لم يكن يظن الثائر التونسي محمد البوعزيزي انه بتلك النيران التي أشعلها على جسده النحيل ستشعل نفوس ملايين الشعوب العربية التواقه الى الحرية من الأنظمة الديكتاتورية المستبدة.. أشعل فيهم لهيب الثورة والتغيير والحياة الكريمة ورفض مبدأ التوريث والوصاية..أشعل فيهم حب الوطن كما أشعل كلمة لا للزعيم الأبدي. هكذا أشعلها البوعزيزي وأخرج الشعوب العربية الخائفة التي كانت تنتظر تلك اللحظة كي تخرج من جحورها وتهدف بالصوت العالي "الشعب يريد إسقاط النظام". وهاهي بعد 8 أشهر اسقطت ثلاثة من أقوى الأنظمة العربية المستبدة وهيا بالتدريج تونس مصر ثم ليبيا، واليمن لا يزال ينتفض ويعارك نظاماً جثم على صدره 33 عاماً. كل هذه الأنظمة العربية وغيرها من الأنظمة التي لا تستمد لشرعية قانونية كاملة في حكمها تتعرض لاحتجاجات وانتفاضات وهذا ما نراه حالياً في سوريا والأمر يهدد بعض الدول العربية الأخرى. فلا دخان بلا نار ولو كانت تلك الأنظمة ديمقراطية بالمعنى الكامل ما كانت ستتعرض لأي وقفه احتجاجية ومطالبه بإسقاط النظام . وانطلاقاً مما سبق تسعى هذه المقالة البحثية إلى رصد وتحليل الثورة في اليمن وتداعياتها على طبيعة النظام السياسي اليمني، وكذا دور المعارضة الحزبية اليمنية والمتمثلة بأحزاب اللقاء المشترك. الحياة السياسة والاجتماعية في اليمن.. البنية والتعقيدات: النظام السياسي في اليمن يمتاز بالتعقيد، ويرجع المحللون السياسيون هذا التعقيد الى أسباب عده أبرزها حداثة التجربة الحزبية في اليمن بشكلها الشرعي، بالإضافة الى الصورة السلبية التي يحملها الكثير من المواطنين عن الأحزاب كنتيجة للتشويه السياسي المعادي لوجود أحزاب معارضة من قبل النظام اليمني. فالنظام السياسي في اليمن سعى في فترة حكمة على تهميش دور المعارضة وأضعف دورها السياسي، وذلك من خلال الأغلبية الكاسحة في البرلمان اليمني الذين ينتمون للحزب الحاكم. وفيما يخص النظام الاجتماعي في اليمن فهو شديد التعقيد، فالبلد يبلغ تعداده حوالي 23 مليون نسبة بتعداد عام 2006، وتبلغ نسبة الفقر فيه أدنى مستوياتها حيث يصل على 43%. ويوجد في اليمن عده تيارات دينية، ويعد الحوثي الذي يقع في الشمال الغربي للجمهورية اليمنية من أقوى التيارات، وينسب الحوثيين أنفسهم الى قائدهم السابق حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل أثناء حربه مع النظام اليمني في عام 2004، وهم جماعة تنتمي الى الزيدية ولكن من أصول شيعية أثني عشرية بما يسمى بأنصار الله أو الشباب المؤمن. الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة في اليمن أ. الأسباب المباشرة: من دون شك أن اندلاع الثورة التونسية في 18 ديسمبر من العام الماضي، كانت هي الشعرة التي قسمت ظهر البعير. بعدها بأيام معدودة قامت الثورة المصرية في 25 يناير عام 2011م، وكانت من نتائجها إسقاط أقوى الأنظمة العربية. ولكننا لو نظرنا على الثورتين التونسية والمصرية نلاحظ أن تأثير الثورة المصرية في قيام الثورة اليمنية هيا الأقوى، نظراً لتأثر النظام اليمني بنظيره المصري منذ القدم، فما أن نجحت الثورة المصرية وتنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم في 10 فبراير، كان الشعب اليمني في تلك اللحظة قد هب للشوارع معتصم لإسقاط النظام. وتتجلى ملامح التشابه بين ما جرى في اليمن ومصر، هو أن الأحزاب المعارضة لم تشارك في بداية انطلاقة الأحداث للخروج على الشارع، حيث أقتصر الأمر على الطلاب والشباب والناشطين الحقوقيين في ميدان التغيير، وما أن تبلورت الأمور وكونها حالة ثورية شعبية عامة، حتى أخذت الأحزاب في الانضمام إلى الثورة بطرق مباشرة وغير مباشرة. ب. الأسباب الغير المباشرة: منذ تولي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مقاليد الحكم في اليمن في عام 