– أيهما أهم برأيك، بناء دولة مدنية على أساس المواطنة بدون تمييز قومي أو ديني واحترام حقوق جميع القوميات والأديان، أم بناء دول على أساس قومي و أثنية، بغض النظر عن مضمون الحكم فيها؟ أولا؛ يجب أن نعرف أن إستراتيجية الاستعمار الجديد؛ في العالم العربي؛ تقوم على أساس دعم كيانات إثنية و عرقية؛ بهدف كسر الامتداد الحضاري العربي الإسلامي في المنطقة؛ باعتباره القوة الضاربة؛ التي تفشل جميع الخطط الاستعمارية منذ حركات التحرر الوطني/القومي و حتى حدود اليوم . و في هذا السياق؛ لا بد أن نذكر بالمخطط الذي وضعه الجنرال الأمريكي المتقاعد (رالف بيترز) تحت مسمى (Blood borders) و كذلك مخطط وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر) . و كلا المخططين يدعوان إلى تقسيم منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا (الامتداد العربي الإسلامي) على أساس حدود الدم ؛ و ذلك بهدف تحويل الأمة العربية الإسلامية إلى دويلات صغيرة و متطاحنة؛ تعيش في كنف ولي الأمر الأمريكي-الأوربي؛ و الهدف –طبعا- هو فسح المجال أمام إسرائيل كبرى من النهر إلى النهر . لقد نجحت أوربا و معها الولاياتالمتحدة؛ في مشروعهما الحضاري و السياسي؛ بعد نجاحهما في القضاء على المقوم العرقي و الإثني كمدخل لتأسيس الدولة؛ و في هذا السياق بالذات ولد مشروع الدولة المدنية؛ التي هي ملك لكل مواطنيها باختلاف أديانهم و إثنياتهم و أعراقهم؛ فرغم اختلافاتهم الكثيرة؛ فإن ما يجمعهم هو الانتماء للوطن الواحد؛ بما يضمنه من حقوق و بما يفرضه من واجبات . إن العالم العربي؛ اليوم؛ و على إيقاع المد الثوري الذي يعيشه؛ في حاجة ماسة إلى مشروع الدولة المدنية؛ باعتباره المدخل الوحيد لبناء مجتمعات متعددة و منفتحة؛ لا تربط المواطنة بالعرق و الدين؛ بل بالانتماء للوطن. 2- كيف ترى سبل حل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام عادل يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وفقا للمواثيق الدولية ومقررات الأممالمتحدة؟ قبل أن نتحدث عن حل للقضية الفلسطينية؛ لا بد أن نعلم أن الكيان الصهيوني في المنطقة العربية؛ يمثل وسيطا استعماريا موثوقا به للغاية؛ و لذلك فهو يمثل المصالح الإستراتيجية للاستعمار الجديد في مقابل الحصول على الدعم الغربي اللامحدود. من هذا المنظور –إذن- يجب أن نعلم أن المعركة ضد الصهيونية؛ هي بالأساس معركة العرب –جميعهم- ضد الاستعمار؛ الذي أسس له وعد بلفور في المنطقة العربية سنة 1917 . و لهذا فإن الحديث عن القضية الفلسطينية كقضية وطنية تخص الفلسطينيين؛ هو تزوير للتاريخ و لحقيقة الصراع على الأرض. إن حل القضية الفلسطينية رهين بالوعي القومي العربي؛ بحقيقة الصراع باعتباره صراعا ضد القوى الاستعمارية؛ و لذلك فنحن في حاجة إلى استعادة فكر و روح قوى