بصوت خافت رد على هاتفه المحمول، بعد اتصالنا به، هو الذي اعتاد الجواب بصوت جهوري.. تحدث بصوت قريب إلى الهمس، حتى خُيِّلَ إلينا أنه يعاني مرضا.. «واش عيان...»؟.. سؤال من أجل الاطمئنان على صحته. لكنه سرعان ما عاد إلى حيويته المعهودة، عندما غادر مكتبه، ليؤكد: “راه مانعين علينا التليفون”. جواب أراد به مخاطبنا، الذي يعمل بإحدى الدوائر الأمنية بالبيضاء، الحديث عما أسماه «مذكرة ولائية»، «تمنع استعمال الهواتف النقالة أثناء العمل». فهل مُنِعَ على رجال الأمن الخاضعين لنفوذ ولاية أمن البيضاء استعمال الهاتف النقال؟.. سؤال حملناه إلى أكثر من طرف يهم الأمر، خلال بداية الأسبوع الجاري. فتراوحت الإجابات بين «التأكيد والنفي». تلقينا التأكيد من كثير من المعنيين بالمنع، الذين أكدوا «وجود مذكرة صادرة عن ولاية أمن البيضاء»، «تمنع منعا كليا على جميع رجال الأمن استعمال الهاتف النقال خلال العمل». وهي المذكرة التي أمضى بعض رجال الأمن على التزام بتطبيق مضمونها. لكن مصدرا من الإدارة العامة للأمن الوطني، نفى أن تكون هناك أية مذكرة في هذا الشأن، بل إنه فوجئ خلال استفسار ل «الأحداث المغربية»، ليرد على استفهام الجريدة بسؤال آخر: “واش هادا منطقي، ايتمنع أي شرطي من الهاتف”، ليضيف بلغة التأكيد، أن “رجال الشرطة الممنوعين من استعمال الهاتف، هم العناصر المشرفة على حركة السير”. مصدر آخر من رجال الشرطة بالبيضاء برتبة عميد أكد منع استعمال الهاتف الصادر عن الولاية. غير أن مسؤولين أمنيين آخرين نفوا منع استعمال الهاتف، مشيرين إلى أن هناك هواتف محمولة يستعملها رجال الأمن، هي هواتف للمصلحة، فكيف يصدر منع باستعمالها؟.. لكن العميد الذي أكد المنع أشار إلى أن المذكرة «لم تستثن هواتف المصلحة، ولا الهواتف الشخصية»، ليؤكد أن «المنع كان شاملا». وهو الأمر الذي خلف استياء لدى رجال الأمن، ومنهم مفتشو شرطة وضباط يعتمدون على الهاتف في التواصل مع بعض المخبرين، من أجل الوصول إلى بعض المبحوث عنهم، وكشف بعض الممارسات الانحرافية، من قبيل ترويج المخدرات أو الخمور، وحتى بعض السرقات التي ترتكب في المناطق الخاضعة لنفوذهم. وهو الأمر الذي لم يكن متاحا باستعمال الهواتف الثابتة. كما أضاف البعض أنهم يتركون بيوتهم وأبناءهم طيلة اليوم، ولا يعقل ألا يطمئنوا على أحوال أسرهم طيلة المدة التي يقضونها خارج منازلهم، لأن الهاتف وسيلة تواصلهم مع الأسر. غير أن المتتبع لحساسية العلاقات بين الداخلية و الهواتف المحمولة يعلم أن المنع ليس وليد اليوم. فغداة استحداث قانون الإرهاب في المغرب بعد الأحداث الإرهابية التي هزت الدارالبيضاء في 16ماي 2003 ثم بعد ثبوت استعمال الهواتف في الأعمال الإرهابية، كان قد تقرر منع استعمال الهواتف المحمولة. المديرية العامة للأمن الوطني منعت أي مواطن أو زائر لمصالح الأمن، من حمل هاتفه المحمول داخل المصلحة مع التشديد على «ترك هواتفهم وبطاقات تعريفهم لدى المكتب المختص بالاستقبالات الموجود ببوابة تلك المصالح». المنع كان أيضا قد شمل الحواسيب المحمولة وحامل المستندات (USB). وكل من تورط في إدخال هذين الجهازين، يعد خارقا للضوابط ويتعرض للعقوبات. «غير أنه في زمن المعلومة على الأنترنيت وتطور تكنولوجيا التواصل ... هل يعقل أن نمنع من أدواتنا؟» تتساءل مصادر أمنية معلقة على الحدث.