1978م، واليمن يعيش حالة من عدم الاستقرار في شتى مناحي الحياة، فمن الناحية السياسية لم يقوم النظام السياسي اليمني بإجراء إصلاحات جذريه وملموسة، ناهيك عن تغييبه لدور الأحزاب السياسية، مما أدى على تشكل ما يسمى باللقاء المشترك والذي يسعى الى توحيد صفوف المعارضة اليمنية، وهو عبارة عن تكتل أحزاب المعارضة اليمنية، عن طريق انضمام حزب التجمع اليمني للإصلاح وحزب التجمع السبتمبري إلى ما كان يعرف ب "مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة" المؤسس عام 1999 م والذي كان يضم الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي القومي وحزب الحق واتحاد القوى الشعبية اليمنية. ومن ضمن الأسباب الغير المباشرة لثورة 10 فبراير تفشي الفساد والبطالة والفقر حيث كشف تقرير أن نسبة البطالة في اليمن وصلت على 52%، وأن عدد العاطلين من العمل في بلغ عام 2010 حوالى 675 ألفاً، وفي ظل الظروف الاقتصادية القائمة يتوقع زيادتهم إلى الضعف أي حوالى 1.2 مليون عام 2030. أضافة الى مطلب الثوار بتنحية جميع أقارب الرئيس "علي عبد الله صالح" من المناصب القيادية بالمؤسسة العسكرية والأمنية والحكومية، وقد دعت مجموعة على "الفيسبوك" أسمت نفسها "شباب العاشر من فبراير" إلى عزل هؤلاء بشكل عاجل وعلى رأسهم نجل الرئيس والذي يتولى مهام قائد الحرس الجمهوري والخاص، وأبناء إخوته محمد وطارق محمد وعمار محمد في مناصب أركان حرب الأمن المركزي، وقيادة الحرس الخاص ووكالة جهاز الأمن القومي. هذا الأسباب كانت كفيلة بتفجر ثورة شعبية ما زالت مستمرة تهدف بشكل أساسي إلى إسقاط نظام الحكم في اليمن بشكل نهائي، وبناء دولة مؤسسات تعمل على حل مشاكل اليمن، بما يتناسب تطلعات الشعب اليمني. مبادرة الرئيس قبل الاحتجاجات: قبيل نزول الشارع اليمني بأعداد كبيرة للشارع أي في 2 من فبراير 2011م، قام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعقد لقاء خاص واستثنائي أمام البرلمان ضم مجلس الشعب والشورى، قدم فيها صالح تنازلات كبيرة للمعارضة وقال في الكلمة التي ألقاها: "لا للتمديد، لا للتوريث، ولا لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء"، داعياً المعارضة إلى العودة للحوار والمشاركة في حكومة وحدة وطنية. ولكن بعد فوات الأون، فبعدها نزلت الجموع الثورية بأعداد مهولة. وأعلن الرئيس اليمني أنه: أنه لن يترشح لفترة رئاسية جديدة، وتكون فترة لعام 2013 م هي الفترة الأخيرة. تعهد الرئيس اليمني بترك أسرته المناصب الأمنية والعسكرية وخاصة نجله أحمد علي عبد الله صالح بعد انتهاء فترة ولايته، أي أسقاط مبدأ التوريث. دعوة المعارضة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. صرح بتعديلات دستورية قريبه، وتأجيل الانتخابات النيابية الى بعد التعديلات. شدد على أهمية توسيع صلاحيات الحكم المحلي وانتخاب المحافظين ومدراء المديريات بشكل ديمقراطي نزيه. كشف عن برامج حكومية للحد من الفقر وتوفير فرص عمل لخريجي الجامعات وفتح باب الاكتتاب أمام المواطنين في عدد من المؤسسات الاقتصادية العامة. الجهود الدولية لاحتواء الأزمة اليمنية (المبادرة الخليجية) في ضل الإحداث التي تمر منها اليمن دأبت العديد من الدول لاحتواء الأوضاع وكان من أهم تلك المحاولات هي المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية والتي تنص على: منذ اليوم الأول يكلف رئيس الجمهورية المعارضة بتشكيل حكومة وفاق وطني. التأكيد على ضمان سلامته وعدم إجراء أي ملاحقة له ولجميع أقاربه وأركان النظام. يشكل الرئيس المنتخب لجنة دستورية للأشراف على أعداد دستور جديد. عقب استكمال الدستور الجديد، يتم عرضة على استفتاء شعبي. في حال تمت الموافقة من جميع الأطراف على هذه المبادرة يتم دعوتهم إلى الرياض للتوقيع عليها والبدء