طرح ملك المغرب محمد السادس على الشعب المغربي مشروع دستور وصفه بالجديد،و طلب من الأحزاب المغربية تعبئة الشارع المغربي من أجل التصويت عليه بنعم في الإستفتاء المزمع تنظيمه في البلاد،و أعطى النموذج بنفسه حينما أخبر المغاربة في خطاب خاص أنه سيصوت بنعم عليه. في اعتقادي أن خطاب محمد السادس لم يحمل أي جديد و لم يستجب للمطالب الملحة،لأن المرحلة المقبلة لا تحتمل ترقيع الدستور الحالي و إنما إلغاءه بالكامل ووضع دستور جديد ديمقراطي للبلاد،خاصة فيما يتعلق بالفقرات المتعلقة بصلاحيات الملك،على أن يشرف على العملية فريق من فقهاء القانون الدستوري. أعتقد أن ضرورة المرحلة تتطلب صياغة دستور مناسب بعيدا عن هذه التعديلات المشوهة التى سوف تحدث انتكاسة للشباب المغربي المطالب بالتغيير و لمغرب القرن الواحد و العشرين. كان على الملك مثلا عوض تعيين اثنين من المقربين من القصر لإعداد مقترحات،أن يعمل على تأسيس لجنة تأسيسية لدستور جديد،و الإقرار بأن الدستور الحالي بعلله لم يعد يساير المغرب الراهن و حتى لا نسير في الإتجاه العكسي. كنا ننتظر أن تتحول الحكومة الحالية إلى حكومة لتصريف الأعمال على اعتبار أنها لاتحظى بأي دعم شعبي و مدة صلاحيتها انتهت،على الملك أن يتخذ قرارا شجاعا و جريئا بإقالة هذه الحكومة و حل البرلمان و تعليق العمل بالدستور الحالي ووضع خارطة طريق لاجراء انتخابات برلمانية و بلدية،على أن تكون مهمة البرلمان الجديد مناقشة مشروع دستور جديد يعكس جميع وجهات النظر. في اعتقادي أن ما جاء في خطاب الملك في هذا الإتجاه هو نوع من عدم وضوح الرؤية، لأن التعديلات على دستور كله علل هي تعديلات سطحية في جوهر الدستور. لقد ظهرت مسودة الدستور كمقالةٍ “كتبت ولم تقرأ”, كعروس خارجة من معركة, ودون ان تنظر الى نفسها بالمرآة لترى انسجام مكياج وجهها وكحلة عينها وبدلة العرس. لم يفهم الشباب المغربي الذي فرض على الملك التغيير و وضعه أمام الأمر الواقع،كيف أن محمد السادس استشار مع جميع الأحزاب المغربية في صياغة هذا الدستور،و بعدها طلب منها أن تتحرك لحث الناس على التصويت بنعم،علما أن واقع هذه الأحزاب التي توصف لدى الشارع المغربي بالدكاكين السياسية،و الفساد المستشري داخلها،سبب من عدة أسباب جعلت الشباب المغربي ممثلا في حركة 20 فبراير ينزل إلى الشارع و يطالب بإسقاط الفساد. الشباب المغربي لا يعترف بهذه الأحزاب التي أشركها الملك في صياغة مشروع الدستور،و يعتبرها جزءا من أزمة المشهد السياسي المغربي الراهن،بل و هناك من يطالب بحلها و إلغاءها،و محاسبة قادتها بشأن مصير الدعم المالي العام المقدم لها كل عام. لم يتحرك الملك مثلا ضد الفساد و رموزه الذين طالب شباب المغرب بإسقاطهم،و بحث حناجرهم بشعارات تدعوا لمحاسبتهم،و محاكمتهم عن كل الجرائم التي اقترفتها أيديهم في حق المغرب و شعبه و اقتصاديه و سياسته و خيراته. قبل خطاب الملك ببضعة أيام اقدمت أجهزة المخابرات المغربية على تسريب صور و شرائط فيديو إلى بعض المواقع المشبوهة،تظهر ما سمتها هذه المواقع بقيادات في جماعة العدل و الإحسان المحظورة،و هي في وضع حميمي في بعض الغرف المغلقة ملتقطة خلسة على ما يبدو أو مفبركة ربما،في محاولة لضرب مصداقية هذه الجامعة التي تتمتع بشعبية واسعة لدى الشارع المغربي. إذن النظام المغربي لم يقطع مع هذه السلوكات البائدة،و ثقافة الإقصاء لازالت سائدة ،كان يفترض مثلا في الملك أن يأمر بفتح تحقيق نزيه و جدي فيما جرى،و أن يتحرك القضاء المغربي لمعاقبة المسؤول عن هذه الأفعال المشينة داخل الأجهزة المغربية،لكنه