وسدنتهم وأعوانهم ولفائف عمائم علمائهم، لقد أدرك بالحس قبل الفكر أنه من العار ألا تكون رجلا في زمن تلفع بالذل والهوان، فلماذا سبقت الذكور ببدلاتهم الأنيقة وأحذيتهم الملمعة وسياراتهم الفارهة؟ لماذا أحرجت القيادات كل القيادات ثورية وغير ثورية؟ لما جعلت كل مطبع في شرق الأرض وغربها يخجل من نفسه؟ لماذا أيها الكريم جعلت النفس تحزن على كل كلمة سمعتها من تلك القيادات في الاجتماعات والمهرجانات؟ لماذا كل هذا؟ أتدري لماذا لأنك أوعى منهم جميعا وأسدّ منطقا وأعظم منهم موقفا، تصرفت كما يجب أني يتصرف الرجال، وهم خنعوا كما يجب أن يتصرف العبيد الأذلاء، فلا نلومهم لأنهم تربوا على الهوان والذل، ولكننا نكبر فيك هذه المواقف أيها الرجلُ الرجل!! لقد صدق فيهم قول الشاعر: *مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ * * ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ* * * * *** وصدق فيك قوله أيضا: *وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ*