كل الأطفال ينبهرون بالألعاب ويرغبون في الحصول عليها. ولكن قد يعترض الأهل إذا اختار أطفالهم لعبة لا تناسب جنسهم، فهل للألعاب هويّة جنسية؟ ولماذا يقلق الأهل حين يظهر الولد شغفاً بألعاب البنات والعكس؟ يوضح الاختصاصيون أن التمييز بين ألعاب البنات والأولاد، يعود إلى المفاهيم المسبقة والتقاليد الاجتماعية الراسخة. ففي الحضانة يجد الطفل نفسه في مواجهة مع هذه التقاليد الاجتماعية، فهناك ألعاب خاصة بالبنات ( دمية، أواني مطبخ، دمية نموذج رضيع...) فيما الصبيان ألعابهم تكون سكة حديدية، ومرآب سيارات، وألعاب تركيب. وفي هذه السن لا يرتكز اختيار الطفل على جنسه، بل يريد أن يلعب بما يحلو له، وقليل من الأهل يسمحون لأطفالهم اختيار الألعاب التي تناسب أذواقهم، ربما خوفًا من أن تتصرّف البنت بشكل ذكوري، أو أن يتصرف الولد بشكل أنثوي. وبرغم هذا يؤكد الاختصاصيون أن لا مشكلة في رغبة الذكر في اللعب بالدمية أو رغبة البنت في اللعب بالسيف، إذا كانا دون السبع سنوات. فعندما يلعب الولد في سن الأربع سنوات بدمية، فهذا يشير إلى حاجته إلى فهم معنى العائلة ودور كل فرد فيها. وفي هذه السن لا يدرك تماماً كل الفوارق بين الذكر والأنثى. ويشعر بالحاجة إلى لعبة تجسّد شخصية ما، يعبّر من خلالها عن مشاعره ويمثل الأحداث التي يعيشها فنراه يتظاهر بإطعام دميته، أو التحدث إليها، حسب ما ورد بمجلة "لها" اللندنية. وعوضاً عن منع الطفل في هذه السن، من اللعب بالدمية التي تجسّد شكل الفتاة، يجدر توفير مجموعات من الدمى التي تمثل له العائلة. ويقتصر دور الأهل على مراقبة ابنهم. فيراقبون الدور الذي يلعبه. وحين لا تكون الخيارات كبيرة أمام الطفل ولا يجد أمامه سوى دمية فتاة، فمن الطبيعي أن يختار اللعب بها. ولكن حين يكون عنده نماذج للذكر والأنثى حينها يمكن معرفة اختياره الحقيقي. الاختلاف في الهوية وغالبا ما تشير الأحداث أو المواقف والحوارات التي يخترعها الطفل أثناء اللعب إلى أمور يعيشها في الواقع. وعندما يكبر الطفل يدرك الاختلاف في الهوية الجنسية، وبحسب المحيط الاجتماعي الذي رافقه في طفولته الأولى تتتالى رغبته في التماهي مع أحد والديه من الجنس نفسه والذي يشكّل بالنسبة إليه نموذجًا. والألعاب وسيلة الطفل ليعيش ويضحك بطريقة الراشدين، فالطفل يعيد إنتاج ما يعتقده وظيفة الوالد أو الوالدة. وهكذا نجد البنت الصغيرة تدعي الطبخ وتقوم بدور الممرضة، فيما يدعي الصبي قيادة السيارة، ويبني منزلاً أو يلعب دور الطبيب. في هذا العالم الصغير تتشكل هوية الطفل وميوله، وترسم شخصيته، التي سوف يعيش بها حياته فالعروس الصغيرة الحالمة هي لعبة البنت التي تناسب أنوثتها، وفطرة الحنان والأمومة، التي تولد معها، بينما يميل الطفل الولد لما يناسب فطرته، الأكثر ميلا للحركة، فتتوجه اهتماماته إلى ألعاب تشبع ميوله كالمسدس والسيارة، ولكن في بعض الأحيان تنعكس الميول فينجذب الطفل إلى ألعاب البنات، وتصبح الدمية هي لعبته المفضلة، بينما تزهد الطفلة في دميتها، وتفضل ألعاب الأولاد، ويبدأ قلق الآباء حول ميول أطفالهم ويثور التساؤل هل اللعبة التي يقع عليها اختيار الطفل تتدخل في تكوين شخصيته، وتحديد هويته؟ على الأهل أن يكونوا حذرين، فالألعاب التي يختارونها لأطفالهم تحمل أيديولوجيا، ففي الوقت الذي أصبحت فيه النساء يشاركن في الوظائف العامة في المجتمع، لماذا تحصر الفتيات الصغيرات في ألعاب يكون دور المرأة فيها الطبخ والقيام بالأعمال المنزلية أو ارتداء الفساتين الجميلة؟ ولماذا يحصر تفكير الطفل الذكر بألعاب يكون دور الرجل فيها خوض الحروب؟ فيما يمكن الأهل توجيه الطفل نحو ألعاب أخرى تعكس نماذج أخرى في المجتمع. يحب الطفل التمثّل بشخصية البطل الذي يقاتل من أجل الخير، والذي يكون في غالب الأحيان ذكراً. ولكن من المهم أن يتنبّه الأهل إلى خيارات ولدهم عندما يشتري دمية. هل يشتريها لأن أصدقائه حصلوا عليها؟ هل يعرف قصة هذه الشخصية أم لا؟ هل اختار الشخصية الشريرة أم الطيّبة؟ وتبعث هذه الأمور كلها بإشارات إلى الأهل عما يشعر به ابنهم الصغير. ويجدر بالأهل مراعاة الانسجام في توجيهاتهم للطفل. فلا يصحّ مثلاً أن ينهى الأب ابنه عن اللعب بدمية باربي لكي تأتي الأم وتعطيه إياها! إذ يؤدي التناقض في توجّهات الأهل، إلى تشويش فكرة الطفل عن الدمى وبالتالي عن هويته الجنسية أيضاً. مراقبة الأهل ويشدد الاختصاصيون على ضرورة أن تراقب العائلة مشهد اللعب الذي يمثّله طفلهم. وعليها ألا تقلق إذا لعب طفلها بالدمية وابنتها بالسيارة أو بالسيف. فلقد تغيّرت التقاليد الاجتماعية ولم يعد دور الأب يقتصر على العمل خارج المنزل، ولا دور الأم على رعاية الأبناء والاهتمام بشؤون المنزل. وصار الزوج يساعد زوجته في الاهتمام بالأبناء ويرعاهم أثناء غيابها. ومن الطبيعي أن يقلّد الطفل أهله. للألعاب أهمية كبيرة في تكوين نفسية الأطفال، ودورها كمؤشر لتحديد ميولهم، وصحتهم النفسية، والسلوكية، ويوضح د . مكرم متى أستاذ علم الاجتماع أن اللعبة من الأمور المؤثرة التي تعطي مؤشرات لطباع الطفل، والطبيعي أن الأولاد فطروا على فطرة الذكورة، والميل إلى ما يمثل سماتهم في ألعابهم والبنت فطرت على صفات الأنوثة، فتميل للعب بالدمية والاعتناء بها، وكأنها تمارس أمومتها مبكرا، ومن المهم جدا من الناحية السلوكية السليمة استقلال الشخصية والهوية الجنسية منذ الصغر. الأسرة لها دور كبير في رسم شخصية الطفل، الذي يمتص سلوكيات جنسه حسب ما تمليه عليه بيئة التنشئة، واختيار اللعبة أحد أساليب تكوين هذه الهوية، وأيضا الميول، والصفات الذاتية، وأحيانا يلاحظ بعض الآباء أن طفلهم الولد يحب أن يلعب بألعاب البنات، وتقع اختياراته على ألعابهن، أو العكس البنت تحب ألعاب الأولاد، وهذا أمر يستحق التوقف عنده، إذا استمر طوال فترة الطفولة، ولم يعدل السلوك تلقائيا، ولكن المهم طريقة