التحرر الوطني و القومي؛ التي طردت أعتى القوى الاستعمارية من المنطقة العربية . أما أن يعمل البعض على تزوير القضية و تعويمها في تفاصيل دقيقة؛ فهذا لن يخدم النضال العربي المشترك من اجل التحرر من الهيمنة الاستعمارية. و لعل ما تعيشه القضية الفلسطينية؛ اليوم؛ من تحركات على المستوى الدولي؛ بهدف تدويل القضية و إخراجها من المفاوضات الثنائية المغلقة المتحكم فيها أمريكيا؛ ليشي بتحول؛ على مستوى الوعي؛ بفشل المسار التفاوضي السابق؛ غير أن هذا التدويل يحتاج إلى دعم عربي و إسلامي واضح على الأرض؛ مع ضرورة القطع مع تلك الأسطوانة المشروخة ؛ التي بدأت تروج أن القضية الفلسطينية قضية وطنية فلسطينية خالصة؛ يجب على الفلسطينيين تحمل تبعاتها؛ أعيد و أكرر مرة أخرى أن القضية تتجاوز هذا التزييف؛ إنها قضية كل العرب في مواجهة المشروع الامبريالي الغربي في المنطقة العربية . 3 - كيف تقيّم الموقف الأمريكي والدول الغربية المناهض لإعلان دولة فلسطينية مستقلة بعد خطوة الزعيم الفلسطيني وتوجهه إلى الأممالمتحدة لتحقيق ذلك؟ إدا كنا على وعي؛ بأن الكيان الصهيوني مشروع استعماري غربي بغطاء يهودي؛ فإننا على كامل الوعي تماما ؛ بأن المستعمر لا يمكن أن يواجه نفسه؛ و لذلك لا يزعمن احد أن الولاياتالمتحدة و أوربا ستعارضان مشروعهما الاستعماري يوما؛ و ستعترف بالحقوق التاريخية للعرب و الفلسطينيين. قد نتساءل؛ ما هو البديل ؟ نجيب أن الحقوق تؤخذ و لا تعطى؛ و لنا في تاريخنا القريب دروس و عبر كثيرة؛ فعندما كان الاستعمار يجثم على أنفاسنا و يحول امتدادنا الجغرافي إلى أرض مشاع يصول و يجول فيها بلا رقيب؛ لم تستكن حركات التحرر الوطني إلى القرارات الدولية؛ و لم تكن تنتظر اعترافا من أحد؛ لقد قاومت بجميع أشكال المقاومة؛ بالسلاح و السياسة ... و وصلت في الأخير إلى تحقيق الاستقلال؛ لكن في ساحة المعركة؛ و ليس في القاعات المكيفة . 4- ما هي برأيك الأسباب الرئيسية للموقف السلبي من قبل الدول الكبرى تجاه إقامة دولة كردية مستقلة، تجمع أطرافها الأربع في دول الشرق الأوسط ، وهو مطلب شعبي كردي وحق من حقوقهِ ، ولماذا يتم تشبيه الحالة الكردية على أنها إسرائيل ثانية من قبل بعض الأوساط الفكرية والقومية في العالم العربي ؟ أتمنى أن تتسع صدوركم لموقفي الواضح من مثل هده القضايا؛ لأني لا أتحمل ممارسة النفاق السياسي؛ مع وضوح التناقض في الموقف؛ لكن مع احترامي المسبق لكل الشعوب في ممارسة اختلافها. انسجاما مع موقفي السابق؛ في الدفاع عن خيار الدولة المدنية؛ كفضاء سياسي يتسع لكل الأعراق و الإثنيات و الأديان ... أريد أن أؤكد أن مستقبل الأكراد يرتبط بمستقبل الدول التي ينتمون إليها؛ و بدل النضال من أجل مشروع عرقي يمزق دول المنطقة و يخدم في الأخير مصالح الاستعمار الجديد؛ من الأجدى أن يكون هدا النضال