بتنفيذها الفوري. تكون دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي شهوداً عل تنفيذ تلك الاتفاقية. وقد ركزت المبادرة الخليجية إلى أهمية تقديم ضمانات للمعارضة كون الوسطاء الخليجين يتفهمون مخاوف المعارضة وعدم ثقتهم بالسلطة، وتتجلى الضمانات في أن الخليجيون والأمريكيون والأوربيون سوف يكونوا شهوداً على الاتفاق حسبما ينص البند العاشر من بنود الخطوات التنفيذية. الدور القبلي في الثورة اليمنية: تلعب القبلية في اليمن دوراً كبيراً وهاماً في سياسة اليمن الداخلية والخارجية على حد السواء، فالقبيلة في اليمن (تشكل ما يقرب عن 85% من أجمالي عدد السكان)، كما أنها تمثل أحدى المميزات الخاصة بالحياة الاجتماعية في سياسة اليمن وكانت للقبيلة في اليمن دوراً قوي وفعال في مسار ثورة 10 فبراير ، فقد أعلنت فبليتن حاشد وبكيل اللتان تعدان من أكبر القبائل اليمنية أنظماهما للمطالبين بالإصلاحات ومنادين في نفس الوقت بسقوط النظام، حتى وصل بهم الحال الى الدخول في حرب مع الدولة في شهر يوليو من هذا العام سار ضحيتها مئات القتلى والجرحى وبهذا الانضمام تقلصت ورقة صالح القبلية، فبعد تقربه إليهم بالأموال تارة وسعيه لبعث الفتنة بينهم تارة أخرى، تخلى معظمهم عنه، وصار شيوخ وأبناء القبائل المتناحرة سابقا يجلسون جنبا إلى جنب داخل خيام التغيير نتائج الثورة اليمنية: هنا سنلخص النتائج التي حققتها ثورة 10 فبراير باليمن في عده نقاط: أ. نجحت في فرض مطالبها الاجتماعية والسياسية في الضغط على النظام السياسي، واستحداث حالة من الحراك السياسي الموحد في الشارع اليمني. ب. بعثت الروح في جسم المعارضة المقموعة والمنهكة، فلأول مرة تبلور المعارضة بكافة مشاربها الفكرية والعرقية في مطالب وأهداف واحده. ج.أفشلت مشروع توريث الحكم، والذي كان من المنتظر أن يكون. د. كشفت العديد من الهفوات التي كان يمارسها الحزب الحاكم في الحياة السياسية اليمنية، وذلك من خلال انشقاق العديد من قياداته. ه. الإلتفاته بشكل قوي وجدي لحل القضية الجنوبية وقضية الحوثين. و. أكدت عدم جدوى الحل الأمني والعسكري في معالجات السياسات العامة وقمع الحريات الفردية والجماعية. ز. أثبتت أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لا معنى لها بدون إصلاحات سياسية، فالفساد السياسي مناخ مؤات لخدمة طبقة واحدة وهي طبقة المقربين من نظام الحكم، بينما يتحول باقي الشعب الى فقراء متفرجين. ح. اثبت اليمن للعالم أن الشعب اليمني مسالم بالرغم من انتشار السلاح، وذلك ما يؤكد العدد القليل للضحايا خلال الأزمة. ولا يزال تسارع إيقاع الإحداث وتفاعلها في اليمن أسرع من حديث المبادرات التي تطرح من وقت الى أخر لاستيعاب الأزمة أو محاولة في احتوائها، وأن كان هذا ليس بجديد في تكرار نفس السيناريو للإحداث وسقوط حوالي 300 شهيد في ميدان التغيير والحرية والكرامة بالمدن اليمنية، والسيناريوهات المطروحة في الساحة اليمنية محدودة للغاية. أولها إعلان الرئيس علي عبد الله صالح دعوة القوى السياسية للحوار ومنهم الشباب المعتصم، على أن يسبق ذلك إعلان جدول زمني للخروج من السلطة في حدود سه أشهر وتحديد إليه كفيلة بذلك. والخيار الثانية هو السيناريو المصري الذي يقتضي بتسليم السلطة للجيش لحماية البلاد من الفتنة والحرب الأهلية خصوصاً في ضوء النظام القبلي وتدخله مع النظام العسكري والأمني، وهو سيناريو تقابله أيضا عقبات كثيرة منها قضية اللواءات مع بعضها البعض في المؤسسة العسكرية. والسيناريو الأخير هو السيناريو الليبي، وهو تمسك الرئيس صالح بمواقفه والاحتماء بأنصاره والدخول في حرب ضروس تكتب فيها النهاية لليمن الذي سيتحول لصومال جديد في ضوء طبيعيته الخاصة من جديد وتعقيداته المتعددة. أحمد إبراهيم جعفر صحفي وباحث دكتوراة في العلوم السياسية. المغرب