التصرف، فالضرب، أو التوبيخ ليس السلوك المطلوب، خاصة وأن هذا السلوك لا يشير في غالبية الحالات إلى شذوذ أو خلل في التركيب النفسي للطفل، فقد يأتي الطفل ببعض سلوكيات الجنس الآخر، ولكنه يدرك هويته، ويستشعر بالفطرة الفروق، وغالبا ميل الأطفال إلى جنسهم وسلوكياته يتضح تلقائيا ببلوغ فترة الطفولة المتأخرة، من 9: 12 سنة، ولكن الملاحظة، والمتابعة مطلوبة من قبل الأبوين، لتقويم أي سلوك شاذ، خاصة إذا رتبط ميل الطفل إلى ألعاب الجنس الآخر، برغبته الدائمة في وجوده ضمن هذا المحيط، والتشبه به، ونفوره من جنسه فهذا مؤشر إلى مشكلة، تحتاج لاستشارة متخصصين. التدليل الزائد التدليل الزائد في الغالب قد يؤدي إلى انحراف في السلوك، كما تشير د . حياة قابل طبيبة نفسية واستشارية علم السلوك التربوي، فأحيانا بعض الآباء، وبالذات الأمهات، يحببن أن يعاملن أولادهن الذكور بدلال زائد، خاصة في السنوات الأولى ربما لأنها كانت ترغب في أنثى، معتقدة أن هذا لن يؤثر في الطفل، فتلبس طفلها ملابس البنات وتترك له شعره، وأحيانا تصنع له الضفائر، وتحضر له ألعاباً أنثوية كالعروس، وكلها سلوكيات تمسخ شخصيته، وتعتبر الأم هذا نوعاً من التدليل له فيحدث للطفل خلل في فهم هويته، ويتعلق بهذا العالم، وبألعابه الأنثوية، خاصة وهو يرى من حوله يستحسنون شكله وتصرفاته، ويعتبرونها مادة للضحك، وهذا يشجع الطفل أكثر. العكس يحدث أيضا من الأب، الذي تمنى الولد، ولم يرزق به فيعمد إلى معاملة بناته معاملة الأولاد، ويلبسهن مثلهم، ويحضر لهن ألعاب الأولاد، فأحيانا تكون المشكلة في الأهل أساساً وهي تؤثر بالفعل في السلوك، وقد يستمر هذا الأمر حتى عندما يكبرون في شكل طريقة تفكير وطباع وسلوكيات مخالفة للطبيعة ألأنثوية أو الذكورية، لأن شخصية الطفل تتكون بالفعل في هذه المرحلة. من جانبها تبين د . سامية رشيد اختصاصية طب الأطفال أن سلوكيات الطفل وميوله قد تكون مؤشرا في بعض الحالات إلى مشاكل ليس فقط نفسية ولكن بيولوجية أيضا، والمشكلة الأخطر التي يجب الالتفات إليها، ووضعها في الاعتبار، هي أنه أحيانا تكون هناك عوامل فسيولوجية هي السبب في ظهور ميول غير طبيعية على الطفل ذكراً أم أنثى، فقد يكون هرمون الإستروجين الأنثوي زائداً في الطفل وغالباً على هرمون الذكورة نتيجة لخلل هرموني، فنجد أن سلوكه يأخذ منحى أنثوياً، في الميل إلى مجالسة البنات، واللعب بألعابهم، والتشبه بهن في السلوك والمظهر، وهذا يحدث بشكل خارج عن أرادته، نتيجة هذا الخلل الهرموني، وكذلك بالنسبة إلى البنت قد يؤدي خلل هرموني إلى زيادة هرمون التستستيرون الذكوري لديها، ولهذا يجب أن تتابع عيون الآباء مثل هذه الأمور والميول غير المألوفة لأطفالهم، ليس فقط لحمايتهم نفسيا، بل ولاكتشاف مشاكلهم البيولوجية أيضا، فسلوكيات الأطفال التي قد يعتبرها بعض الآباء سلوكيات بسيطة ولا تستحق القلق، قد تحمل خلفها مشكلة صحية تحتاج للعلاج.