من أجل الحصول على مواطنة كاملة؛ و سيكون الأمر على المدى البعيد أفضل بكثير من الحصول على دويلة محاصرة من كل الجهات؛ و لا تمتلك مقومات إستراتيجية كافية للاستمرار. كما يجب على الإخوة الأكراد أن يستفيدوا من الدرس الإسرائيلي في المنطقة؛ و أن يكونوا على وعي تام بخطورة بناء كيان عرقي منغلق؛ لا يستمد شرعيته من مقومات سياسية واضحة؛ لأن هدا لن يخدم الشعب الكردي على المدى المتوسط و البعيد؛ لأن جذوة الحماس تنطفئ سريعا –مثلما انطفأت في جنوب السودان- ليجد الشعب نفسه في مواجهة تحديات لا يمتلك الإمكانات اللازمة لمواجهتها . و الإخوة الأكراد إدا اختاروا الانتماء لدولة ديمقراطية/مدنية؛ و ناضلوا إلى جانب مواطنيهم لتحقيقها؛ لن يشكلوا أبدا النموذج النشاز في العالم؛ بل على العكس من ذلك سيشكلون القاعدة؛ لأن الدول الديمقراطية/المدنية الحديثة؛ هي في الأساس دول عرقيات متعددة؛ يجمعها الانتماء إلى وطن واحد يحفظ حقوقها كاملة. إن الإخوة الأكراد يمكنهم أن يستفيدوا أكثر؛ إذا وجهوا نضالهم لبناء دول مدنية في المنطقة؛ قادرة على منحهم حق المواطنة بالمعايير الدولية الحديثة ؛ و سيكون دلك أفضل بكثير من معاندة الواقع و مواجهة أربع دول؛ الشيء الذي سيشتت النضال؛ و بالتالي لن يضمن الإخوة الأكراد لا حق المواطنة في دولة مدنية؛ و لا حق تأسيس كيان عرقي مستقل . و هذا الوضع لن يخدم مستقبل الإخوة الأكراد طبعا.
5- هل يمكن للتغيرات الراهنة في المنطقة - الانتفاضات والمظاهرات الأخيرة – من أن تؤدي إلى خلق آفاق جديدة أرحب للقوميات السائدة کي تستوعب الحقوق القومية للأقليات غير العربية مثل الأكراد، إلي حدّ الانفصال وإنشاء دولهم المستقلة ؟ أظن أن المد الثوري الذي يكتسح العالم العربي؛ اليوم؛ يؤسس لواقع سياسي جديد؛ قوامه اعتماد الإرادة الشعبية كمقوم أساسي في ممارسة السلطة؛ و حينما نذكر الإرادة الشعبية؛ فإننا نقصد تراجع الشرعيات التاريخية و الدينية المزورة؛ التي كانت تؤسس لممارسة السلطة في العالم العربي . في ظل هذا الوضع السياسي الجديد؛ يمكن الحديث عن بروز البوادر الأولى لمفهوم الدولة المدنية؛ التي تستوعب جميع الأعراق و الأديان و المذاهب؛ و هذا ما يمكنه أن يطفئ جذوة النزعات العرقية و المذهبية؛ لصالح الانتماء للوطن؛ كحام لحقوق الأفراد و الجماعات باختلافاتها و تعددها . تعلمنا التجارب السياسية في العالم و عبر التاريخ؛ أن الأنظمة الديكتاتورية و الشمولية؛ هي التي تشجع على خلق النزعات العرقية و الدينية و المذهبية؛ و ذلك أن الأفراد المهددين من طرف النظام المتسلط؛ يسعون إلى حماية أنفسهم عبر التكتل في شكل جماعات عرقية و دينية و مذهبية؛ و ذلك بهدف حماية أنفسهم من جبروت النظام السلطوي. بعد ذلك قد يتطور الأمر؛ حينما تتقوى هذه الجماعات؛ إما من خلال الاستفادة من أوضاع