لم يفعل. مشاهد “الفرحة” في شوارع بعض المدن المغربية التي نقلتها القنوات التلفزيونية الرسمية في المغرب “ابتهاجا” بخطاب الملك،ذكرتني بنفس المشهد في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية،مباشرة بعد الخطاب الاخير للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي،حين نزل “بلطجية” الطرابلسي لخلق بهجة زائفة في العاصمة،ليتضح لاحقا ان كل شيء كان مفبركا،و المشهد مؤثتا و “و الفرحة” مصطنعة. “الرأي الآخر” غاب بشكل كامل عن شاشات القنوات المغربية كما جرت عليه العادة،و هي تواكب خطاب الملك و تناقش مضامين الدستور مع ضيوفها،و غاب أيضا في تقاريرها المصورة،و لم تنقل لنا مثلا وجهة نظر شباب حركة 20 فبراير أصحاب الفضل في هذه الحلحلة السياسية التي تعيشها البلاد. نحن إذن أمام نفس الممارسات السابقة،لا صوت يعلو فوق صوت “نعم” التي ارادها الملك،و تلك الحملات الرسمية السابقة التي اعتقدنا أنها ولت إلى غير رجعة بضجيجها و غبارها و شعارها الباهت المنبعث من أبواب رديئة “نعم فالصندوق..و الملك الفوق الفوق”،عادت من جديد إلى مغرب القرن الواحد و العشرين. أين هو المغرب الجديد الذي كنا نريده،المغرب الذي يفسح المجال لجميع الآراء مهما كانت و لا يقصي الرأي المخالف،لأن معيار الحضارة والتحضر الحقيقيان هو ثقافة الاختلاف .. ومدى قبول الآخر .. مهما بدا بعيداً ومختلفاً، معارضاً ومتعارضاً. لا جدال في أن الخلافات السلبية تعرقل وتقوض مجريات أي عمل ، وإن تعددت التحضيرات “المارطونية”، إذ يكثر اللغط والعجن واللت وهناك من تستهويه فذلكات الكلام فيمعن في إحراق أعصاب من يستمع إليه – خلال الإجتمعات – لكي يفسر الماء بالماء والسماء فوق والأرض تحت ؟.. لكن الإختلاف في – في حد ذاته – ليس عيبا أو مثلبة ، وإنما هو إثراء و إغناء ، إذ كانت نوازعه صادقة وهادفة مع مراعاة “القاعدة الذهبية ” نتعاون فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا عليه “. أعتقد هنا يكمن الخلل الكبير في راهننا المغربي اليوم، وربما يختصر حالة الاستعصاء التي نعاني منها حيال ما يجري و يدور..الإختلاف في الرأي لا يجب أن يفسد للتلاحم بين كل مكونات الشعب المغربي قضية. نريد وطناً يشعرنا بأننا بشر لنا وجود وكيان، وأن قيمة كل فرد منا كقيمة الانسان في الدول و البلدان و الامم التي تحترم شعوبها.. نريد ان نشعر اننا متساون “كأسنان المشط” ، وأن “كلنا سواسية أمام القانون ولنا الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لنا جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تميز وضد أي تحريض على تمييز.”... نريد قضاة يعدلون بيننا،و قضاءا لا صوت يعلو فيه على صوت القانون،نريد قضاءا يكون فعلا لا قولا سلطة مستقلة عن بقية السلط..لا مجرد وظيفة تملى عليه الأحكام بالهاتف..نريد أن نشعر اننا متساون “كأسنان المشط” ، وأن “كلنا سواسية أمام القانون. نريد ان لا يُعرّض أي انسان على أرضنا للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة او الحرمان من السفر بسبب آرائه الشخصية،و أن يكون لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ألم أقل أن المعيار الحقيقي والبعيد وربما الأزلي، لأية حضارة، هو مدى قبول الآخر .. وأن تعميم ثقافة الاختلاف هو الخطوة الأولى نحو بناء دولة وطنية لكل أبنائها؟! و في انتظار تحقق ذلك،يبدو أن الدستور المغربي في حلته المعدلة، ظهر كعروس صبغ كل خصلة من شعرها مجموعة حلاقين لايرى الواحد منهم الاخر. استقيموا يرحكم الله * إعلامي مغربي مقيم في باريس