داخلية؛ و إما من خلال تلقي الدعم الخارجي؛ بحيث تتحول إلى جماعات انفصالية؛ تناضل/تحارب من أجل بناء وطن مستقل. لكن الأمر مختلف تماما في الدول الديمقراطية الحديثة؛ لأن الأفراد يتمتعون بجميع حقوقهم المدنية و السياسية و الاقتصادية... و لذلك فإنهم لا يبحثون عن انتماءات ضيقة تحميهم؛ لأن الدولة توفر لهم كامل الحماية؛ و هكذا تنطفئ جذوة الانتماءات الضيقة من تلقاء نفسها؛ و يعوض الانتماء للوطن؛ الانتماءات الضيقة؛ للعرق و الدين و المذهب . بناء على هدا التحليل؛ يمكن أن نؤكد أن نجاح العالم العربي؛ في بناء دول ديمقراطية/مدنية حديثة؛ سيعلن عن نهاية الصراع العرقي و الديني و المذهبي؛ و سيتحول إلى صراع سياسي/إيديولوجي حول مشاريع ذات طبيعة سياسية؛ تتنافس من اجل كسب الانتخابات و الوصول إلى الحكم؛ لتطبيق مشاريعها السياسية؛ التي تربطها بناخبيها. 6- هل تعتقدون بأنّ المرحلة القادمة ،بعد الربيع العربي، ستصبح مرحلة التفاهم والتطبيع وحلّ النزاعات بين الشعوب السائدة والمضطهدة ،أم سندخل مرحلة جديدة من الخلافات وإشعال فتيل النعرات القومية والتناحر الإثني ؟ استخلصت من خلال التحليل السابق؛ أن إشعال فتيل النعرات العرقية و القومية؛ يتصل اتصالا مباشرا بالأنظمة التسلطية و الشمولية؛ و هذا لا ينطبق –بالطبع- على الدول الديمقراطي/المدنية . لذلك؛ يمكن أن نؤكد أن الربيع العربي؛ اليوم؛ بقدر ما يؤسس لنموذج سياسي جديد؛ قوامه انتصار الإرادة الشعبية على نموذج الاستبداد الشرقي؛ فهو في الوقت ذاته يؤسس لنموذج اجتماعي جديد؛ سيكون من أهم نتائجه تحقيق الارتباط –المفقود اليوم- بين المواطن و وطنه؛ و هذا ما من شأنه أن يقضي تدريجيا على النزعات العرقية و المذهبية؛ التي تعتبر المدخل الرئيسي لفعالية إيديولوجية الانفصال . لذلك؛ لدي أمل كبير؛ في كون المرحلة القادمة على إيقاع الربيع العربي؛ ستكون مرحلة تحقيق حلم حضاري كبير؛ تحقق يوما و بنى امة ممتدة الأطراف و قوية؛ لكن أجهضه الاستعمار في شراكة مع الاستبداد؛ لعقود؛ و هو حلم الوحدة العربية مشرقا و مغربا؛ باعتبارها وحدة حضارية؛ تتجاوز الانتماءات العرقية و المذهبية؛ وحدة ستستفيد –طبعا- من النموذج الوحدوي الحديث؛ الذي شكل الولاياتالمتحدةالأمريكية يوما؛ كما شكل كندا ؛ و في هذه النماذج السياسية الوحدوية الناجحة؛ انتصرت الديمقراطية و الدولة المدنية على الانتماءات العرقية و المذهبية الضيقة . 7 - ما موقفك من إجراء عملية استفتاء بإشراف الأمم المتّحدة حول تقرير المصير للأقليات القومية في العالم العربي مثل الصحراء الغربيةوجنوب السودان ويشمل أقليات أخرى في المستقبل، مع العلم أنّ حق تقرير المصير لکلّ شعب حقّ ديمقراطي وإنساني وشرعي و يضمنه بند من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ عام 1948؟ الحديث هنا محفوف بالأشواك و المخاطر؛ خصوصا إذا لم نوضح بعض المفاهيم؛ و نخلصها من شحناتها الاستعمارية. و أول مفهوم جاء في سؤالكم هو مفهوم تقرير المصير. و هذا المفهوم حمال أوجه؛ تم استغلاله أبشع استغلال من طرف القوى الامبريالية لبلقنة الدول. و إذا كان مبدأ تقرير المصير؛ قد حضر في القانون الدولي؛ مرتبطا بنضال الشعوب من أجل الحصول على استقلالها؛ فإن النظام العالمي الجديد؛ الذي تقوده القوة الأمريكية؛ كان يبشر بواقع جديد؛ فقد انفتح المجال أمام صناع القرار الأمريكي؛ خلال هذه المرحلة للعودة إلى مبدأ تقرير المصير؛ مع إعادة شحنه بدلالات سياسية جديدة؛ تخدم المصالح الأمريكية عبر العالم؛ و ذلك بعد إفراغه من دلالته القانونية؛ التي رسخها نضال حركات التحرر عبر العالم؛ في صراعها ضد الدول الاستعمارية. هكذا بدأت بعض الأقليات التي كانت تشكل وحدة سياسية؛ بدأت تفكر في استثمار المعطيات الدولية الجديدة؛ لبلورة مشاريعها الانفصالية؛ و هذا ما حصل للاتحاد السوفييتي السابق؛ الذي انقسم إلى دول؛ انضم بعضها إلى رابطة الدول المستقلة؛ بينما انفصل بعضها الآخر في شكل مستقل؛ مثل أستونية و ليتوانية و لاتيفية ... و نفس المصير عاشه الاتحاد اليوغسلافي السابق الذي انقسم إلى دول مثل: كرواتيا؛ البوسنة و الهرسك؛ مقدونية؛ سلوفينية ... وقد تم ذلك باسم مبدأ تقرير المصير؛ الذي أعيدت صياغته أمريكيا؛ لكن حقيقة الأمر؛ كانت توجها أمريكيا واضحا؛ نحو تفكيك المعسكر الشرقي؛ الذي شكل لعقود قوة متكافئة مع القوة الأمريكية؛ بالإضافة إلى تفكيك الاتحاد اليوغسلافي؛ الذي كان يشكل امتدادا للاتحاد السوفييتي . و قد تم استغلال المؤسسات الدولية خلال هذه المرحلة لإنجاح عملية التفكيك؛ التي كانت تقودها الولاياتالمتحدة؛ و ذلك من خلال رد الاعتبار لمفهوم تقرير المصير؛ الذي تم استغلاله أبشع استغلال؛ و من ثم فتح باب الجحيم على مصراعيه؛ لتعم الفوضى (الخلاقة) !!! كل ربوع العالم؛ حيث تم فسح المجال أمام الأقليات و القوميات التي كانت تشكل دولا موحدة و مستقرة؛ تم فسح المجال أمامها للتعبير عن نزوعاتها الانفصالية؛ مستغلة الدعم الأمريكي المطلق. و هكذا عاد تقرير المصير القومي للانبعاث؛ بعدما تم الحسم معه في القانون الدولي؛ لصالح تقرير مصير الدول/الشعوب؛ و هذا الوضع الدولي الجديد لو استمر على هذا الحال؛ سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في العلاقات الدولية؛ لأنه ليس هناك دولة واحدة في العالم تضم قومية واحدة. لذلك فإن مبدأ تقرير المصير بشكله النيوكولونيالي يمر من مأزق خطير؛ خصوصا إذا حل الشعب بالمعنى القومي محل الشعب بالمعنى القانوني . 8- ماهي المعوقات التي تواجه قيام دولة كردية ، و كيانات قومية خاصة بالأقليات الأخرى كالأمازيغ و أهالي الصحراء الغربية؟ أول حقيقة تصدمنا بها التجربة الديمقراطية الحديثة؛ في العالم العربي؛ هو أن كل دول العالم المتقدم؛ تتجه نحو التكتل؛ على شكل دول مدنية ديمقراطية؛ تتشكل من أعراق و ديانات مختلفة؛ تجمعها حقوق و واجبات المواطنة؛ لكن بخصوص تجاربنا السياسية الفاشلة؛ فإننا نجد غلبة البلقنة. و السبب الرئيسي –في اعتباري- هو غياب المنهجية الديمقراطية التي تكرس التداول السلمي على السلطة؛ لأن الأنظمة السياسية الشمولية في العالم العربي؛ استبدت بالسلطة؛ لعقود؛ و قتلت كل آمال الجماعات و الأفراد في المشاركة السياسية الفاعلة؛ و لذلك تلجأ هده الجماعات إلى تأسيس سلط موازية كرد فعل . لكن عبث الأقدار يسقط هده التجارب نفسها في الاستبداد و التسلط؛ لان الديمقراطية لن تتحقق عبر الانفصال؛ و حتى إدا تحقق المشروع الانفصالي؛ فإن قادته سيعيدون إنتاج نفس النموذج السياسي الشمولي الذي انفصلوا عنه؛ فيشجعون بدلك ظهور حركات انفصالية داخل كياناتهم الغير قابلة للانفصال أصلا؛ و هكذا ندور في حلقة مفرغة؛ حتى ننتهي إلى دويلات قبائل متناحرة؛ تخدم السيد الامبريالي؛ طلبا للحماية و المساعدة . و بما أنني عبرت عن موقفي سابقا –بوضوح- بخصوص القضية الكردية؛ فدعني أوضح موقفي كذلك؛ بخصوص ما ذكرتموه في سؤالكم حول قضية الصحراء الغربية و قضية الأمازيغ. 1- بخصوص قضية الصحراء بعد أن كان تقرير المصير في إقليم الصحراء؛ الذي كان محتلا من طرف الاستعمار الاسباني؛ يسير في اتجاهه الصحيح؛ عبر المطالبة المغربية بإجلاء الاستعمار عن منطقة صحراوية تابعة للمغرب؛ بمعطيات الجغرافيا و التاريخ و القانون الدولي؛ و بعد أن تمكن المغرب عبر المفاوضات و عبر المقاومة المسلحة من طرد آخر جنود الاستعمار الإسباني؛ بعد كل هذا المسار الطويل وجد المغرب نفسه يواجه وضعا دوليا جديدا؛ يحوله من دولة مستعمرة (بفتح الميم) تطالب بحقها في الاستقلال و تقرير المصير؛ إلى دولة (مستعمرة) – (بكسر الميم) تطالبها الشرعية الدولية المزورة بتقرير مصير (شعب صحراوي) لم يوجد يوما إلا في مخيلة المستعمرين و التوسعيين . لقد أدى المغرب ثمنا غاليا في معاناته مع الأطروحة الانفصالية في أقاليمه الصحراوية؛ و ذلك من منطلق مبدأ تقرير المصير دائما؛ فجبهة البوليساريو تتخذ هذا المبدأ كشعار لفصل امتداد ترابي مغربي خالص؛ بمعايير التاريخ و الجغرافيا و القانون الدولي؛ عن الوطن الأم. لكن هذا المبدأ يحضر-كما أسلفنا- من منطلقات قانونية خاطئة؛ تطالب بتطبيق الشرعية الدولية؛ لكنها تخرقها في نفس الآن . إن البوليساريو تطالب بتطبيق مبدأ تقرير المصير؛ من منطلقات غير قانونية؛ لأن الصحراويين لم يمتلكوا عبر التاريخ دولة منفصلة عن المغرب؛ كما لم يشكلوا عبر التاريخ شعبا منفصلا عن الشعب المغربي؛ و على خلاف ذلك تماما فإن مبدأ تقرر المصير؛ ارتبط في القانون الدولي بالدول/الشعوب المستعمرة؛ و القرارات الأمية تؤكد بالواضح و المباشر؛ أنها غير مسؤولة عن أي تأويل لقراراتها؛ للمس بسيادة الدول و سلامتها الإقليمية؛ و استقلالها السياسي : نعم يمكن أن نقر بان القضية سياسية؛ ذات أبعاد استعمارية؛ نظرا للتاريخ الاستعماري للدولة الاسبانية في منطقة الصحراء؛ و كذلك ذات أبعاد إيديولوجية؛ نظرا للصراع الإيديولوجي الذي عرفته منطقة المغرب العربي؛ خلال مرحلة الحرب الباردة بين المغرب؛ الذي مثل الخيار الليبرالي/الرأسمالي في المنطقة؛ و بين ليبيا و الجزائر اللتان مثلتا الخيار الشيوعي/الاشتراكي . و نظرا لهذا التداخل بين الأبعاد الاستعمارية و الإيديولوجية؛ فقد تم تحريف مبدأ تقرير المصير؛ لخدمة أجندة خارجية؛ إقليمية و دولية؛ و تم تقديم سكان مغاربة؛ كشعب يطالب بتقرير مصيره؛ في تحد سافر لروح القانون الدولي. 2- بخصوص القضية الأمازيغية الوضع بخصوص هده القضية مختلف عن سابقه؛ فأمازيغ المغرب مثلا ليست لديهم مشاريع انفصالية؛ على خلاف أمازيغ الجزائر؛ الذين أعلنوا عن تشكيل حكومة صورية في فرنسا؛ بدعم فرانكفوني واضح . و في حديثنا عن الأمازيغ يجب أن نفصل بين طبقتين اجتماعيتين: - الطبقة الأولى يمثلها أغلب السكان الأمازيغ الذين اندمجوا مع باقي الأجناس الأخرى (عربية؛ إفريقية؛ أوربية) في إطار مجتمع منفتح و متواصل؛ لا يعتمد معيار العرق في التصنيف. و هؤلاء مواطنون كاملو المواطنة؛ و لا يشكلون نشازا في المجتمع . - الطبقة الثانية: تمثلها حركات متطرفة؛ تستثمر الانتماء العرقي؛ كأساس في الصراع السياسي؛ و هذه الحركات أصبحت اليوم لا تمثل قراراتها الخاصة؛ بقدر ما أصبحت تخدم أجندة لا وطنية معادية؛ سواء في علاقتها بالفرانكفونية الفرنسية؛ أو في علاقاتها بالكيان الصهيوني؛ و نتيجة انفضاح مشاريعها اللاوطنية؛ فهي تفقد بالتتابع مشروعيتها بين السكان الأمازيغ قبل غيرهم . من هذا المنطلق؛ يكون الحديث عن قيام كيانات مستقلة؛ خاصة بالبوليساريو أو بالأمازيغ؛ حديثا لا يعبر عن حقيقة الواقع؛ بقدر ما يسعى إلى خلق كيانات وهمية غير موجودة أصلا . و يجب أن نكون حذرين بشكل كبير؛ لأننا يمكننا أن نخدم -عن حسن نية طبعا- أجندة استعمارية؛ تسعى جاهدة إلى خلق برك آسنة؛ لتصيد في الماء العكر . كلمة أخيرة : في الأخير؛ لا يسعني إلا أن أشكركم على هده الفرصة الثمينة التي أتحتموها لكتاب الحوار المتمدن؛ و أتمنى أن أكون ضيفا خفيف الظل في مقامكم . كما أود أن أؤكد أننا تعلمنا حرية التعبير و الرأي في الحوار المتمدن؛ و نحن نمارس هده الحرية؛ اليوم؛ بطلاقة؛ لا نحابي فيها أحدا؛ سوى الانتصار لما نراه حقيقة. و بما أن الحقيقة تبقى دائما نسبية؛ فيكفي أننا عبرنا عن رأينا؛ و باب النقاش و التعقيب مفتوح أمام الجميع ؛ و نحن على كامل الاستعداد للتفاعل مع القراء الكرام؛ خدمة لحرية التعبير و الرأي